ونقلت المنظمة شهادات لقرويين عراقيين اتهموا وحدات من المليشيات بارتكاب تجاوزات في المعركة لاستعادة مدينة الحويجة، وطالبت السلطات العراقية بالتحقيق بتلك الانتهاكات.
وأخبر القرويون "هيومن رايتس ووتش" أن وحدات من "قوات الحشد الشعبي" التابعة لـ"منظمة بدر"، احتجزت وضربت القرويين الذكور في قرية مجاورة، وأخذت 4 منهم دون إخبار عائلاتهم عن سبب أو مكان احتجازهم.
وكان مسؤولون كبار ودبلوماسيون في "الأمم المتحدة" قالوا في وقت سابق، إن رئيس الوزراء حيدر العبادي تعهد للمجتمع الدولي، قبل أن تبدأ معركة استعادة مدينة الموصل الشمالية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بالإبقاء على وحدات الحشد بعيدا عن الموصل والتدقيق الأمني بهوية السكان.
جاء هذا التعهد، بحسب المسؤولين، بسبب تاريخ "الحشد الشعبي" في الانتهاكات الجسيمة ومنها جرائم الحرب خلال العمليات السابقة. ومع ذلك، فقد سمح لهذه القوات أن تلعب دوراً أبرز لم يقتصر على القتال، بل امتد لفحص واحتجاز الأشخاص أثناء العمليات العسكرية.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن على الحكومة العراقية أن تفي بالتزامها بعدم السماح لـ"الحشد الشعبي" أو أي وحدات لديها سجل من الانتهاكات، بما فيها قوات "منظمة بدر"، بالمشاركة في فحص أو احتجاز أي شخص.
من جهتها، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، سارة ليا ويتسن: "تنصب القوات العسكرية العراقية نفسها مكان السلطات القانونية؛ فهي تلعب دور المحقق، القاضي، والجلاد مع المشتبه بأنهم عناصر داعش. إذا أراد العراق أن يتميّز كدولة تخضع لسلطة القانون، عليه أن يسيطر على هذه القوات المسيئة".
وفي 21 سبتمبر/أيلول، بدأت قوات عراقية مختلفة عملية لاستعادة الحويجة، على بعد 130 كيلومترا جنوب شرق الموصل، والقرى المجاورة. وزارت "هيومن رايتس ووتش" مخيماً للنازحين جنوب الموصل في 23 سبتمبر/أيلول، وأجرت مقابلات منفصلة مع 5 أشخاص - 3 رجال وامرأتان – من سيحة عثمان، قرية تقع على بعد 85 كيلومترا جنوب الموصل و42 كيلومترا شمال غرب الحويجة.
وقال السكان إن "خليطاً من قوات الحشد الشعبي التابعة لمنظمة بدر وعناصر الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية وصل إلى قريتهم في حوالي 20 مركبة عسكرية، في 21 سبتمبر/أيلول قرابة الساعة 9 صباحا".
كما أكد القرويون أنهم خرجوا من منازلهم وهم يلوحون بالأعلام البيضاء، وأن ضابطاً دعا المنتمين إلى تنظيم "داعش" للخروج. وتابعوا أن 4 رجال استسلموا، وأخرجهم المقاتلون من القرية.
وقال والد أحد الأربعة، لـ"هيومن رايتس ووتش"، إنه سمع بعد ذلك طلقات نارية، بينما قال الأربعة الآخرون الذين قوبلوا إنهم سمعوا شائعات بأن الرجال قُتلوا بالرصاص، ولم تكن لدى العائلات معلومات عن الرجال.
وفصلت القوات العراقية لاحقاً النساء عن الرجال الـ25 الباقين، وجُمعت النساء في منزل. وقيدت القوات العراقية أيدي الرجال وعصبت أعينهم، بمن فيهم من أجريت معهم المقابلات، ووضعتهم في المركبات العسكرية، وأخذتهم لمسافة قصيرة إلى مبنى حيث احتجزتهم في غرفة ليوم واحد.
وبحسب شهادات الرجال، الذين تحدثوا إلى المنظمة الدولية، فإن المقاتلين ضربوا الرجال بأعقاب بنادقهم عند وصولهم، وأعطوهم الطعام مرة واحدة خلال فترة وجودهم، والقليل من المياه، دون السماح لهم باستخدام الحمام.
وأضافوا أن العناصر استجوبوا الرجال كمجموعة، سائلين عمّن ينتمي منهم إلى "داعش"، مبينين أن الرجال الذين قوبلوا ظلوا مكبلين ومعصوبي الأعين طيلة الوقت ولم يروا مكان احتجازهم.
وأظهر الرجال للباحثين تقرحات وجروحاً حول معاصمهم بسبب الأصفاد، لكنهم كانوا يخشون إظهار العلامات على ظهورهم بسبب قوات الأمن القريبة في المخيم. مساء يوم 22 سبتمبر/أيلول، وضع المقاتلون جميع الرجال في حافلات وزارة النقل المستخدمة لنقل النازحين ونقلوهم إلى المخيم.
بينما قالت النساء اللاتي قوبلن إن المقاتلين أخذوهن مع أولادهن من المنزل الذي احتُجزن فيه إلى مدرسة محلية. احتجز المقاتلون النساء واستجوبوهن لساعتين حول هوية القرويين المنتسبين إلى "داعش"، ثم وضعوهن على متن الحافلات وأخذوهن إلى المخيم نفسه.
ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن القرويين قولهم أيضاً إنه "صباح 23 سبتمبر/أيلول، جاءت قوات الأمن العراقية إلى المخيم وأخذت 15 رجلاً من قريتهم مجدداً، دون إخبارهم أو إخبار أسرهم إلى أين سيأخذونهم". لم يعد الرجال حتى الوقت الذي غادر فيه الباحثون المخيم.
وقال أحد القرويين إن عائلات الرجال الأربعة الذين استسلموا تقول إنهم يخشون من سؤال أي موظف في المخيم حول مصيرهم خوفاً من عودة قوات الحشد الشعبي و"قتلنا". وأكد القرويون أن أحد الرجال الذين استسلموا مبتور الأطراف ويستخدم الكرسي المتحرك، ويعاني من ضعف البصر، كان يعمل في المسجد المحلي أيام "داعش" وتعاون مع التنظيم خلال سيطرته على المنطقة.
ليست لدى "الحشد الشعبي" سلطة قانونية لاحتجاز أي شخص في العراق، كما أن وحداته ممنوعة من فحص أو احتجاز أي شخص.
في المقابل، قال ممثلون عن الحشد لـ"هيومن رايتس ووتش"، إنهم يسلمون المشتبه بانتمائهم لـ"داعش" إلى قوات الأمن الحكومية، التي تتمثل مهمتها في الكشف عن المشتبه بهم المحتملين.
ومع ذلك، وثقت "هيومن رايتس ووتش" أن قوات "الحشد الشعبي"، ومنها الوحدات التابعة لمنظمة بدر، فحصت واحتجزت وعذبت الأشخاص أثناء العمليات العسكرية.
وطالبت المنظمة الدولية رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يوقف الوحدات التي تقوم بهذه الأنشطة، داعية شركاء الائتلاف الذين يدعمون القوات العراقية في المعركة ضد "داعش" إلى أن يبلغوا عن أي عمليات فحص أو اعتقال تشهدها قواتهم، وأن يحثوا بغداد على إنهاء هذه الممارسة.
وطالبت المنظمة السلطات العراقية بالتحقيق في جميع الجرائم المشتبه فيها، منها التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري وغير ذلك من الانتهاكات التي يرتكبها أي أعضاء من أطراف النزاع بطريقة سريعة وشفافة وفعالة، وصولاً إلى أعلى مستويات المسؤولية.
وأضافت "يجب أن تبدأ المحاكمات حالماً تظهر أدلة على المسؤولية الجنائية. ينبغي أن يكون المحققون الجنائيون ومتخذو القرارات بشأن الملاحقات القضائية مستقلين عمّن يُجري التحقيق معهم، خارج أي سلسلة قيادة عسكرية، ولا يخضعون لأي تدخل سياسي في قراراتهم. على السلطات أن تكفل سلامة جميع الشهود".
قالت ويتسن: "في الوقت الراهن، يبدو أن الحكومة العراقية استعانت بالجميع في هذه المعارك الأخيرة ضد داعش. في الوقت الذي تحتاج فيه القوات العراقية إلى كل المساعدة الممكنة، على الحكومة ألا تسمح للقوات المسيئة بانتهاز هذه الفرصة لارتكاب مزيد من الانتهاكات".
(العربي الجديد)