خرائط أستانة: سورية مناطق نفوذ إقليمية ودولية

26 يونيو 2017
قصف الإسرائيليون القنيطرة في اليومين الماضيين (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -
تقترب أطراف إقليمية ودولية من إبرام اتفاق يتعلق بمناطق خفض التوتر في سورية يدشن مرحلة جديدة من القضية السورية، عنوانها الرئيسي: تحويل البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم بين دول عدة، باتت تدير دفة الصراع على سورية، بعيداً عن النظام، والمعارضة، وبما يهدد وحدة ومستقبل البلاد. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء، عما قالت إنه مصدر مقرب من مفاوضات تجري بين خبراء من الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة في سورية (تركيا، روسيا، إيران)، بأنه "تمّ الاتفاق على رسم حدود منطقتين من أصل أربع من مناطق وقف التصعيد في سورية".

وأشار المصدر إلى أنه "تمّ الاتفاق على المنطقتين الثانية والثالثة، وتشملان الغوطة الشرقية، وشمال حمص، وشمال غربي حمص، فيما لا تزال المنطقتان الأولى والرابعة قيد البحث. ومن المفترض أن تشمل الأولى محافظة إدلب، شمال غربي سورية، وريف حلب الغربي. وتشمل الرابعة درعا وبعض ريف القنيطرة". وأكد المصدر أن "الثلاثي الضامن لم يتوصل بعد إلى صيغة نهائية حول القوات التي من المفترض أن تراقب هذه المناطق، ولم يتضح ما إذا كانت الدول الضامنة هي التي تتولى عمليات المراقبة، أم يتم الاعتماد على قوات حفظ سلام من دول أخرى". ورجّح البت في هذا الأمر في اجتماعات أستانة المقبلة مطلع شهر تموز/ يوليو المقبل.

وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، قد قال خلال اجتماعٍ مع صحافيين منذ أيام إنه "من الممكن نشر قوات روسية وتركية في محافظة إدلب"، مضيفاً أنه "تمّ تشكيل آلية بين روسيا وتركيا وإيران، بخصوص مناطق خفض التوتر في سورية". وأوضح أن "القوات الأميركية ستنتشر في جنوب سورية، وأن قوات عسكرية من دول مختلفة ستعمل في مناطق خفض التوتر المتفق عليها".

من جانبه، أفاد عضو وفد المعارضة العسكرية المفاوض النقيب سعيد نقرش، لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك اجتماعات متوالية من أجل رسم خرائط مناطق وقف التصعيد"، مؤكداً أنه "إلى الآن لم يتم التوافق على المناطق الأربع بمجملها". وأبدى اعتقاده بأن "هذا السبب كان وراء تأجيل اجتماع أستانة". ورجّح أن "يتم التوصل إلى اتفاق يخص مناطق خفض التوتر في اجتماعات أستانة في الرابع من الشهر المقبل، إذا حدث توافق دولي على مناطق خفض التصعيد".




بدورها، كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "التفاهمات حول مناطق خفض التوتر في سورية ربما تتيح لتركيا إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال غربي سورية، تحمل عنوان (درع العاصي)، بعمق 85 كيلومتراً، وعرض 35 كيلومتراً، وتشمل جانباً من ريف حلب الغربي، وكامل محافظة إدلب. ومن غاياتها مراقبة المنطقة الأولى من بين المناطق الأربع. كما تهدف أنقرة من وراء العملية إلى وأد أي محاولة من الوحدات الكردية لتوسيع نطاق سيطرتها حول مدينة عفرين في شمال غربي مدينة حلب". ولم يشمل اتفاق التهدئة حي جوبر في شرق دمشق، الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، لذا تحاول قوات النظام ومليشيات تساندها تعجيل الحسم في الحي، وفصله عن الغوطة الشرقية لدمشق، قبل التوصل إلى اتفاق نهائي بين الثلاثي الضامن في أستانة المقبل.

ونشرت قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري خارطة توضح مناطق خفض التوتر في سورية، وتبيّن أن قوات النظام لا تكاد تسيطر إلا على ربع مساحة سورية، البالغة أكثر من 180 ألف كيلومتر مربع، فيما تسيطر المعارضة على محافظة إدلب، وريف حلب الغربي، ومناطق في شمال وشمال غربي حمص، وسط سورية، ومناطق في درعا والقنيطرة. كما تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، من غير الواضح بعد مآلها ضمن اتفاق مناطق خفض التوتر.

كما لا يزال تنظيم "داعش" يفرض سيطرة على مساحات في شرق سورية تحديداً، حيث يسيطر على محافظة دير الزور، وجانب من ريف الرقة الشرقي. ومن المرجح أن تكون المنطقة الرابعة التي تضم درعا وبعض ريف القنيطرة محل خلاف، خصوصاً أن الأردن يريد إبعاد مليشيات إيرانية عن حدوده الشمالية نحو 30 كيلومتراً، وفقاً لمصادر مطلعة على سير اجتماعات تعقد في عمان بين خبراء روس وأميركيين، فيما يريد النظام السوري وجوداً رمزياً على كامل الحدود السورية الأردنية، خصوصاً على معبر نصيب الحدودي.

وذكرت مصادر مواكبة أن "الإسرائيليين غير بعيدين عن التفاوض حول المنطقة الرابعة، إذ تدفع إسرائيل باتجاه عدم وجود قوات للنظام على طول الشريط الحدودي لفلسطين المحتلة مع سورية"، مشيرة إلى أن "القصف الإسرائيلي لقوات النظام في القنيطرة، السبت والأحد، يؤكد ذلك".



ويدشن الاتفاق على خرائط مناطق خفض التوتر مرحلة جديدة من القضية السورية، عنوانها الرئيسي "تحويل البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم بين الأطراف الإقليمية والدولية"، تؤكد أن التوصل إلى اتفاق سياسي بعيد المنال في الوقت الراهن. وربما لن يتحقق إلا بعد القضاء على "داعش" في شرق سورية، وهذا الأمر يحتاج إلى أشهر.

وبموجب الاتفاق، يصبح الشمال والشمال الغربي من سورية منطقة نفوذ تركية كاملة، في ظل حديث عن نية أنقرة إقامة قاعدة عسكرية في منطقة دارة عزة في ريف حلب الغربي، تضاف إلى قاعدة أخرى أقيمت بالقرب من مدينة الباب، شمال شرقي حلب. كما أصبح الساحل السوري برمته منطقة نفوذ عسكرية للروس، إضافة إلى سعي موسكو لإقامة قواعد عسكرية داخل البلاد، تحديداً بالقرب من مدينة حماة، وسط البلاد، وفي تدمر بقلب البادية السورية.

وتسعى إيران إلى فرض هيمنة مطلقة على مدينة دمشق وريفها، وعلى مدينة حمص وريفها الغربي المتصل بلبنان، وهو تحول بالفعل إلى منطقة نفوذ لحزب الله منذ منتصف عام 2013. ولم يعد للنظام والمعارضة أي دور في رسم مستقبل البلاد، إذ تتولى تركيا الجانب المتعلق بالمعارضة، وروسيا وإيران ما يتعلق بجانب النظام، ويتم وضع الخرائط الخاصة بمناطق خفض التوتر داخل غرف مغلقة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة أي اتفاق مقبل على الصمود.

من جانبه، يرى المحلل العسكري السوري العقيد فايز الأسمر، أن "أي اتفاق يتعلق بمناطق خفض التوتر غير قابل للحياة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "استثناء هيئة تحرير الشام من اتفاق التهدئة لن يؤدي دوراً مساعداً في ترسيخ مناطق خفض التوتر". وأضاف أن "الهيئة موجودة في المناطق الأربع، ومن ثم فإن الطيران الروسي سيقصف هذه المناطق بشكل دائم".

ويرى قائد عمليات "جيش العزة"، العقيد مصطفى بكور، أن "الكلام عن وضع خرائط نهائية لمناطق خفض التوتر بمثابة تقسيم حقيقي لسورية، وانتداب من قبل الدول الضامنة للاتفاق"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هو تقاسم للأرض السورية بين الدول". ويعرب عن اعتقاده بأنه "في ظلّ تشرذم وتناحر قوى الثورة يمكن لأي اتفاق يتعلق بسورية أن يمر ويعيش مؤقتاً"، مضيفاً أن "التناحر والتشرذم حالة مؤقتة، لأن أي استقرار تعيشه المناطق المحررة سيفرز قيادات جديدة قادرة على إفشال أي اتفاق يهدد وحدة ومستقبل سورية".