تركة "داعش"... أطنان من الأسلحة والمتفجرات بيد "الحشد"

04 مايو 2017
عناصر في "الحشد الشعبي" بعد إحدى المعارك (إدريس أوكودوشو/الأناضول)
+ الخط -

مع انحسار نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وتحرير مساحات واسعة من محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل من قبضته، اغتنمت مليشيات "الحشد الشعبي" الفرصة لتمويل نفسها بتركة كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والعبوات الناسفة، مختلفة الأنواع، بينما لم تستطع القوات العراقية النظامية وضع يدها على تلك المخازن.

في هذا السياق، أفاد ضابط في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد"، بأنّ "المعارك الكبيرة التي خاضتها القوات العراقية بمحافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل، وتراجع داعش أمامها خلّفت غنيمة من مئات الأطنان من الأسلحة المختلفة (المتوسطة والثقيلة والخفيفة)، فضلاً عن مئات الأطنان من العبوات الناسفة والمتفجرات، من بينها تلك الجاهزة للتفجير وأخرى مواد تحتاج إلى تصنيع".

وأوضح أن "القوات العراقية انشغلت بالمعارك والتقدّم، بينما استغلّت مليشيات الحشد الفرصة للسيطرة على تلك الأسلحة والمتفجرات"، مبيّناً أنّ "تلك المليشيات وضعت يدها على أغلب تلك الذخائر ونقلتها إلى مخازنها الخاصة، على اعتبار أنّ المليشيات جزء من القوات العراقية".

وأشار إلى أنّ "وزارة الدفاع حاولت استرجاع تلك الذخائر، وخاطبت الجهات المسؤولة لكن من دون جدوى، إذ إنّ قادة الحشد يفرضون سيطرتهم على مراكز صنع القرار ويمنعون أي جهة من اتخاذ أي قرار لا يصبّ بصالح مخططاتها".

ولم تستوعب مخازن "الحشد" ومعسكراتها كل تلك الأسلحة والمتفجرات، كما أنّ خزنها في المعسكرات جعلها في مرمى "داعش" وهدفاً له، الأمر الذي دفع "الحشد" لإنشاء مخازن كبيرة في المحافظات الجنوبية وحتى في داخل المدن والأحياء السكنية، ما تسبب بحالة هلع وخوف لدى الأهالي.

من جهته، قال مسؤول في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "هذه الأسلحة والمتفجرات يفترض أن تذهب إلى مخازن وزارة الدفاع حصراً وتوضع في مستودعاتها، وتجرد عليها لتكون ضمن مسؤوليتها، ومن ثم تعمل لجان مختصة على جردها وتمييز الصالح منها للاستخدام وعزل غير الصالح منها ليتم إتلافه في مقابر خاصة وتحت إشراف لجان خاصة".

ونوّه إلى أن "تلك الإجراءات هي إجراءات رسمية ومتعارف عليها، وتأتي في صالح البلد الذي يخوض الحروب، لأنّه يمول جيشه من تلك الأسلحة، ويحمي الشعب من خطورة وقوعها بيد الجماعات الخارجة عن القانون، ويتلف الخطر منها".



وحذّر من "خطورة وجود تلك الأسلحة والمتفجرات بيد المليشيات، والتي نشرتها في أماكن تواجدها في أغلب المحافظات العراقية"، مطالباً الحكومة بـ"التعامل بحزم مع تلك المليشيات، وضرورة وضع اليد على الأسلحة وانتزاعها من يد المليشيات، لحماية المواطنين".

بدوره، اعتبر الخبير الأمني، حسّان النعيمي، أنّ "موضوع سيطرة المليشيات على أسلحة ومتفجرات الجيش موضوع خطير جداً وينذر بعواقب وخيمة على السلم الأمني في البلاد، ويجعل من حقبة ما بعد داعش أخطر من حقبة وجود التنظيم". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "المليشيات كما هو معلوم لدى الجميع تعمل وفقاً للأجندات الإيرانية، ولا تخضع لسلطة الدولة ولا يحكمها قانون، وأنّ عناصرها يتحركون وينفّذون أجنداتهم وجرائمهم بحماية قانونية كاملة وتحت مسمّى الحشد الشعبي".

وتابع أنّ "كل ذلك مع وجود تلك المتفجرات والأسلحة بيد المليشيات ينذر بمستقبل خطير داخل المدن العراقية، خصوصاً أنّ المتفجرات لا تستخدم خلال المعارك بقدر استخدامها داخل المدن"، مضيفاً أنّه "مع اقتراب موعد الانتخابات وتضارب الأجندات السياسية والحزبية واختلاف المصالح، ووجود تلك المتفجرات تقف البلاد على حافة الخطر".



وأشار إلى أنّ "الأمر يحتاج إلى قوة وحزم حكومي، واتخاذ قرار رادع يجبر تلك المليشيات على تسليم الأسلحة الى الدولة، وبالتأكيد فإنّ هذه الخطوة صعبة، والحكومة غير قادرة على التنفيذ، إذ كان يتحتّم عليها وضع يدها على تلك الأسلحة وعدم منح فرصة للمليشيات للسيطرة عليها". ودعا النعيمي إلى "تدارك الأمر وإنقاذ الشعب العراقي من ويلات قد تجرّها عليها تلك الأسلحة والمتفجرات إذا ما استخدمت للتصفيات الحزبية والمليشياوية داخل المدن العراقية".

كما فتحت المليشيات أسواقاً كبيرة في المحافظات الجنوبية، وباعت كميّات كبيرة منها إلى العشائر الجنوبية، التي تزودت بأسلحة تنافس أسلحة الجيش، الأمر الذي تسبب بخلافات وأزمات ومعارك عشائرية في تلك المحافظات لا يتم السيطرة عليها إلّا بتدخل الجيش.

في هذا الصدد، أكد مسؤول محلّي في محافظة البصرة، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المليشيات نقلت أطناناً من تلك الأسلحة والمتفجّرات إلى المحافظات الجنوبية، ومنها محافظة البصرة"، مبيّناً أنّها "فتحت أسواقاً لبيع كميّات منها لأجل الحصول على مبالغ مالية، الأمر الذي جعل من تجارة الأسلحة في الجنوب العراقي سوقاً رائجة جداً".

وأكد أنّ "بيع الأسلحة ونشرها بين العشائر العراقية جعل من تلك العشائر قوة تنافس قوة الأجهزة الأمنية، ما تسبب بوقوع معارك طاحنة بين العشائر خرجت عن سيطرة الدولة، وتسببت بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة تنبّهت أخيراً لخطورة تلك الأسلحة وتركها ونشرها بين العشائر، ووضعت خطة لسحبها".

وكشف عن أنّ "هذه الخطة فشلت في السيطرة على السلاح، وامتنعت الجهات العشائرية عن التعاون مع الحكومة، ما ينذر باستمرار الصراع والمعارك"، مؤكداً أنّ "الأزمة تكمن بأنّ الحكومات المحلية لا قدرة لها على السيطرة على ذلك السلاح من دون دعم من الحكومة المركزية، والتي على ما يبدو لا تستطع التدخّل".