باكستان تستخدم رجال الدين لمواجهة الاستراتيجية الأميركية

25 سبتمبر 2017
خرجت مدرسة "حقانية" قادة الجهاد الأفغاني المشهورين (دانيال بيريهولاك/Getty)
+ الخط -

منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، لم تغب المدارس الدينية الباكستانية ورجال الدين عن المشهد الأفغاني خصوصاً، وعن سير الأحداث في المنطقة عامة. كما كان لها دور كبير في تغيير موازين القوى، إذ كانت الأحزاب الجهادية في أفغانستان، إبان الغزو السوفييتي، تتغذى روحياً ومادياً من تلك المدارس، التي تجاوز عددها 13 ألف مدرسة، بحسب بعض الإحصائيات.

كما تخرج من هذه المدارس معظم قادة حركة "طالبان" أفغانستان، وكانت الحاضنة الأساسية للحركة. وكانت الحركة، وما زالت، تعود إليها عند وقوع أي مشكلة، ومن أجل الحصول على الدعم، لا سيما بما يتعلق بالعنصر البشري. ويقول السفير الأفغاني لدى إسلام آباد، عمر زاخيلوال، تعليقاً على الإجراءات الباكستانية على الحدود بذريعة قطع الطريق على المسلحين، إن "حل المعضلة ليس في الحدود، وإنما في المدارس الدينية الباكستانية". ومن بين المدارس الجهادية "حقانية"، وهي واحدة من أشهر المدارس الدينية على مستوى باكستان والمنطقة. وتأسست هذه المدرسة في العام 1947 لتكون فرعاً لجامعة "ديوبند" في الهند، التي تأسست في العام 1857. وبسبب وقوع المدرسة في مدينة أكوره ختك في شمال غرب البلاد، على مقربة من المناطق القبلية، فإن جل طلبتها من العرقية البشتونية القاطنة على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية.

وتشتهر "حقانية" بأنها مدرسة جهادية، إذ تخرج منها قادة الجهاد الأفغاني المشهورين، مثل جلال الدين حقاني، والمولوي محمد نبي محمدي. وكانت لآخرين من القادة علاقات وطيدة بها، مثل الشيخ يونس خالص، وبرهان الدين رباني، وعبد الرب رسول سياف. وتخرج منها معظم قادة "طالبان"، بينهم مؤسس الحركة الراحل، الملا عمر، ونائبه الملا رباني، والزعيم الحالي للحركة، الملا هيبة الله أخوندزاده، وعشرات من القادة الميدانيين. لذا باتت المدرسة تعرف بأنها مدرسة المجاهدين، ومركز تخرجهم الرئيسي في باكستان. وعلى الرغم من الكثير من الضغوط الغربية، لم تقدم الحكومة الباكستانية على إغلاق هذه المدرسة، التي أضحت محط اهتمام وسائل الإعلام العالمية والمحلية على مدى العقود الأربعة الماضية. ولعل السبب خلف ذلك، كما يقول البعض، أن هذه المدرسة وأمثالها تخدم السياسة الباكستانية في المنطقة، ولها علاقات قوية مع الجيش والاستخبارات. كما كان لها باع طويل في السياسة الباكستانية، إذ إن رئيس هذه المدرسة، المولوي سميع الحق، المعروف في الأوساط الدينية والجهادية بـ"أب طالبان"، شغل مناصب مهمة في الحكومات الباكستانية المختلفة، ودائماً ما يكون إما عضواً في البرلمان أو مجلس الشيوخ، وله ولحزبه، "جمعية علماء الإسلام"، صوت في الأروقة السياسية الباكستانية.


لذا كلما حدثت مشكلة في المنطقة، وتحديداً في أفغانستان وباكستان، تظهر هذه المدرسة لتعلن موقفها الرافض في الغالب للسياسات الغربية، داعية إلى الحفاظ على القيم الإسلامية. وعندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية استراتيجيتها الجديدة بشأن أفغانستان أخيراً، والتي أشارت فيها إلى أن باكستان تأوي "طالبان" وقياداتها، كانت المدرسة ورئيسها المولوي سميع الحق، من أوائل من رفضوا تلك الاستراتيجية، بل أعلنوا وقوفهم بوجهها. وأشار سميع الحق إلى أن قادة الحركات الجهادية في أفغانستان، خصوصاً مؤسس "شبكة حقاني"، جلال الدين حقاني، والتي يترأسها حالياً سراج الدين حقاني، من خريجي "الحقانية". ولم يكتف رئيس "الحقانية" بمعارضة السياسة الأميركية وإعلان التصدي لها، بل دعا الشباب الباكستانيين إلى الانضمام لصفوف التنظيمات الجهادية التي تقاتل ضد المحتل، معترفاً، في الوقت ذاته، بأن الكثير من الشباب الباكستانيين يقاتلون في صفوف الحركات الجهادية، لا سيما "حقاني"، التي تدعو واشنطن وكابول إسلام آباد إلى التحرك ضدها، والقضاء على الدعم الذي تتلقاه من الأراضي الباكستانية.

وفسر البعض تصريح سميع الحق وعلماء دين باكستانيين، خلال مؤتمر صحافي حظي باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام، بأنه عودة إلى سياسة الثمانينيات، ووقوف باكستان وقتها علناً إلى جانب الحركات الجهادية ضد الروس. لكن هؤلاء نسوا أن باكستان وقفت آنذاك علناً إلى جانب الجهاديين لأن واشنطن كانت تدعمها، وكانت أميركا تقف إلى جانب المجاهدين الأفغان. واستخدمت بعض وسائل الإعلام تصريحات سميع الحق كوسيلة لشن حملة إعلامية لإثبات أن "طالبان" لا تتحرك إلا بإرادة باكستانية. وقال سميع الحق إن حركة "طالبان" قررت، خلال اجتماع في أفغانستان، الوقوف إلى جانب باكستان إذا تعرضت لأي اعتداء من قبل أميركا. وأشار عالم الدين الباكستاني إلى أن اجتماعاً لقياديين في "طالبان" عقد بقيادة المولوي ذكري (اسم غير معروف في أوساط الحركة) في مكان مجهول في أفغانستان، مؤكداً أن المجتمعين قرروا الوقوف إلى جانب باكستان عند تعرضها لأي اعتداء أميركي. وكان متوقعاً أن تعلق "طالبان" على تصريحات سميع الحق، المعروف بـ"أب طالبان"، التي لها وزن على الساحتين الأفغانية والباكستانية، وهي اتخذت ذريعة لشن حملة ضد "طالبان"، لكن الحركة صمتت رغم كل تلك الحملات، ولم تعلق على تصريحات الرجل، لا بالنفي ولا بالإيجاب. السؤال الأبرز هنا هو كيف ستنعكس تصريحات الرجل بشأن مواقف "طالبان" على الصف الداخلي للحركة؟ وهل سيؤدي ذلك إلى انشقاقات كما حدث سابقاً؟ ولا سيما أن الحساسية بين الشعبين تتزايد، بسبب الكثير من الملفات أبرزها: ملف الحدود وإغلاقها من طرف باكستان، ما انعكس سلباً على حياة القبليين وتسبب بامتعاضهم، وكذلك قضية اللاجئين الأفغان وإخراجهم عنوة، وهو الأمر الذي استفادت منه الحكومة الأفغانية لرفع وتيرة الغضب لدى الأفغان حيال باكستان، التي تدعي كابول أنها تدعم المسلحين وتوفر ملاذات آمنة لهم على أراضيها.

المساهمون