استمع إلى الملخص
- تدخل الدفاع المدني الفلسطيني لإخماد الحرائق، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت المنطقة ومنعت الصحافيين من التوثيق، مما يعكس تواطؤ الجيش مع المستوطنين وعدم محاسبتهم.
- عبد الله أبو رحمة يشير إلى أن هذه الاعتداءات تهدف لتهجير الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات، مؤكداً على ضرورة التصدي لها، حيث تسببت في 275 حريقاً وقتل 19 فلسطينياً خلال عام.
في تصعيد جديد، وصلت اعتداءات المستوطنين إلى قلب المدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، حيث هاجموا، فجر اليوم الاثنين، المنطقة الصناعية في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وأحرقوا مركبات كانت متوقفة هناك. وتحرك المستوطنون على شكل مجموعات باتجاه حي في منطقة قرطيس شمال شرق البيرة بعد الثالثة فجراً، حيث استيقظت عائلة المواطن الفلسطيني كايد جرادات على أصواتهم.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيه مكان سكنه لهجوم من قبل المستوطنين، فإنهم في هذه المرة حرقوا 18 مركبة في الحي وحطموا زجاج بيته في محاولة لإلقاء زجاجات حارقة داخله، وحاولوا اقتحام البناية التي يوجد بيته فيها. ويقول المواطن كايد جرادات لـ"العربي الجديد" إن عدد المستوطنين يتراوح بين 10 إلى 15 فرداً، واصفاً طريقة دخولهم الحي بـ"العربدة"، مضيفاً أنهم باشروا فور وصولهم الحي مهاجمة المركبات.
لم يحصل كل ذلك في قرية نائية، أو تجمع بدوي محاصر بالاستيطان، بل في أحد أحياء مدينة البيرة الملاصقة لرام الله، والتي تحوي المقرات الرئيسية للسلطة الفلسطينية. ويظهر شريط فيديو من كاميرا مراقبة حصل عليه "العربي الجديد" من السكان مجموعة من أربعة أشخاص يرتدون قبعات لإخفاء أنفسهم ويضع اثنان منهم حقائب على ظهرهما، ويحمل أحدهم عصا فيما يحمل آخر أداة لا يمكن تمييزها. يتقدمون ويذهب أحدهم نحو مركبة فيكسر زجاجها الأمامي ويلقي بداخلها المواد الحارقة، ويشعل أحدهم المركبة، فيما يظهر آخر ينسحب من أمام المركبة المجاورة دون أن يظهر في التسجيل ما الذي فعله، لكن حريقاً في المركبتين يؤكد أنها تعرضا للأمر ذاته.
ويتحرك المستوطنون على شكل مجموعات منظمة "تؤدي المهمة بسرعة"، وبأكبر الخسائر على الفلسطينيين، فالمركبات الـ18 معظمها احترق بالكامل، وتوزعت على أكثر من موقع في الحي، فيما وصلت آثار الحريق لواجهة بنايتين على الأقل، أدت لأضرار في نوافذ الشقق وبعض محتوياتها. ويقول جرادات إنه نجا مع عائلته "بلطف من الله، حيث كان يمكن بسهولة أن يقوم مستوطن بإلقاء مواد حارقة بعد كسر النافذة" لكون المنزل في الطابق الأرضي، وما زاد من خوف العائلة سماعهم "محاولات فتح بوابة البناية واقتحامها، لكن المحاولة باءت بالفشل". ويضيف جرادات أنه انتقل مع أفراد عائلته إلى الغرف في الجهة الأبعد عن الشارع، وبقوا هناك حتى انسحب المستوطنون.
ويوضح جرادات أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها منزلهم لاعتداء من قبل المستوطنين، حيث تعرضت المنطقة لعدة هجمات خلال السنوات الخمس الماضية التي قضاها في هذا المنزل، لكن في معظم الاعتداءات السابقة كان المستوطنون يكتفون بإعطاب إطارات المركبات وخط شعارات عنصرية تهدد العرب بالموت. وتعرضت المنطقة لهجومين جرى فيهما إحراق مركبات، لكن الهجوم هذه المرة كان الأوسع بحسب جرادات.
من جهته، قال رئيس بلدية البيرة، روبين الخطيب، لـ"العربي الجديد" أثناء جولة تفقدية للحي، إن الهجوم "كان يمكن أن يودي بحياة مواطنين فلسطينيين لولا لطف من الله وتيقظ الأهالي، الذين تواصلوا مع جيرانهم ومع الدفاع المدني"، مشيراً إلى أن "منطقة قرطيس تقع على تخوم المستوطنات التي تحيط بالمدينة، ولها سجل حافل بالاعتداءات من المستوطنين".
ولم ينته المشهد بتدخل الدفاع المدني الفلسطيني لإطفاء ما أشعله المستوطنون، فبعد إخماد الحريق اقتحمت آليات جيش الاحتلال وما تسمى الإدارة المدنية التابعة له، وما يسمى بحرس الحدود الإسرائيلي، المنطقة، بدعوى القيام بالتحقيق بالحادثة، ولكن الجنود لم يسمحوا للصحافيين بتصوير مجريات الـ"تحقيق" المزعوم، فمنعوا التصوير أثناء وجودهم، وحذفوا مواد كان قد صورها البعض، فيما نجت بعض المقاطع لعملية الاقتحام للحي، بعضها التقطتها كاميرا "العربي الجديد"، وليس ذلك فقط، بل إن الجنود عرقلوا عمل فريق من الدفاع المدني الفلسطيني مكون من شخصين كانا يقومان بتوثيق آثار الحريق، ما اضطرهما لمغادرة المكان.
لكن "التحقيق" هذا يبدو بالنسبة للأهالي مجرد إجراء شكلي، ففي كل مرة كانوا يتعرضون فيه للاعتداءات كان يتكرر مشهد "التحقيق"، ولا يعلن عن أية محاسبة للمستوطنين. ويؤكد مدير عام العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عبد الله أبو رحمة، لـ"العربي الجديد"، أن "أحد المستوطنين الذين يخططون لهذه الهجمات وينفذونها يقطن في بؤرة استيطانية قريبة جداً، وهو اليشع يارد، وكان المتسبب بقتل الشهيد قصي معطان في أغسطس/ آب 2023، وقد اكتفت في حينها سلطات الاحتلال بإبعاده عن الضفة الغربية".
ويضيف أبو رحمة: "الجيش والمستوطنون وجهان لعملة واحدة، يقومون بأعمال تحقيق شكلية، لكن لم نسمع أنه قد حوسب أي شخص من المستوطنين، كما هو حال يارد الذي قتل قصي معطان وتمادى بجرائم كبرى ولم يحاسب"، مشيراً إلى أن الاستهداف لهذه المنطقة بالذات يعبر عن حجم التمادي لمليشيات المستوطنين، فالحدث، كما يقول أبو رحمة، وقع في إحدى المدن الكبرى في الضفة الغربية، وهو ما يشير إلى الأطماع الممتدة للمستوطنين بإقامة ما تسمى "بيت إيل الكبرى"، في ظل انتشار بؤر استيطانية عديدة في المنطقة الشرقية للبيرة وفي القرى القريبة شرقاً كبؤرة "غفعات آساف" وعدد من البؤر المحيطة بقرية برقا.
ويؤكد أبو رحمة أن ما يقوم به المستوطنون على شكل مليشيات ما هو إلا تنفيذ بالقوة لما سماها وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش خطة الحسم، والتي تعني إكمال مخطط التهجير والإبادة الجماعية عبر تنفيذ ما يريده السياسيون الإسرائيليون كبنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكن في جنح الظلام وعبر عصابات استيطانية. ويرى أبو رحمة أن ذلك "يضع أمام الفلسطينيين مسؤوليات جمة وكبرى، بضرورة التصدي لهذه الاعتداءات وإيصال رسالة للمستوطنين بأن من يحاول الدخول إلى هذه المنازل عليه أن يعرف أنه لن يخرج منها كما دخل، بل عليه أن يعي أن الثمن باهظ"، داعياً للتصدي لما يقوم به المستوطنون.
يذكر أن مستوطنة بيت إيل مقامة على أراضي مدينة البيرة وعدد من القرى المجاورة مثل بيتين، فيما يوجد إلى جانب المستوطنة معسكر لجيش الاحتلال، والمقر الرئيسي لما يسمى الإدارة المدنية التابعة للجيش، ومقر لما يسمى بالارتباط العسكري الإسرائيلي. وكان تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان قد صدر في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بالذكرى الأولى لشنّ الاحتلال الحرب على قطاع غزة، أكد قيام المستوطنين بالتسبب بـ275 حريقاً في الضفة الغربية خلال عام كامل، استهدفت ممتلكات ومزارع الفلسطينيين، فيما هجروا بهجماتهم 28 تجمعاً بدوياً، وقتلوا 19 فلسطينياً.