وفاة غامضة لـ"جلاد صيدنايا الأكبر": تصفية جديدة داخل النظام السوري؟

15 يناير 2018
+ الخط -
عاد سجن صيدنايا العسكري، أبرز معتقلات النظام السوري، إلى واجهة الحدث السوري، إثر الكشف عن وفاة مديره العميد محمود معتوق، المتحدّر من قرية ساحلية سورية. ولم تتضح بعد الأسباب الحقيقية وراء وفاة معتوق، إلا أنّ مصادر في المعارضة السورية لم تستبعد فرضية تخلص النظام منه للتغطية على جرائم ارتُكبت في سجن صيدنايا على مدى سنوات، إذ كان المسؤول المباشر عن مقتل آلاف المعتقلين، إما تحت التعذيب أو رمياً بالرصاص عقب محاكمات صورية.

ودفن العميد محمود أحمد معتوق في مسقط رأسه قرية فديو بريف اللاذقية في الساحل السوري أول من أمس السبت، بعد يومين من إعلان شقيقته أنه "استشهد وهو يقوم بواجبه الوطني"، فيما ما زالت ملابسات كيفية حدوث ذلك غير معروفة بعد بروز روايات عدة. وفيما تحدّثت أنباء عن أنه توفي بذبحة قلبية، أشارت رواية أخرى إلى أنه قُتل على "جبهة حرستا"، حيث يخوض النظام معارك لفك الحصار عن قواته في "إدارة المركبات"، الأمر الذي بدا مستغرباً. من جهتها، اعتبرت مصادر في "رابطة سجناء ومعتقلي سجن صيدنايا" لـ "العربي الجديد" أن النظام "قام بتصفية معتوق للتغطية على الجرائم التي حدثت في معتقل صيدنايا"، مشيرة إلى أن معتوق "كان يشرف بشكل شخصي على عمليات الإعدام الميدانية بالسجن".

وتصف مصادر معارضة للنظام العميد معتوق بـ "جلاد صيدنايا الأكبر"، مشيرة إلى أنه ثاني مدير لهذا المعتقل يلقى حتفه خلال سنوات الثورة السورية، بعد اللواء طلعت محفوض الذي قتل في أيار/ مايو 2013 في كمين نصبه له "الجيش السوري الحر" على الطريق المؤدية نحو السجن.

بدوره، أكّد رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، لـ "العربي الجديد"، أن محمود معتوق "كان من المجرمين الذين سميّناهم بالدعوى التي قدمناها للمدعي العام بألمانيا". ولفت إلى أن معتوق "كان متهماً بممارسة التعذيب، وتنفيذ أحكام الإعدام خارج نطاق القانون، وإخفاء جثث الضحايا". وأشار البني إلى أنه تقدّم بالدعوى في بدايات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بحق مسؤولي الشرطة العسكرية، وقضاة المحكمة العسكرية الميدانية، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ومسؤولي سجن صيدنايا. وقال البني "ربما الدعوى التي قدمناها أدت إلى أن يقوم النظام بتصفية معتوق". كذلك توقّع البني أن يقوم النظام بتصفية بقية المسؤولين عن إصدار أحكام الإعدام بحق المعتقلين وتنفيذها وإخفاء جثث الضحايا، قبل أن يضيف "لكن كل ذلك لن يحميه، وستتم ملاحقته".

ويصنف سجن صيدنايا ضمن خانة السجون الأخطر في العالم، كما أنه العنوان الأسود للطريقة التي تعامل بها النظام مع السوريين منذ عام 1970، تاريخ استيلاء حافظ الأسد على السلطة وحتى يومنا هذا.

ويقع سجن صيدنايا شمال شرقي دمشق بالقرب من بلدة تحمل الاسم ذاته، وهو حاضر بشكل دائم في الذاكرة السورية كونه المكان الذي يعتقل فيه النظام معارضيه قبيل الثورة، وأثناءها، ولا يزال يضم في أبنيته وأقبيته آلاف المعتقلين الذين انقطعت أخبارهم عن ذويهم، إذ تؤكد مصادر في المعارضة السورية أن السجن العسكري يشهد إعدامات ميدانية بشكل دائم.

 

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في فبراير/ شباط الماضي تقريراً عن السجن المذكور حمل عنوان: "سورية: المسلخ البشري... عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا"، أكدت فيه أن سجن صيدنايا هو "المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء". ولفتت إلى أنه "يشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا". كذلك أكدت أنه "جرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية نفذت تحت جنح الظالم"، مشيرة إلى أنه قُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية. وكشف التقرير عن أن قتلى صيدنايا يدفنون في مقابر جماعية، مضيفة "لا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب بدون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها".

 وأوضحت المنظمة الدولية في تقريرها أن "ثمة مركزين للاحتجاز داخل سجن صيدنايا العسكري، ويحتجز فيهما ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص، ويشكل المدنيون غالبية المحتجزين في المبنى الأحمر ممن جرى اعتقالهم عقب اندلاع الأزمة في عام 2011؛ بينما يشكل ضباط وجنود الجيش السوري سابقاً غالبية المحتجزين في المبنى الأبيض على إثر اعتقالهم منذ عام 2011 أيضاً".

وأكدت أنه "قُتل آلاف المحتجزين في المبنى الأحمر، إثر إعدامات سرية تتم خارج نطاق القضاء، وبعد احتجازهم في ظروف تصل إلى مصاف الاختفاء القسري". ولفتت إلى أنه تتم محاكمات "للمعتقلين أمام محكمة الميدان العسكرية الكائنة في حي القابون بدمشق، وتستغرق المحاكمة الواحدة ما بين دقيقة واحدة وثلاث دقائق كحد أقصى. واستفاض التقرير في شرح ما يتعرض له المعتقلون داخل السجن قبيل "حفلات الإعدام"، إذ يتم شنق بين 20 إلى 50 معتقلاً في كل "حفلة" تتكرر مرة أو اثنتين أسبوعياً.

وأشار التقرير إلى أنه "توضع الجثث عقب الإعدام في شاحنة، وتنقل إلى مشفى تشرين (شمال شرقي دمشق) لتسجيلها ودفنها في قبور جماعية، في أرض تابعة للجيش على مقربة من دمشق، وفي قرية "نجها" تحديداً، التي تقع على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، وفي بلدة "قطنا" الصغيرة الواقعة في الضواحي الغربية من دمشق، وفق التقرير.

ويؤكد التقرير الذي اعتمد على شهادات معتقلين سابقين فيه رووا حكايات "مؤلمة" و"صادمة" عن أساليب التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في المبنى الأحمر. يقول التقرير: "يتعرض محتجزو المبنى الأحمر في صيدنايا لبرنامج منظم من الانتهاكات وأشكال الإساءة، حيث يتعرضون للتعذيب بشكل منتظم، من خلال الضرب المبرح والإساءة الجنسية في أغلب الأحيان. ويتم حرمانهم من الحصول على الطعام والشراب والأدوية والرعاية.

وأشارت المنظمة الدولية في تقريرها إلى أنه "يبدو أن طريقة معاملة السلطات لمحتجزي سجن صيدنايا قد صُممت بحيث تتسبب لهم بأقصى درجات المعاناة البدنية والنفسية"، مضيفة: "يظهر أنها تهدف إلى إهانة المحتجزين ونزع الصفة البشرية عنهم، وتدمير أي شكل من أشكال الكرامة أو الأمل لديهم".

وتؤكد المعارضة السورية أن تقرير المنظمة الدولية على أهميته لا يعكس ما جرى ولا يزال يجري في سجن صيدنايا الذي سبق أن شهد ما بات يُعرف بـ "استعصاء صيدنايا" الذي استمر على مدى عام 2008، حيث احتجز معتقلون عدداً كبيراً من ضباط وعناصر تابعين للشرطة العسكرية في جيش النظام جاؤوا لتفتيش السجن، فارتكبوا تجاوزات بحق المعتقلين وصلت إلى درجة الإساءة للقرآن الكريم.

وكان هذا التصرف الشرارة الأولى للاستعصاء الذي سبقه سوء معاملة أدت إلى انتشار أمراض مستعصية بين المعتقلين الذين لم يجدوا أمامهم إلا اعتقال عناصر النظام للمساومة لتحسين شروط اعتقالهم. وعلى الرغم من أن النظام تعهد بعدم معاقبة الذين قاموا بالاستعصاء في حال إنهائه، إلا أن معتقلين خرجوا من السجن أكدوا أن النظام قتل أغلب من شارك في التمرد.

وكان معتقل صيدنايا يضم متطرفين قام النظام بإطلاق سراحهم في عام 2011 عندما اتسع نطاق الثورة السورية، بهدف عسكرة الثورة التي كانت سلمية، واتخاذ ذلك ذريعة للفتك بالمطالبين بتغيير النظام.

دلالات
المساهمون