ومن بين الذين اعتقلتهم السلطات السعودية، الأكاديمية رقية المحارب، ونوال العيد، كما منعت عنهما إدخال الأدوية لعلاج الأمراض التي تعانيان منها، بالإضافة إلى اعتقال الداعية السعودي المشهور ناصر العمر، والداعية عبدالله السويلم.
لكن التهمة الأحدث في السعودية هذه الأيام هي الإساءة لمقام المستشار الإعلامي في الديوان الملكي سعود القحطاني، إذ اعتقل جهاز أمن الدولة التابع للديوان، أمس الأربعاء، المغرد الشهير "البناخي"، بعد أن سجّل فيديوهات عدّة ينتقد فيها ركاكة القحطاني، وفشله في قيادة الحرب الإعلامية "اللا أخلاقية" ضد قطر، تاركاً المشاكل اليومية التي يعاني منها المواطنون السعوديون كالفقر والبطالة وارتفاع أسعار الخدمات، وغيرها.
تأكد لدينا اعتقال المغرد "البناخي" @albna5y بعد انتقاد وجهه لسعود القحطاني pic.twitter.com/6aXE2lMdCv — معتقلي الرأي 🤐 (@m3takl) ١٣ سبتمبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
">
|
كذلك، أدرجت السلطات السعودية اسم الرئيس السابق لصحيفة "الوئام" الإلكترونية، الصحافي تركي الروقي، على قوائم ترقب الوصول من الخارج بعدما وصف القحطاني، بـ"إساءة استخدام سلطته"، وبأنه "يرضي ذاتاً غير سوية بداخله، ويملك جيشاً من المخترقين والمتجسسين الذين يبتز بهم خصومه". ورأى الروقي أيضاً أن "القحطاني يلعب هذه الأيام دور وزير الإعلام الخفي ومدير الاستخبارات".
ومنع القحطاني، أيضاً، الصحافي المخضرم ورئيس تحرير صحيفة "الوطن" السابق جمال خاشقجي، الذي يعيش في منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأميركية من الكتابة في صحيفة "الحياة" الممولة سعودياً.
وعُيّن سعود القحطاني مستشاراً في الديوان الملكي برتبة وزير بموجب أمر ملكي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015، إذ استطاع من خلال جيشه الإلكتروني الضخم التمهيد لإزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف، وتنصيب ولي العهد الحالي محمد بن سلمان.
كما قاد القحطاني حملة إعلامية عنيفة ضد قطر بالتزامن مع اختراق دول الحصار لموقع وكالة الأنباء القطرية (قنا) وبث تصريحات ملفقة على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
ويُعد القحطاني، بحسب مراقبين، وزير الإعلام الحقيقي، داخل السعودية، فالصحف والقنوات المحلية والوسائل الإعلامية الممولة من قبل النظام السعودي في الخارج تتلقى الأوامر المباشرة منه. كما يشرف على تنسيق الملف الإعلامي بين محور أبوظبي – الرياض، برفقة الإعلامي السعودي المقيم في الإمارات تركي الدخيل، بالإضافة إلى دوره الأساسي في التجسس على الصحافيين والكتاب والمثقفين السعوديين.
وبحسب وثائق "ويكليكس"، فإن القحطاني قد تواصل عام 2012 مع شركة تجسس إيطالية، واشترى عدداً من برامج التجسس مع مفاتيح تشفيرها، كما أنه عضو نشط في مواقع الاختراق المخصصة لبيع خدمات المخترقين، إذ طلب القحطاني عبر حسابه الوهمي عدداً من الخدمات الإلكترونية من قبيل اختراق حسابات معارضين سعوديين والتجسس على هواتفهم وأجهزتهم المحمولة مقابل مبالغ مالية ضخمة أدت إلى حصوله على عدة ألقاب في عالم المخترقين أبرزها (المتبرع الأكبر) و(الغني العاهر) و(السكران) كناية عن صرفه المُبالغ فيه على المخترقين.
منظمة حقوقية: على المملكة الإعلان عن أسباب الاحتجاز
وفي هذا السياق، قالت "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة حقوقية ومقرها جنيف، أنها تتابع بقلق بالغ الأنباء التي تشير إلى قيام سلطات الأمن السعودية بموجة جديدة من الاعتقالات التعسفية بحق عدد من رموز المجتمع السعودي، دونما إبداء أي أسباب أو إظهار توجيه أي اتهام لهم.
وأضافت أنه على المملكة الإعلان الفوري عن أسباب اعتقال هؤلاء، في ضوء إعلان المملكة عن قيامها بالعمل على اعتقال عدد من المواطنين السعوديين والأجانب لم تقم بتسميتهم بتهم تتعلق "بالقيام بأنشطة استخباراتية" لصالح جهات أجنبية لم تقم بتسميتها.
ونقلت الوكالة السعودية الرسمية عن مصدر مسؤول قوله، في بيان، إن "رئاسة أمن الدولة تمكنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية".
وأضاف البيان أنه "تم تحييد خطرهم والقبض عليهم بشكل متزامن، وهم سعوديون وأجانب، ويجري التحقيق معهم للوقوف على كامل الحقائق عن أنشطتهم والمرتبطين معهم في ذلك، وسوف يعلن ما يستجد بهذا الصدد في حينه".
وتخشى "كوميني فور جستس" من أن تكون تلك القضية المعلنة الغطاء الجديد لشرعنة موجة الاعتقالات الجديدة، خصوصًا بعدما نقلت وكالة "رويترز"، يوم الثلاثاء، عن مصدر سعودي قولة إن من تم اعتقالهم متهمون بـ"أنشطة تجسس والاتصال بكيانات إرهابية منها جماعة الإخوان المسلمين"، كما أنها حصلت على تمويل ودعم من دولتين، لم تسمّهما، بهدف "الإضرار بالسعودية وزعزعة أمنها ووحدتها الوطنية تمهيدًا لإطاحة النظام لصالح جماعة الإخوان"، على حد قول وكالة "رويترز".
وقالت "كومتي فور جستس" إن تلك البداية لجهاز أمن الدولة يبدو أن الغرض منه ليس حماية المجتمع، وإنما قمعه والتضييق على حرية الرأي والتعبير في المملكة.
وقد استحدثت السلطات السعودية جهاز أمن الدولة في شهر يوليو/تموز 2017 الماضي، في إطار تعديلاتها على الأجهزة الأمنية، وهو جهاز منفصل عن وزارة الداخلية ويتبع رئاسة مجلس الوزراء.
وبالرغم من أن لوائح القوانين الداخلية للسعودية تعطي لها الحق في احتجاز الأشخاص خمسة أيام قابلة للتمديد 6 أشهر، بعد العرض على النيابة العامة، أو ما كانت تسمى هيئة التحقيق والادعاء، دونما اتهام، إلا أن ذلك الأمر يخالف معايير المحاكمة العادلة.
وتنص المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على عدم جواز احتجاز أي شخص دون اتهام أكثر من 5 أيام، قابلة للتمديد حتى 6 أشهر، بأمر من هيئة التحقيق والادعاء. وبعد ستة أشهر تشترط المادة 114 "إحالته إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه".
وقد قرر فريق الأمم المتحدة العامل، المعني بالاحتجاز التعسفي، أن "الاحتجاز يصبح تعسفياً إذا أخفقت سلطة الاحتجاز، كليا أو جزئياً، في الالتزام بالمعايير المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة، بما في ذلك سرعة العرض على القضاء". كما يقرر المبدأ رقم 11 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، أن المحتجز يجب "أن يعطى فرصة حقيقية للإدلاء بأقواله في أقرب وقت أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى"، وأنه يجب أن تكون لسلطة قضائية أو سلطة أخرى صلاحية إعادة النظر حسب الاقتضاء في استمرار الاحتجاز.
وكذلك يضمن "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، الذي صدقت عليه السعودية في 2009، حق أي شخص موقوف أو محتجز بتهمة جنائية في سرعة العرض على قاض أو مسؤول قانوني آخر، والحصول على محاكمة خلال مهلة معقولة أو الإفراج عنه. وبحسب الميثاق العربي فإنه "لا يجوز أن يكون الحبس الاحتياطي هو القاعدة العامة".