استمع إلى الملخص
- هاريس اجتازت محطات رئيسية في الحملة، بما في ذلك المؤتمر الوطني للحزب والمناظرة مع ترامب، مما عزز تقدمها في استطلاعات الرأي ودفع ترامب لرفض مناظرة أخرى.
- رغم تقدمها، يبقى الفارق هشًا بسبب عوامل مثل نسبة الإقبال وتوجهات الناخبين من الأقليات، مما يجعل السباق مفتوحًا على جميع الاحتمالات.
بقي من حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية شهر بالضبط. وعادة عند هذه المحطة التي يبدأ معها العد العكسي الأخير، تحتدم المنافسة بين المرشحين وتطغى سيرتها على المشهد والعناوين، إلا أن الحال هذه المرة ليس كذلك. صحيح أن حروب الشرق الأوسط تكاد تحتكر الحديث والاهتمامات هذه الأيام، لكن فتور الأجواء نسبياً حيال الانتخابات يعكس أيضاً حالة من التعب والملل من المكرور والمعروف ومن غياب الجديد.
رسو المعركة في البداية على بايدن وترامب قدّم للناخب بضاعة عتيقة سواء لناحية تقدمهما بالسن (كلاهما على مشارف أو في مطلع الثمانين)، أو لجهة ما لدى كل منهما من مواصفات وطروحات وأطوار تراوح بين الباهتة والغريبة، إلا أن المعادلة تبدّلت مع أواخر يوليو/ تموز، لأول مرة في مثل هذا الوقت من الحملة الانتخابية، حيث اضطر بايدن للانسحاب من السباق في 21 يوليو/ تموز بعد مناظرته البائسة مع ترامب في 27 يونيو/ حزيران الماضي، لتحل نائبته كامالا هاريس مكانه مرشحةً للحزب الديمقراطي، إذ غيّر دخولها إلى الساحة دينامية المنافسة، وانقلب الميزان ضد ترامب بعد أن كان هذا الأخير متقدما على بايدن طوال السنة الماضية من دون انقطاع وبما لا يقل عن ست نقاط وأكثر.
لقد بدأ صعود هاريس في الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز، واستطاعت مع حلول أغسطس/ آب الماضي محو الفارق الذي كان ترامب يتقدم به على بايدن. ومنذ ذلك الحين قفزت إلى الطليعة وما زالت حتى الآن ولو بحدود تراوح بين نقطتين وخمس نقاط، وبلغت التبرعات لصندوق حملتها في أول أسبوعين 300 مليون دولار، ووصل الرقم إلى 500 مليون دولار بعد ستة أسابيع، وهو ما حقق لها تفوقاً على مالية ترامب بعشرات الملايين.
في الصيف عادة هناك 3 محطات/ اختبارات للمرشحين، أولاهما، المؤتمر الوطني للحزب (جرى في 19-22 أغسطس الماضي)، وثانيتهما، ما بعد عيد العمل (في أول يوم اثنين من سبتمبر/ أيلول)، وثالثتهما، تتمثل في ما بعد المناظرة الأخيرة بين المرشحين (لم تحصل سوى مناظرة واحدة هذه المرة وجرت في العاشر من سبتمبر). وفي الاختبارات الثلاثة حققت هاريس نجاحات عززت رصيدها ما بين ثلاث وخمس نقاط، وخاصة في المناظرة مع ترامب والتي لمعت فيها بصورة مميزة. وربما لهذا السبب رفض الرئيس ترامب المشاركة في مناظرة أخرى معها.
لقد بقيت هاريس متفوقة طوال هذه الفترة، مع الإشارة إلى أن تأييدها وصل إلى أو تخطى عتبة الخمسين في المئة على الأقل أربع مرات، إذ سجلت في استطلاع لشبكة سي أن أن في الثامن عشر من أغسطس/ آب 50%، ثم في استطلاع أجرته شبكة سي بي أس حصلت على 51%، وبعدها حصلت على 52% في الأول من سبتمبر/ أيلول، و55% في الثاني من الشهر ذاته، بحسب استطلاع شبكة فوكس نيوز. في المقابل، بلغ أقصى ما حصل عليه ترامب 48%.
ولاستمرارية تفوق هاريس في التقدّم، ولو البسيط، مدلولاتها، إذ إن ثمة اعتقاداً بأن صعودها في الاستطلاعات جاء نتيجة ردة الفعل على انسحاب بايدن وحلولها مكانه؛ وبالتالي فهو ليس دليلاً على قوة قبولها لدى الناخبين، إلا أن السوابق تشير إلى أن فورات التأييد التي تحصل نتيجة ردة فعل لا تصمد طويلا وسرعان ما تفقد زخمها، وهذا لا ينطبق على حالة هاريس الراهنة، لأن صعودها احتفظ بسقفه على الأقل حتى الآن. ليس ذلك فحسب، بل إن منافسها ترامب لم يغادر سقفه الذي بقي في حدود 44 إلى 48 في أحسن الحالات.
في المقابل، هناك سوابق تخالف هذا الاستنتاج الذي يستند إلى استمرارية التقدم على الخصم. ففي انتخابات 2016 كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في مثل هذه الأيام من سبتمبر/ أيلول متقدمة على ترامب بست نقاط، مع ذلك فاز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي، رغم أن كلينتون تفوقت عليه في أصوات الناخبين. وقاعدة المجمع الانتخابي التي ما زالت سارية برغم عدم ديمقراطيتها لا تكفل للمرشح المتقدم بفارق بسيط على خصمه حصوله على العدد الكافي من أصوات المجمع الكافية للفوز والتي ينبغي أن تبلغ 270 صوتاً على الأقل. وفي هذه الانتخابات يلزم المرشح الفوز بأكثرية الأصوات في الولايات السبع التي تعتبر بمثابة بيضة القبان. وتتقدم هاريس في ثلاث إلى أربع ولايات من الولايات السبع بفارق 2 أو 3%.
وفي 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، جرى استطلاع ينطوي على مدلول واعد لصالح هاريس، إذ إنه كشف عن أن 69% من الديمقراطيين ينظرون بإيجابية إلى هاريس، في حين أن 39% فقط من الجمهوريين يخصون ترامب بمثل هذه النظرة، وهو ما يعني أن إقبال الديمقراطيين على التصويت سيكون من العيار الوازن وبما يصب في تعزيز وضع هاريس. مع ذلك، فإن الفارق البسيط الذي تنعم به هاريس يبقى من النوع الزئبقي، وخاصة إنه قد يتأثر بعوامل كثيرة، منها نسبة الإقبال على التصويت وكذلك توجهات المترددين من الأقليات، مثل السود الذين يشكلون 12% من الجسم الانتخابي والمتحدرين مو أصول لاتينية والذين توازي حصتهم ما يقرب من 10% من مجموع الأصوات، فضلاً عن غيرهم، مثل الأصوات العربية والمسلمة، والتي قد يمتنع قسم منها عن التصويت لهاريس. وهذه الأصوات تحتاجها هاريس لسد النقص الذي تعاني منه في صفوف الرجال البيض الذين يميلون بقوة نحو ترامب، خصوصا الذين لا يحملون منهم درجة جامعية والذين يشكلون 40% من أصوات البيض.