فرنسا تقرر اليوم: تطرف لوبان يفتح أبواب الإليزيه لماكرون

07 مايو 2017
توقعات بحصول ماكرون على أكثر من 60% من الأصوات(Getty)
+ الخط -
تدل كافة المعطيات قبل انطلاق الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية اليوم الأحد، على أن معركة التصويت ضد مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف مارين لوبان، ستحمل المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، مع اتجاه الأخير إلى فوز عريض بنسبة تتجاوز 60 في المائة وفق معظم استطلاعات الرأي، وذلك قبل مفاجأة اللحظات الأخيرة ليل الجمعة السبت مع تسريب آلاف الوثائق من حملة المرشح الوسطي، بعد تعرضها للقرصنة، الأمر الذي رأى فيه حزب ماكرون محاولة "لزعزعة الاستقرار الديمقراطي".
وأظهر آخر استطلاع للرأي أجراه مركز "إبسو سوبرا"، بطلب من صحيفة "لوموند"، قبل التسريبات، المرشح ماكرون منتصراً في الدورة الثانية بنسبة 63 في المائة مقابل 37 في المائة للوبان. وقبل ذلك أعلن مركز "هاريس أنتر-أكتيف" لاستطلاعات الرأي، عن نية 62 في المائة، من الذين شملهم الاستطلاع، التصويت لماكرون مقابل 38 للوبان. وبدأ بعض أنصار الأخيرة على ضوء مختلف استطلاعات ما بعد المناظرة التلفزيونية، يرون أن من المعجزة أن تحقق لوبان نسبة أكبر من 35 في المائة.

لكن مفاجأة شهدتها آخر ساعة من الحملة الانتخابية، التي انتهت رسمياً عند الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت غرينتش من يوم الجمعة، مع تسريب وثائق حول ماكرون وحملته بعد اختراقها. وفيما لم يُعرف مدى تأثيره على النتائج، إلا أن حزب ماكرون "إلى الأمام"، اعتبر التسريب "زعزعة للاستقرار الديمقراطي مثلما حدث خلال الحملة الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة". وأكد الحزب في بيان أن هذه الوثائق التي تمت قرصنتها هي رسائل إلكترونية أو "وثائق محاسبة" كلها "قانونية". ولفت إلى أن "الذين يتداولون هذه الوثائق يضيفون إلى الوثائق الأصلية أخرى مزورة لزرع الشك والتضليل".
وفور نشر هذه الوثائق على موقع "تويتر"، تناقلها اليمين المتطرف. وقال نائب رئيسة "الجبهة الوطنية" فلوريان فيليبو، "هل ستكشف #ماكرونليكس أموراً تعمدت الصحافة الاستقصائية طمسها؟ هذا الغرق الديمقراطي مخيف". وبلغ حجم هذه الوثائق الداخلية لحملة ماكرون 9 جيغابايت تم بثها على الإنترنت من قبل مستخدم يطلق على نفسه اسم "ايمليكس". بينما قال موقع ويكيليكس إن هناك في المجموعة "آلاف الرسائل الإلكترونية والصور والوثائق المرتبطة بها، يعود آخرها إلى 24 إبريل/نيسان" أي غداة الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. وأكد الموقع أنه لا يقف وراء هذه العملية التي باتت تحمل اسم "#ماكرونليكس".

إجماع حول ماكرون
ومع اقتراب ساعة الحسم، بدأ الكثيرون يغيّرون مواقفهم من التصويت، خصوصاً بعد ظهور لوبان بصورتها الحقيقية، المخيفة، في المناظرة التي جمعت بين المرشحَين، يوم الأربعاء الماضي، إذ يهدد خطابها العنيف بدفع قسم من الفرنسيين لأن يكونوا ضد بعضهم، في ما يشبه تهديداً للسلم الاجتماعي، قد يصل إلى الحرب الأهلية. هذه المناظرة منحت ماكرون دينامية ونفَساً جديديْن، من حيث لا يحسب. وظهر هذا الأمر من خلال تغير نسب التصويت لصالح ماكرون، فقد ارتفع عدد من سيصوتون لصالحه من أنصار مرشح اليسار الراديكالي في الدورة الأولى جان لوك ميلانشون، حسب معهد "إيفوب"، ما بين أول مايو/أيار و5 منه، من 48 في المائة إلى 55 في المائة، مقابل نحو 10 في المائة ينوون التصويت لصالح لوبان، فيما بلغت نسبة من سيصوت بالورقة البيضاء أو يتغيب عن التصويت 35 في المائة. وكان ميلانشون، قد تأخر كثيراً في الإعلان عن موقفه من التصويت في الدورة الثانية. وفي نهاية المطاف أعلن أنه لن يمنح صوته لمرشحة اليمين المتطرف، وهو موقف يتناغم مع مواقف بعض الجهات النقابية، خصوصاً النقابة العامة للعمل "سي جي تي".

كما أن هذه الدينامية المستعادة من قِبل ماكرون، والتي عبّر عنها في المناظرة، جعلت اليمين التقليدي، وبالخصوص أنصار اليميني فرانسوا فيون، يميلون بشكل متزايد للتصويت لماكرون، وهي نسب تقترب من نظيرتها لدى أنصار ميلانشون. فوفق استطلاع الرأي نفسه، أعلن نحو 48 في المائة من ناخبي فيون عن نيتهم التصويت لصالح ماكرون، مقابل 28 في المائة سيمنحون أصواتهم لمرشحة اليمين المتطرف، في حين قرر نحو 24 في المائة الامتناع عن التصويت.
وفي ما يخص موقف اليسار الاشتراكي أو ما تبقى منه، والذي صوّت لبونوا هامون في الدورة الأولى، فلم يتغير كثيراً منذ أن دعا هامون، بعد هزيمته بشكل صريح، للتصويت لصالح "الخصم" إيمانويل ماكرون ضد "عدوّة" الديمقراطية، مارين لوبان.
والغريب في آخر استطلاع للرأي، والذي يكشف مدى دينامية ماكرون، وأيضاً النتائج الكارثية لأداء لوبان في المناظرة، أن نداء زعيم "انهضي، فرنسا"، نيكولا دوبون إنيان، لأنصاره بالالتحام في جموع لوبان، بعد أن اختارته الأخيرة رئيساً لحكومتها في حال فوزها، لم يَلقَ الاستجابة المرجوة. فقد انخفضت نسبة من سيصوّت لصالح لوبان من أنصار إنيان، من 50 في المائة إلى 39 في المائة، في حين أن 27 في المائة منهم قرروا التصويت لصالح ماكرون، والباقي، وهم في حدود 34 في المائة، فتتوزع رغباتهم بين التصويت بالورقة البيضاء والامتناع عن التصويت.


كل هذه المؤشرات والإحصاءات تصبّ في صالح ماكرون، لولا أن ثمة مخاطر استمرار نسبة كبيرة من الفرنسيين يميلون، قبيل ساعة الحسم، إما إلى الامتناع عن التصويت أو الاقتراع بالورقة البيضاء. وتأتي بعض العوامل لتشجع على هذا الخيار ومنها العطلة الطويلة، لأن الاثنين يوم عطلة، ما يدفع كثيرين عادة للسفر، غير عابئين بالتصويت ونتائجه. وهو ما قد تستفيد منه لوبان، بل هي تراهن عليه، من أجل الاقتراب من ماكرون.
وتبلغ نسبة من أعلن عن رغبته في التصويت نحو 76 في المائة، في حين أن الباقين يتوزعون بين من سيصوت بالورقة البيضاء ومن سيمتنع عن التصويت، نحو 24 في المائة، وهي نسبة أعلى مما عرفته الدورة الأولى.

المناظرة حسمت التوجهات
أظهر آخر استطلاع للرأي أن 89 في المائة من الناخبين الفرنسيين، حسموا أمرهم، وباتوا يعرفون بشكل قاطع لمن سيمنحون أصواتهم. وتصل النسبة إلى 95 في المائة عند ناخبي ماكرون، في حين أنها في حدود 92 في المائة لدى أنصار لوبان، أما من ينوي التصويت إما بالورقة البيضاء أو الامتناع عن التصويت فقد حسم 66 في المائة منهم أمرهم. ولم يتبَقَّ سوى 11 في المائة، ممن قد يغيرون من مواقفهم، يوم الأحد، ويختارون أحد المرشحَين، بعد أن كانت تنتابهم رغبات المقاطعة.
وإذا كانت النتائج الإيجابية تنهمر على المرشح ماكرون، رافعةً من نسبة من سيصوت عليه في وجه منافسته، فلأنّ المناظرة التي أثارت امتعاض الإعلام العالمي وليس فقط المحلي، دفعت الكثيرين للخروج عن صمتهم، وإن كان وجه وبرنامج لوبان المُخيفَان، معروفَيْن لدى كثيرين من الفرنسيين. وليس أكثر دلالة من ذلك، دعوة صحف ومجلات وتيارات يسارية ويمينية، بشكل صريح، للتصويت بكثافة لصالح ماكرون. ابتداء من كل القيادات المؤثرة في حزب "الجمهوريون"، بمن فيهم نيكولا ساركوزي نفسه، والذي كان أول سياسي يميني كبير ينتقد سياسة "الجبهة الجمهورية" التي ظهرت لسد الطريق أمام اليمين المتطرف. كما أن أحزاب الوسط، التي لا تُكن وُدّاً لليمين المتطرف، دعت لدعم ماكرون، من دون مداورة.

حتى أن أحزاب اليسار، التي تعرف أن ماكرون ساهم في تهشيمها انتخابياً، كالحزب الاشتراكي والإيكولوجيين والحزب الشيوعي وأيضاً جبهة اليسار، لم تجد بُداً، من دعمها العلني لماكرون أو الدعوة لهزيمة لوبان. ويمكن تلمّس هذا الموقف الصعب، أي دعم الخصم لماكرون، في تحليلات وسائل إعلام يسارية، لا تزال تعتبر ماكرون خصماً سياسياً لها، تجب مجابهته بسبب برنامجه الليبرالي القاسي. وسيأتي الوقت لذلك بعد الرئاسيات.
صحيفة "لومانيتيه"، لسان الحزب الشيوعي، دعت في عددها الأخير، إلى "وقف مارين لوبان"، ورأت أنه يجب إلحاق أكبر هزيمة ممكنة بها. واعتبرت الصحيفة الشيوعية أن "الحفاظ على الجمهورية، هو الشرط الضروري، للرد الاجتماعي (على سياسة ماكرون)".

كما أن مجلة "بوليتيس"، المعبّرة عن يسار اليسار، قدّمت موقفاً واضحاً في عددها الأخير: "لا لمارين لوبان". وقال مدير المجلة، دونيس سييفير، في افتتاحيته: "تصويت مبدئي"، "إننا نعرف أن أحد المرشحين سيصبح رئيساً لفرنسا يوم الأحد، ونعرف أن عدم الاختيار، هو اختيار في حد ذاته". وكشف عن حالة نفسية يواجهها ناخبو اليسار وأيضاً يسار اليسار: "بكل بساطة، يوم الأحد، سأصوّت لصالح ماكرون. وسأفعله بشكل بارد... ما دام أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لوقف لوبان"، وأضاف: "لن أتساءل، ولو ثانية واحدة وأنا أصوّت: من هو ماكرون ولا ماذا فعل وماذا سيفعل"؟ مستطرداً: "أنا أعرف برنامجه لأنه طبّق فصولاً منه في قانون الخمري (نسبة لوزيرة العمل مريم الخمري). كما أني لا أجهل مشروعه في تفكيك قانون العمل". وخلص سييفير إلى القول: "لقد خضنا ضده معارك بالأمس، وستكون لدينا معارك ضده، مستقبلاً. ولكن الرهان اليوم، هو رهانٌ من طبيعة أخرى. يجب أن نُذكّر بأهميته. ليست لدي رغبة في رؤية حزب الجبهة الوطنية على رأس الشرطة والجيش الفرنسيين".

هذا الموقف ضد "الجبهة الوطنية" لا يختلف عنه كثيراً موقف رئيس الحزب الإيكولوجي، دافيد كورماند، الذي قال: "لا أصوت لصالح ماكرون، بل إني أصوّت من أجل الحفاظ على الفكرة التي أكوّنها عن بلدي وعن قِيَمه"، لأنه "لو أن كل من يعارض الفاشية لا يصوتون لصالح من يعارضها، فإن هذا سيزيد من حظوظ فوز مرشح الفاشية". وألح كورماند على ضرورة "منح أنفسنا، بعد انتخاب 7 مايو، وسائل تحول دون امتلاك ماكرون لكافة السلطات في الجمعية الوطنية".
وسواء صوّت البعض لصالح ماكرون أو ضد لوبان، فإن المأمول فيه، كما قال المفكر الاقتصادي توماس بيكيتي، مستشار هامون الاقتصادي في حملته، هو منح ماكرون أكبر فوز ممكن، لأنّه "كلما كان الفوز واسعاً، كلما صَعُب على ماكرون أن يدّعي أن النصر هو ملكيته الحصرية". أو بمعنى آخر، يجب التصويت على ماكرون، يوم الأحد، في حين تظل العيون مسلطة على الانتخابات التشريعية المقبلة، حتى لا يُمنَح "الملك المتوج"، (وهو وصف للرئيس في الجمهورية الخامسة من قبل كل الداعين للانتقال إلى الجمهورية السادسة)، كافة السلطات.