ورشة داخلية لتأهيل رئاسة ترامب: الشرق الأوسط ليس أولوية

05 اغسطس 2017
ذهب ترامب بإجازة لمدة 17 يوماً(سول لويب/ فرانس برس)
+ الخط -
في أعقاب الخضّة التي شهدها البيت الأبيض في الأسبوع الماضي، وبعدما طفح الكيل من تقلّبات وممارسات الرئيس دونالد ترامب، تحركت مؤسسات النظام باتجاه تصحيح الخلل وتطويق الانفلات الرئاسي، على الأقل لتخفيف حدة النزف، إذا تعذر وضع حدّ نهائي له. ولعل الإعلان عن ذهاب ترامب في إجازة صيفية لمدة 17 يوماً، تحت ذريعة القيام بأعمال صيانة في البيت الأبيض، من شأنه أن يسهم بإنجاح محاولات "الاستبلشمنت" لإعادة الاستقرار إلى قلب الإدارة الأميركية، وأن يعطي ربما الرئيس فرصةً لإعادة تقييم أدائه وتعديله في الفترة المقبلة.

ولتحقيق الغرض بدأت الجهات المعنية في الكونغرس، كما في بعض مواقع الإدارة، باتخاذ خطوات رادعة، علها تساعد في عودة رئاسة ترامب إلى سكتها الطبيعية. وتراهن هذه الجهات على اضطرار الرئيس للتجاوب، ولو مؤقتاً. فهو يعاني من ضعف وعزلة متزايدين، إذ هبط رصيده في آخر استطلاع للرأي إلى 33 بالمائة، كما يعاني من اشتداد وطأة كابوس التحقيقات الروسية التي تهدد بالكشف عن فضيحة مكلفة لرئاسته. وفي ضوء ذلك، لا يقوى ترامب على المجابهة، بل هو بحاجة إلى إنقاذ. لذلك، ما عاد بإمكانه الممانعة. فالرئيس الذي جاء لمحاربة المؤسسة التقليدية في واشنطن "وتجفيف مستنقعها"، وفق ما وعد، صار تحت رحمتها، على الأقل حتى إشعار آخر. وانتزعت المبادرة منه إلى حد ملحوظ، حتى في مجال السياسة الخارجية. وقد تجلّى ذلك في صدور قرارات واتخاذ إجراءات من قبل البيت الأبيض والكونغرس في آن، ارتضى بها الرئيس ولو على مضض، إذ لم يكن لديه بديل آخر.

ولم يعد سراً في واشنطن أن الجنرال جون كيلي، قبل بمنصب رئيس طاقم البيت الأبيض بشروط، أولها أن يكون هو المعبر الوحيد إلى المكتب البيضاوي وبما يكفل سدّ كافة الخطوط الرسمية المباشرة مع الرئيس ومن ضمنها خط أفراد عائلته ومستشاريه المقربين. يشمل ذلك ضرورة التشاور المسبق مع كيلي حول ما ينوي الرئيس اتخاذه من مواقف ومن بينها تغريداته التي تسببت بمشاكل وانقسامات كثيرة. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وصفت كيلي باعتباره "الحارس الجديد" لمكتب ترامب، مشيرةً إلى أنه وضع حداً لحالة الفوضى التي كانت مكرسة من خلال دخول مستشارين لترامب وأفراد من عائلته إلى مكتبه للتحدث إليه، من دون الحصول على إذن مسبق من قبل كبير موظفي البيت الأبيض.

وليس سراً أن الجنرال كيلي كان وراء قرار الرئيس بالاستغناء عن صديقه، المدير الجديد لقسم الاتصالات في البيت الأبيض، أنتوني سكاراموتشي، بعد عشرة أيام من تعيينه، "لافتقاره للمواصفات" المطلوبة، وسط أنباء عن نيّة كيلي تعيين المتحدث باسم وزارة الأمن الداخلي، ديفيد لابان، خلفاً لسكاراموتشي.


وتردد بأن كيلي هو الذي حمل الرئيس على صرف النظر عن رغبته في التخلص من وزير العدل، جيف سيشنز، على خلفية تزايد الضغوط على البيت الأبيض في التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. وساعده في ذلك وقوف الكونغرس والجمهوريين بالذات صفاً واحداً ضد أي خطوة من هذا النوع.

كذلك أقدم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، الجنرال هربرت ماكماستر، على خطوات تعذر عليه اتخاذها في البداية بسبب تدخل الرئيس وصهره. أبرزها التخلص من مساعده للشؤون الاستخباراتية، إيزرا كوهن- واتنيك، المقرب من المستشار النافذ ستيف بانون، وصديق صهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، الذي كان قد فرضه في هذا الموقع. كذلك تخلص ماكماستر من معاونه لشؤون إيران وسورية، الكولونيل ديريك هارفي، المحسوب على خندق الصقور في الموقف من طهران، وعيّن مايكل بيل، بدلاً منه.

خطوات ما كان من المتوقع أن يتقبلها الرئيس. لكن في ظل الظروف الضاغطة وصعود نجم جنرالات الإنقاذ في إدارته – ومنهم أيضاً وزير الدفاع جيمس ماتيس، وجد نفسه بلا خيار آخر. وبانتظار عودة ترامب من إجازته، يجري تكريس واقع جديد في إدارة ترامب، بما يعكس تغييراً لصالح نفوذ كل من ماكماستر وكيلي، مقابل تراجع دور التيار الشعبوي، المقرب من بانون.

وما يجري في الكونغرس ومن قبل أعضائه الجمهوريين، يفرض على ترامب قيوداً لم يعد بإمكانه إلا الاستسلام لها. فالرئيس الذي كان في حسبانه أن وقوف غالبية الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب إلى جانبه هو أمر مسلّم به لتمرير الأجندة التي وعد بها ولتأمين الغطاء لمواقفه حتى الخارجية، مثل تساهله مع موسكو، وجد فجأة أنهم انقلبوا عليه. مبالغاته في التودد للروس على الرغم من تزايد افتضاح تدخلهم في الانتخابات الرئاسية، معطوفة على أخطائه وإصراره على التعامل مع أعضاء الكونغرس الجمهوريين بفوقية وبقدر من التحدي، ساهمت في تصدع العلاقة بينه وبينهم. بذلك، بات الرئيس يقف في مواجهة كونغرس لا حليف له فيه: الحزب الديمقراطي ضده والحزب الجمهوري متوجس منه. والأخير تجاهل معظم مطالبه، لا سيما حين رفض إسقاط قانون باراك أوباما للرعاية الصحية. كما رفض تغيير قواعد التصويت بحيث تسمح بتمرير مشاريعه، ناهيك عن رفضه وتحذيره من عواقب إقالة وزير العدل والمحقق الخاص، روبرت مولر، الذي يحقق في المعلومات حول تدخل روسيا في الانتخابات. والأكثر تحدياً كان قرار الكونغرس بمجلسيه وبغالبية ساحقة، بفرض عقوبات جديدة على موسكو والذي وجد الرئيس نفسه مرغماً على قبوله والتوقيع عليه، لأن "الفيتو" الذي يملكه فَقَدَ مفعوله في ظل هذه الأكثرية التي تتجاوز الثلثين.


وفي سياق متصل، قطع مجلس الشيوخ يوم الخميس، الطريق على ترامب لاغتنام فترة إجازته الصيفية التي تستمر 17 يوماً، من أجل القيام بأي إقالات وتعيينات جديدة، إذ أعلن أنه يبقى منعقداً على الرغم من مغادرة أعضائه لقضاء إجازاتهم. ويهدف التحرك الذي أقره المجلس بإجماع أعضائه المئة قبل رفع جلستهم الخميس إلى قطع الطريق نهائياً على احتمال إقالة وزير العدل. وانتقد ترامب وزير العدل مراراً بعدما نأى الأخير بنفسه عن التحقيق فيما تزايدت التكهنات بشأن قيام الرئيس باستبداله خلال فترة استراحة الصيف التي تعفيه من ضرورة الحصول على موافقة الكونغرس. إلا أن المجلس، الذي يبدو غير مطمئن لنوايا ترامب، على الرغم من حديث البعض عن أن الجنرال كيلي أقنعه بعدم إقالة وزير العدل، قطع عليه هذا الطريق حين أعلنت السناتور ليزا موركوسكي، مع رفع جلسة يوم الخميس، أنه سيتم عقد تسع جلسات "شكلية" خلال الشهر المقبل. ويستمر هذا النوع من الجلسات، عادةً، لدقيقة أو اثنتين، من دون القيام بأي أعمال. ولكن عقدها يضمن استمرار التئام مجلس الشيوخ أثناء فترة العطلة وهو ما يحرم الرئيس من فرص التعيين خلال فترة الاستراحة. وبدأ مجلس النواب فترة استراحته الأسبوع الماضي. وينص نظام الكونغرس أن على مجلسي النواب والشيوخ إقرار التعيينات في حال انعقادهما. وأما في فترة الاستراحة الصيفية فبإمكان الرئيس إجراء التعيينات بنفسه وهو ما لن يكون بإمكان ترامب القيام به الآن مع استمرار انعقاد مجلس الشيوخ.

وبذلك تلاقى انتفاض الكونغرس مع شروط الجنرالات الإنقاذية، على شكل ورشة تعمل لتطويق رئاسة ترامب و"إنقاذها من نفسها"، بل لإعادتها إلى حضن المؤسسة وتوجهاتها المألوفة. بالترافق مع ذلك، بدا أن فريق الأمن القومي وبدعم من بعض نخب السياسة الخارجية، أعاد ترتيب الأولويات الخارجية، إذ جرى تقديم الملفات الروسية والصينية والكورية الشمالية والأفغانية على حساب ملفات الشرق الأوسط التي يبدو أنها تراجعت إلى المقعد الخلفي.

وفي سورية، "تتعاون الإدارة مع موسكو" كما قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء الماضي في واشنطن. كلامه يؤشر إلى تسليم بدور روسيا الأساسي في الساحة السورية. ومن المقرر أن يلتقي تيلرسون نظيره الروسي سيرغي لافروف، في مانيلا الأسبوع المقبل، أثناء مشاركتهما في اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، من 6 إلى 8 أغسطس/آب الحالي، على أن يتطرقا إلى ملف العلاقات الثنائية والوضع السوري.

وفي ما يتعلق بإيران أيضاً، جرى ضبط الخطاب وتبريده. التخلي عن مسؤول إيران في مكتب الجنرال ماكمستر، الكولونيل ديريك هارفي، المعروف بتشدده تجاه طهران، وأيضاً إزاحة كوهن-واتنيك، الذي ينتمي إلى ذات الخندق، كان أحد المؤشرات في هذا الاتجاه. يضاف إليه موقف الوزير تيلرسون الذي جاهر بخلافه مع الرئيس حول إيران والاتفاق النووي معها وبما يعزز الاعتقاد بأن خط تبريد الأجواء مع إيران قد بدأت تُرَجّح كفته داخل الإدارة الأميركية، ولو إلى حين.

وفي هذا السياق، يندرج أيضاً ملف عملية السلام الذي لم يرد ذكره أبداً في حديث تيلرسون، الذي شمل كافة الملفات الساخنة على الساحة الدولية من دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية. حتى المستشار كوشنر المكلف بهذا الملف، أفصح قبل أيام بأن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي "قد لا يكون له حل وأن الوضع قابل للانفجار ولا أعرف ما إذا كان بالإمكان الحفاظ على الهدوء الراهن". 
المساهمون