بين الإصرار الشعبي الفلسطيني على الاستمرار في معركة كسر محاولات الاحتلال فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتصاعد حالة الغليان الشعبي في الشارع، والتحذيرات الإقليمية والدولية من خطورة التطورات في القدس المحتلة وانسحابها على باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يزداد الارتباك في أوساط المسؤولين الإسرائيليين داخل المستويين الأمني والسياسي، بالتزامن مع بدء ظهور بوادر لانكسار الاحتلال أمام صمود المقدسيين.
وعلى الرغم من أن الاحتلال لجأ، منذ فجر أمس الأحد، إلى إقامة مزيد من منشآت المراقبة الإلكترونية في منطقة باب الأسباط اشتملت على كاميرات مراقبة متطورة جداً، ومجسات فحص عالية الجودة، لتضاف إلى الأبواب الإلكترونية التي نصبت على بوابات المسجد، سرب مصدر مسؤول من حركة فتح من معلومات لـ"العربي الجديد" عن التوصل إلى ما سّماه بـ"تفاهمات" تنهي الأزمة الحالية التي تنذر بانتفاضة جديدة. كما تقاطعت التقديرات في الصحف الإسرائيلية، الصادرة أمس الأحد، التي تفيد بأن البوابات الإلكترونية التي نصبها الاحتلال عند بوابات الأقصى لن تدوم طويلاً.
ولم يستبعد المسؤول الفلسطيني، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، أن تتم قريباً جداً إزالة البوابات الإلكترونية عن أبواب الأقصى، مع الإبقاء على المنشآت الجديدة الأكثر تطوراً في ما يتعلق بإجراءات المراقبة وكشف المعادن وحامليها، التي نصبت فجر اليوم في باب الأسباط. وبرر القبول الفلسطيني الرسمي بهذه التفاهمات بأن "البلدة القديمة برمتها تشتمل على مئات كاميرات المراقبة التي ترصد كل صغيرة وكبيرة". إلا أنه حذر مما سمّاه بـ"تنازلات" كان يمكن أن تقدمها بعض الجهات المحسوبة على أطراف عربية، والتي نادت منذ البداية بالدخول عبر البوابات إرضاء لهذه الأطراف وتزلفاً لها.
ووسط الحديث عن "تفاهمات" أو "تنازلات" ارتفع عدد الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عن الأقصى إلى أربعة بعدما أعلن مساء يوم السبت، استشهاد عباس يوسف كاشور، من حارة السعدية التي لا تبعد عن الأقصى وبواباته سوى عشرات الأمتار خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي شهدتها بلدة العيزرية شرق القدس المحتلة.
في موازاة ذلك، يبدو الشارع المقدسي على غير رغبة وتمنيات من سار في التفاهمات، إن تمت، ويؤكد إصراره على الصمود والمواجهة في معركة الدفاع عن الأقصى.
وفي باب المجلس، أحد أبواب المسجد الأقصى، حيث المئات من المواطنين ومن بينهم عدد من مسؤولي الأوقاف، على رأسهم مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، يبدي الجميع هناك موقفاً موحداً رافضاً لنصب المنشآت الإلكترونية الجديدة، ويؤكدون على رباطهم حتى إزالتها جميعاً، بما في ذلك البوابات التي نصبت قبل عشرة أيام.
تقول إحدى المرابطات لـ"العربي الجديد"، إننا "لن نقبل بأقل من إزالتها. لا يمكن التسليم بوجود كاميرات المراقبة في باب الأسباط ومجسات الفحص الإلكتروني التي تستخدم فيها الأشعة الحمراء والأشعة السينية". وتضيف: "من يتفاهم مع الاحتلال يتنازل عن الأقصى. ونحن نرفض التنازل".
وتظهر جولة قامت بها "العربي الجديد" مدى الغضب لدى كبار السن من المرابطين. عمران الطويل أحدهم، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "ما يقرره شبابنا نحن معه. لا تعنينا أي تفاهمات يجريها أبو مازن أو ملك الأردن". أضاف: "دم أولادنا ما بروح هدر... واحنا أرواحنا فدا للأقصى".
في باب المجلس (أحد أبواب المسجد الأقصى)، حيث العشرات من حراس الأقصى وموظفي الأوقاف، يتجسد موقف آخر من الرفض لدى هؤلاء لكل ما يقال عن تفاهمات أو تنازلات قد تكون تمت. أحد مسؤولي الحراسة يستبعد أي تنازل. ومع ذلك يقول "ستكون مصيبة كبرى. ماذا نقول لأبنائنا؟ وماذا نخبر زملاءنا الحراس المبعدين عن القدس والأقصى"؟ يضيف "الأحد (أمس) اقتحم الأقصى 122 مستوطناً. عشرة من حراسنا فقط موجودون على رأس عملهم، لكنهم ممنوعون من مرافقة المستوطنين وفق ما كانت عليه العادة دائماً. هل سنقبل بوضع كهذا؟".
ولم تنجح محاولات الحصول على رد شاف للأسئلة المتعلقة بما أحدثه الإسرائيليون من تغييرات على الأرض فجر أمس في باب الأسباط. مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، اكتفى خلال استقباله وفداً مسيحياً من أبناء البلدة القديمة، بالإشارة إلى ما ورد في بيان المرجعيات الدينية بهذا الخصوص، والذي أكد رفض المرجعيات للعدوان على الأقصى بكافة أنواعه. ورداً على سؤال "العربي الجديد" له عن نصب كاميرات المراقبة الجديدة ومجسات الفحص المتطورة، كرر فقط التأكيد على ما ورد في البيان. وهو الموقف نفسه الذي أعلنه مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، الذي رفض الإدلاء بالمزيد لدى توجه "العربي الجديد" له بالسؤال، بقوله "ما لدينا حتى اللحظة البيان الذي أصدرناه، هذا موقفنا، وهو ذاته الذي طالبنا فيه بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل عشرة أيام". وكان لموقف الوفد الشعبي المسيحي من أبناء البلدة القديمة الذي وصل أمس إلى باب المجلس مسانداً وداعماً للمرابطين، الأثر الأكبر في نفوس المتواجدين، هناك، إذ علت الهتافات المؤكدة على الوحدة الوطنية الإسلامية المسيحية، فيما يقول المربي بندلي زنانيري، من أعضاء الوفد المسيحي: "ما حدث ويحدث للأقصى جذّر قوة العلاقة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد الموحد في القدس. نحن أبناء وطن واحد. وأبناء أمة عربية واحدة. وما يهدد الأقصى يهدد القيامة، ولا نريد أي أذى أو ضرر يقع بهما لا سمح الله".
اقــرأ أيضاً
في الميدان، ومن خلال ما يمكن معاينته على أرض الواقع، يمكن القول إن أموراً كثيرة قد تغيرت من ناحية قيادة المقدسيين، بمرجعياتهم الدينية والوطنية، لمعركة الدفاع عن الوجود، كما يقول أحد النشطاء ويدعى أحمد أبو رميلة. فالمرجعيات الدينية باتت في المقدمة وهي التي تقود الصلوات وتتبنى البرامج والتحركات، وتتصل مع غيرها من المرجعيات الدينية والسياسية محلياً ودولياً وتحشد الدعم، على حد قوله. أما القوى الوطنية، ولا أقصد الفصائل بل الشباب الوطني المنتمي للقدس ولوطنه، فهم من يقود، وهم من قدموا الشهداء الأربعة وهم قانعون بالمواجهة والدفاع عن الأقصى، وهم حتى اللحظة من يقدم عشرات الجرحى والمصابين.
في ساحة باب المجلس، وخلال التجول بين المرابطين والمرابطات، تعلو صرخاتهم وهتافهم "الثبات ... الثبات... حتى تزول البوابات". إلى جانب هتافات التكبير و"بالروح بالدم نفديك يا أقصى"... هتافات لم تعجب في بعضها من بشّر أمس بـ"التفاهمات" حتى قبل الإعلان عن التوصل إليها. كما لم تعجب جنود الاحتلال الذين أحاطوا بالحشود وأصابعهم على الزناد. بعض الأدعية قادت الشيخ عصمت الحموري إلى السجن أمس بعد أن ألقى أمس الأول خطبة الجمعة بمئات المرابطين في باب الأسباط، ودعا في نهاية خطبته بـ"اليتم لأبناء جنود الاحتلال الذين يمنعون المصلين من الوصول إلى مسجدهم الأقصى".
ويتوقف مراقبون عند مشاركة عناصر حزب التحرير في المواجهات اليومية مع جنود الاحتلال بصلواتهم واعتصاماتهم بعدما كانوا ينأوون بأنفسهم عن المواجهة والصدام باستثناء حلقات الدعوة في ساحات الأقصى. وأمّ هؤلاء المصلين في صلاة العشاء أول من أمس ورفعوا راياتهم السوداء عند باب المجلس.
وحيث يرابط يومياً مئات المواطنين، تحولت الساحات المحيطة بالمسجد الأقصى إلى بيوت ضيافة، كما يقول سليمان قوس من سكان باب المجلس – حي الجالية الأفريقية. ويضيف "لم نشهد من قبل حالة التكافل والتضامن الاجتماعي والوطني كما شهدناها على مدى الأيام العشرة الماضية، إذ تتنازع عائلات البلدة القديمة ومطاعمها وتجارها واجب تقديم الطعام والماء البارد وحتى الحلويات دعماً وإسناداً في معركة يراها الناس هنا بأنها مستمرة، وقد تستمر لفترة طويلة إن لم يتراجع الاحتلال عن عدوانه على الأقصى". ويتابع "الكل هنا يريد أن يقدم ويشارك في المعركة كل على طريقته وبما يستطيع أن يقدم". يرى قوس أن هذا يشكل تحولاً مهماً في حياة المواطنين المقدسيين، رغم معاناتهم في ظل احتلال يتغول على المدينة تهويداً وأسرلة".
في بيوت الشهداء، المشهد يعكس نفسه أيضاً بصورة مغايرة عن كل ما قيل عن التفاهمات، فيما لو تمت. والدة الشهيد محمد أبو غنام من حي الطور، ناشدت، عبر "العربي الجديد"، المرجعيات الدينية والوطنية والحركات الشبابية أن لا يفرطوا بدماء الشهداء وأن لا يخذلوا ذويهم. وشددت على أن الحراك الشبابي يجب أن يستمر في دفاعه عن الأقصى، وهي رسالة نجلها محمد على مدى أسبوع من الرباط والصلاة على أبواب الأقصى.
وجه آخر للوحدة الجغرافية تجلى في العدوان على الأقصى كان يمكن مشاهدته في باب المجلس وأيضاً في باب الأسباط، حيث العديد من كبار السن ومن بينهم شبان أيضا من الضفة الغربية مرابطون منذ أيام قرب باب المجلس. أحد المواطنين من مخيم عايدة قرب بيت لحم، كان من بين من شاركوا في استقبال وفد مسيحيي البلدة القديمة، وقف معلناً أنه من "مخيم عايدة، وأنه منذ اليوم الأول للعدوان حضر إلى البلدة القديمة ورابط فيها، وسيستمر في رباطه إلى أن يعود الأقصى حراً من كل قيوده".
بجواره كان يجلس مسنّ من كفركنا في الداخل الفلسطيني المحتل، يتلو القرآن، بينما وقف جنديان من جنود الاحتلال يراقبانه. يقول المواطن، سمير الخطيب، في السبعين من عمره، بلهجة واثقة "طالما الأقصى في خطر ما رح نتخلى عنه.. نحن هان باقيين ومش رح نتزحزح من محلنا حتى يشيلوا كل هالبوابات".
وعلى الرغم من أن الاحتلال لجأ، منذ فجر أمس الأحد، إلى إقامة مزيد من منشآت المراقبة الإلكترونية في منطقة باب الأسباط اشتملت على كاميرات مراقبة متطورة جداً، ومجسات فحص عالية الجودة، لتضاف إلى الأبواب الإلكترونية التي نصبت على بوابات المسجد، سرب مصدر مسؤول من حركة فتح من معلومات لـ"العربي الجديد" عن التوصل إلى ما سّماه بـ"تفاهمات" تنهي الأزمة الحالية التي تنذر بانتفاضة جديدة. كما تقاطعت التقديرات في الصحف الإسرائيلية، الصادرة أمس الأحد، التي تفيد بأن البوابات الإلكترونية التي نصبها الاحتلال عند بوابات الأقصى لن تدوم طويلاً.
ووسط الحديث عن "تفاهمات" أو "تنازلات" ارتفع عدد الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عن الأقصى إلى أربعة بعدما أعلن مساء يوم السبت، استشهاد عباس يوسف كاشور، من حارة السعدية التي لا تبعد عن الأقصى وبواباته سوى عشرات الأمتار خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي شهدتها بلدة العيزرية شرق القدس المحتلة.
في موازاة ذلك، يبدو الشارع المقدسي على غير رغبة وتمنيات من سار في التفاهمات، إن تمت، ويؤكد إصراره على الصمود والمواجهة في معركة الدفاع عن الأقصى.
وفي باب المجلس، أحد أبواب المسجد الأقصى، حيث المئات من المواطنين ومن بينهم عدد من مسؤولي الأوقاف، على رأسهم مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، يبدي الجميع هناك موقفاً موحداً رافضاً لنصب المنشآت الإلكترونية الجديدة، ويؤكدون على رباطهم حتى إزالتها جميعاً، بما في ذلك البوابات التي نصبت قبل عشرة أيام.
تقول إحدى المرابطات لـ"العربي الجديد"، إننا "لن نقبل بأقل من إزالتها. لا يمكن التسليم بوجود كاميرات المراقبة في باب الأسباط ومجسات الفحص الإلكتروني التي تستخدم فيها الأشعة الحمراء والأشعة السينية". وتضيف: "من يتفاهم مع الاحتلال يتنازل عن الأقصى. ونحن نرفض التنازل".
وتظهر جولة قامت بها "العربي الجديد" مدى الغضب لدى كبار السن من المرابطين. عمران الطويل أحدهم، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "ما يقرره شبابنا نحن معه. لا تعنينا أي تفاهمات يجريها أبو مازن أو ملك الأردن". أضاف: "دم أولادنا ما بروح هدر... واحنا أرواحنا فدا للأقصى".
في باب المجلس (أحد أبواب المسجد الأقصى)، حيث العشرات من حراس الأقصى وموظفي الأوقاف، يتجسد موقف آخر من الرفض لدى هؤلاء لكل ما يقال عن تفاهمات أو تنازلات قد تكون تمت. أحد مسؤولي الحراسة يستبعد أي تنازل. ومع ذلك يقول "ستكون مصيبة كبرى. ماذا نقول لأبنائنا؟ وماذا نخبر زملاءنا الحراس المبعدين عن القدس والأقصى"؟ يضيف "الأحد (أمس) اقتحم الأقصى 122 مستوطناً. عشرة من حراسنا فقط موجودون على رأس عملهم، لكنهم ممنوعون من مرافقة المستوطنين وفق ما كانت عليه العادة دائماً. هل سنقبل بوضع كهذا؟".
ولم تنجح محاولات الحصول على رد شاف للأسئلة المتعلقة بما أحدثه الإسرائيليون من تغييرات على الأرض فجر أمس في باب الأسباط. مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، اكتفى خلال استقباله وفداً مسيحياً من أبناء البلدة القديمة، بالإشارة إلى ما ورد في بيان المرجعيات الدينية بهذا الخصوص، والذي أكد رفض المرجعيات للعدوان على الأقصى بكافة أنواعه. ورداً على سؤال "العربي الجديد" له عن نصب كاميرات المراقبة الجديدة ومجسات الفحص المتطورة، كرر فقط التأكيد على ما ورد في البيان. وهو الموقف نفسه الذي أعلنه مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، الذي رفض الإدلاء بالمزيد لدى توجه "العربي الجديد" له بالسؤال، بقوله "ما لدينا حتى اللحظة البيان الذي أصدرناه، هذا موقفنا، وهو ذاته الذي طالبنا فيه بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل عشرة أيام". وكان لموقف الوفد الشعبي المسيحي من أبناء البلدة القديمة الذي وصل أمس إلى باب المجلس مسانداً وداعماً للمرابطين، الأثر الأكبر في نفوس المتواجدين، هناك، إذ علت الهتافات المؤكدة على الوحدة الوطنية الإسلامية المسيحية، فيما يقول المربي بندلي زنانيري، من أعضاء الوفد المسيحي: "ما حدث ويحدث للأقصى جذّر قوة العلاقة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد الموحد في القدس. نحن أبناء وطن واحد. وأبناء أمة عربية واحدة. وما يهدد الأقصى يهدد القيامة، ولا نريد أي أذى أو ضرر يقع بهما لا سمح الله".
في الميدان، ومن خلال ما يمكن معاينته على أرض الواقع، يمكن القول إن أموراً كثيرة قد تغيرت من ناحية قيادة المقدسيين، بمرجعياتهم الدينية والوطنية، لمعركة الدفاع عن الوجود، كما يقول أحد النشطاء ويدعى أحمد أبو رميلة. فالمرجعيات الدينية باتت في المقدمة وهي التي تقود الصلوات وتتبنى البرامج والتحركات، وتتصل مع غيرها من المرجعيات الدينية والسياسية محلياً ودولياً وتحشد الدعم، على حد قوله. أما القوى الوطنية، ولا أقصد الفصائل بل الشباب الوطني المنتمي للقدس ولوطنه، فهم من يقود، وهم من قدموا الشهداء الأربعة وهم قانعون بالمواجهة والدفاع عن الأقصى، وهم حتى اللحظة من يقدم عشرات الجرحى والمصابين.
في ساحة باب المجلس، وخلال التجول بين المرابطين والمرابطات، تعلو صرخاتهم وهتافهم "الثبات ... الثبات... حتى تزول البوابات". إلى جانب هتافات التكبير و"بالروح بالدم نفديك يا أقصى"... هتافات لم تعجب في بعضها من بشّر أمس بـ"التفاهمات" حتى قبل الإعلان عن التوصل إليها. كما لم تعجب جنود الاحتلال الذين أحاطوا بالحشود وأصابعهم على الزناد. بعض الأدعية قادت الشيخ عصمت الحموري إلى السجن أمس بعد أن ألقى أمس الأول خطبة الجمعة بمئات المرابطين في باب الأسباط، ودعا في نهاية خطبته بـ"اليتم لأبناء جنود الاحتلال الذين يمنعون المصلين من الوصول إلى مسجدهم الأقصى".
ويتوقف مراقبون عند مشاركة عناصر حزب التحرير في المواجهات اليومية مع جنود الاحتلال بصلواتهم واعتصاماتهم بعدما كانوا ينأوون بأنفسهم عن المواجهة والصدام باستثناء حلقات الدعوة في ساحات الأقصى. وأمّ هؤلاء المصلين في صلاة العشاء أول من أمس ورفعوا راياتهم السوداء عند باب المجلس.
وحيث يرابط يومياً مئات المواطنين، تحولت الساحات المحيطة بالمسجد الأقصى إلى بيوت ضيافة، كما يقول سليمان قوس من سكان باب المجلس – حي الجالية الأفريقية. ويضيف "لم نشهد من قبل حالة التكافل والتضامن الاجتماعي والوطني كما شهدناها على مدى الأيام العشرة الماضية، إذ تتنازع عائلات البلدة القديمة ومطاعمها وتجارها واجب تقديم الطعام والماء البارد وحتى الحلويات دعماً وإسناداً في معركة يراها الناس هنا بأنها مستمرة، وقد تستمر لفترة طويلة إن لم يتراجع الاحتلال عن عدوانه على الأقصى". ويتابع "الكل هنا يريد أن يقدم ويشارك في المعركة كل على طريقته وبما يستطيع أن يقدم". يرى قوس أن هذا يشكل تحولاً مهماً في حياة المواطنين المقدسيين، رغم معاناتهم في ظل احتلال يتغول على المدينة تهويداً وأسرلة".
وجه آخر للوحدة الجغرافية تجلى في العدوان على الأقصى كان يمكن مشاهدته في باب المجلس وأيضاً في باب الأسباط، حيث العديد من كبار السن ومن بينهم شبان أيضا من الضفة الغربية مرابطون منذ أيام قرب باب المجلس. أحد المواطنين من مخيم عايدة قرب بيت لحم، كان من بين من شاركوا في استقبال وفد مسيحيي البلدة القديمة، وقف معلناً أنه من "مخيم عايدة، وأنه منذ اليوم الأول للعدوان حضر إلى البلدة القديمة ورابط فيها، وسيستمر في رباطه إلى أن يعود الأقصى حراً من كل قيوده".
بجواره كان يجلس مسنّ من كفركنا في الداخل الفلسطيني المحتل، يتلو القرآن، بينما وقف جنديان من جنود الاحتلال يراقبانه. يقول المواطن، سمير الخطيب، في السبعين من عمره، بلهجة واثقة "طالما الأقصى في خطر ما رح نتخلى عنه.. نحن هان باقيين ومش رح نتزحزح من محلنا حتى يشيلوا كل هالبوابات".