وينتظر أن يشكل قرار "حماس" بداية الانفراجة في الأزمة بين فتح وحماس بما يفتح المجال أمام إتمام المصالحة الفلسطينية وإلغاء الإجراءات العقابية التي فرضت على المواطنين في غزة، خصوصاً بعد إصرار السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس على حل اللجنة كشرط يسبق أي خطوة في طريق الاتصال مع "حماس"، إضافة إلى وضع شروط أخرى منها إعلان الالتزام بالانتخابات والذهاب إليها في وقت قريب.
وفيما يشكل قرار حماس خطوة على طريق إنهاء الخلافات الفلسطينية، فإنه يعكس التنسيق القوي بين الحركة والاستخبارات المصرية، خصوصاً بعد أن حرصت الحركة على الإعلان أن قرارها "يأتي استجابة للجهود المصرية الكريمة، بقيادة جهاز الاستخبارات العامة المصرية، والتي جاءت تعبيراً عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام". كما لفتت "حماس" إلى أن الخطوة "تأتي حرصاً على تحقيق أمل الشعب الفلسطيني، بتحقيق الوحدة الوطنية".
وكانت اللجنة الإدارية، التي شكلتها "حماس" في مارس/آذار الماضي، وأعلنت عنها رسمياً، قد فجرت الخلاف بين فتح وحماس وتحولت إلى الشماعة التي عُلقت عليها عشرات الإجراءات العقابية بحق غزة وموظفيها من قبل السلطة الفلسطينية، التي أحالت العشرات للتقاعد المبكر، وخصمت من الموظفين ثلث رواتبهم، وخفضت إمدادات الكهرباء الواردة من الجانب الإسرائيلي.
ولم تتأخر حركة فتح إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في الترحيب بالخطوة، معتبرتين أن جدية إتمام المصالحة ستظهر من خلال تطبيق ما يتم التوصل إليه من تفاهمات على الأرض. وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة يوسف المحمود، إن قرار حركة حماس بحل اللجنة الإدارية "خطوة في الاتجاه الصحيح". وأكد أن حكومة الوفاق لديها خطة شاملة سبق أن عرضتها على فصائل العمل الوطني والإسلامي لتسلم مهامها في القطاع والتخفيف من معاناة شعبنا الصامد، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض عليه. وشدد على استعداد الحكومة للتوجه إلى قطاع غزة وتحمل كافة المسؤوليات، مطالباً بضرورة أن تكون هناك توضيحات لطبيعة قرار حركة "حماس" حل اللجنة الإدارية وتسلم الحكومة الوزارات وكافة المعابر وعودة الموظفين القدامى لأماكن عملهم، مؤكداً التزام الحكومة التام باتفاق القاهرة والعمل على تنفيذه.
ورغم الأجواء الإيجابية التي يجري الحديث عنها عقب اللقاءات في مصر، إلا أنّ الشارع الفلسطيني يبدو غير متفائل هذه المرة، عكس المرات السابقة، وربما يكون خائفاً من تكرار تجارب الفشل السابقة خصوصاً أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل التي لم يتم التوافق عليها كموظفي الحكومة في غزة، والجانب الأمني، وسلاح المقاومة.
وفي السياق نفسه، أكد القيادي في حركة حماس في الضفة الغربية، حسن يوسف، أن المطلوب من حركة فتح إلغاء كل المراسيم الرئاسية التي اتخذها الرئيس محمود عباس للتضييق على قطاع غزة وحركة "حماس". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا بد من حوارات جادة لدراسة كل الملفات والاتفاق عليها ضمن برنامج وجدول زمني محدد. كذلك لا بد من اجتماع كل الفصائل الفلسطينية من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية لترعى الانتخابات العامة، الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني والتشريعية وكل ما يستجد على الساحة الفلسطينية.
وقال القيادي في "حماس" "قبل بضعة أيام وضعوا اللجنة الإدارية وديعة عند المصريين، واليوم (أمس) عملياً قام الأخوة بإلغائها وننتظر الآن موقفاً جاداً من حركة فتح في هذا الجانب، ليسير قطار المصالحة الذي رعته بعض الدول العربية مصر وقطر وغيرها من الدول التي نقدر دورها". وأضاف "ننتظر من حركة فتح أن تقوم بخطوات عملية، ولا يكفي الحديث عن خطوات إيجابية، نحن نريد خطوة عملية كما قامت بها حماس". وتابع "نحن في خطوة جادة، ونأمل أن لا نعود سنتيمتراً واحداً للوراء، بل نحن جميعاً في حماس وفتح بصدد خطوات للأمام، وعلينا أن نشير إلى قضية هامة في الموضوع، وهي أن تشكيل اللجنة الإدارية جاء في ظل غياب حكومة التوافق الوطني والتي لم تقم بدورها المنوط بها في قطاع غزة، حينما تشكلت اللجنة لتقوم مقام هذه الحكومة لرعاية كافة مجالات الحياة في قطاع غزة، لأنه لا يجوز ترك الأمور هكذا".
وحول وجود سقف زمني لتقوم حركة فتح بالخطوات العملية من جانبها أيضاً، قال يوسف: "لسنا بصدد وضع أي شرط مسبق، ولا أن نضع الناس في زاوية، نعطي مجالاً لحركة فتح لمراجعة الأمور مراجعة دقيقة، ونأمل أن تسير الأمور باتجاه مصلحة الشعب الفلسطيني". وشدد القيادي في حركة حماس على أن المطلوب من الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال والدول الأوروبية إزالة كل العقبات أمام إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة.
لكن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض العلاقات الوطنية عزام الأحمد، الذي يترأس وفد فتح إلى القاهرة، أكد أن أول خطوات المصالحة تبدأ باستئناف حكومة الوفاق عملها بشكل طبيعي في قطاع غزة بكامل الصلاحيات ودون استثناء أو تدخلات. ووفقاً لما قاله الأحد، في تصريح لإذاعة صوت فلسطين، أمس الأحد، فإن ذلك يعني تسليم كافة الوزارات والهيئات الحكومية والمعابر بما فيها معبر رفح للحكومة وعدم وضع أية عراقيل أمام عملها من أي جهة كانت. وأشار الأحمد إلى أنه تم ابلاغ وفد فتح في القاهرة بأن حماس جاهزة لاستقبال الحكومة وتسليمها إدارة شؤون القطاع، مبينا أن القرار الآن بيد الحكومة لتحدد موعداً لذلك. وقال الأحمد إنه عقب أسبوع من تحقق هذا الأمر سيتم عقد اجتماع تمهيدي بين حماس وفتح في القاهرة يتلوه اجتماع موسع للفصائل التي وقعت اتفاق المصالحة للبدء بخطوات عملية لتنفيذ الاتفاق، بما يشمل تشكيل حكومة وحدة وصولاً إلى اجراء الانتخابات العامة.
وأشار الأحمد إلى أن مصر ستقوم بمتابعة ومراقبة تطبيق ما تم الإعلان عنه من قبل حماس على الأرض، فيما أصدرت الخارجية المصرية بياناً رحبت فيه بموقف حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين بشأن إنهاء حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني، مشيدة بما "أبداه الوفدان من استجابة لمقترحات حل الأزمة، التي تأتي في إطار حرص القاهرة على وحدة الشعب الفلسطيني، وإنهاء الانقسام بين أطيافه".
من جهته، قال رئيس المكتب الاعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم في فتح، منير الجاغوب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن حسن النوايا سيظهر عند استلام حكومة الوفاق الوطني مهامها في قطاع غزة. وأضاف الجاغوب أنه من المفترض أن يتم التسليم مباشرة، أما كيف يتم ذلك فهو مسؤولية الحكومة". وتابع "بالنسبة للشق السياسي فإن حسب ما تم التوافق عليه في القاهرة، يجب أن تستلم حكومة الوفاق الوطني قطاع غزة بشكل كامل من الأمن والمعابر والموظفين". وذكّر بأنه "في أيار 2011 تم توقيع اتفاق في القاهرة بموافقة الجميع، لكن ظهرت المعضلة عند التنفيذ".
في غضون ذلك، قال مصدر فتحاوي رفيع تحدث مع "العربي الجديد" إن العمل جار للتواصل مع الرئيس محمود عباس، المتواجد في نيويورك الآن، لوضعه في صورة ما تم التوافق عليه بين وفدي "فتح" و"حماس" تحت رعاية المصريين. وتابع المصدر "إن الهدف من التواصل وضع الرئيس بصورة ما جرى بدقة، وأن يصدر الرئيس أوامره لحكومة الوفاق الوطني الذي قام بتشكيلها حول ما يتعلق باستلام مهامها في قطاع غزة، ماذا وكيف".
إلى ذلك، رحبت القوى الوطنية والإسلامية في غزة، بحل "حماس" اللجنة الإدارية، واعتبرتها خطوة على طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإنجاز ملفات المصالحة الوطنية، وذلك عقب اجتماع في مكتب حركة الجهاد الإسلامي، أمس الأحد.
وطالبت الفصائل مصر بالاستمرار في المتابعة الحثيثة وصولًا لعقد اجتماع وطني شامل لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة في عامي 2011 و2005. وأكدت ضرورة قدوم حكومة التوافق الوطني إلى غزة من أجل القيام بمهامها وإعداد خطة عاجلة لفك الحصار وإنقاذ الواقع الحياتي المتدهور في غزة.