وفي حين أنه لم يتم الانتهاء من التحقيق في الهجوم على الدبلوماسيين الإماراتيين في مدينة قندهار، في يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي يرجح أن "طالبان" تقف خلفه، حتى جاء الهجوم على أكبر مستشفى عسكري في كابول الأسبوع الماضي. الرواية الأولى للحكومة بشأن الهجوم على المستشفى طرحت الكثير من التساؤلات، فهي أكدت أن انتحارياً فجر سيارته عند البوابة ليمهد الطريق للانتحاريين الثلاثة للدخول إلى المستشفى، وأن الهجوم أودى بحياة 50 شخصاً، بين مدني وعسكري. لكن شهادات من الداخل أظهرت ما أدهش الأفغان جميعاً، ودقت ناقوس الخطر، فهي تؤكد مدى قدرة الجماعات المسلحة على الوصول إلى أي منطقة، مهما تكون محصنة أمنياً، بعد وصولهم إلى مستشفى سردار داوود خان العسكري، الذي يشبه قاعدة عسكرية. تلك التفاصيل أيضاً تؤكد مدى تنامي نفوذ المسلحين داخل الحكومة وهشاشة الإجراءات الأمنية. ويقول أحد شهود العيان إن سبعة أشخاص، بينهم ثلاثة أطباء، نفذوا الهجوم، وأن الأسلحة والقنابل والأحزمة الناسفة وصلت مبكراً، ربما قبل أيام، إلى المستشفى العسكري. وفي صبيحة يوم الهجوم، جهز المهاجمون كل شيء، وأوقفوا السيارات المفخخة في الموقف داخل المستشفى الذي لا يمكن الولوج إليه إلا بعد عبور ثلاثة حواجز أمنية وتفحص إلكتروني كامل. ويشير شاهد عيان إلى أن أحد الأطباء كان يطلق النار على كل من كان يتحرك، حتى الممرضات وعمال الخدمات، فيما كان المسلحون يلقون القنابل داخل غرف المرضى. وبعد نفاد الذخيرة، لجأ المهاجمون إلى السكاكين لذبح المرضى وهم على أسرتهم.
كل هذه التفاصيل تنفي ما تقوله الحكومة عن أنه تم التخطيط للهجوم من خارج البلاد، وأنه حصل نتيجة الخروقات الأمنية وليس نتيجة التعاون من الداخل. ويقول العضو في مجلس الشيوخ الأفغاني، رحمت الله أتشكزاي، إن "التعاون من الداخل في الهجوم على المستشفى، والهجوم على الدبلوماسيين، لا يمكن التغاضي عنه، وهو واقع لا يمكن إنكاره". وبغض النظر عن تفاصيل هذا الاعتداء، أو الهجوم على الدبلوماسيين الإماراتيين داخل مقر حاكم الإقليم، وما يماثلهما، فإن مثل هذه العمليات تؤكد تزايد نفوذ الجماعات المسلحة داخل الحكومة. وكان مجلس الشيوخ الأفغاني أكد، خلال جلسة خاصة أخيراً، أن الانتحاريين يتواجدون في منازل مسؤولين كبار في العاصمة. والزعم السائد في البلاد أن أعضاء في البرلمان ومجلس الشيوخ والعاملين معهم ضالعون في نقل الانتحاريين ومساعدة الجماعات المسلحة مقابل المال، أو لأن لهم مصالح في المناطق النائية التي تسيطر "طالبان" عليها. ويقول مسؤول في الأمن الأفغاني، تحفظ عن ذكر اسمه، إن "الانتحاريين والأحزمة الناسفة والأسلحة والمتفجرات تصل إلى أماكن حساسة ومحصنة أمنياً في سيارات أعضاء البرلمان، وشخصيات لهم نفوذ في الأمن والحكومة. هؤلاء يفعلون ذلك إما من أجل المال أو لأن لهم مصالح مشتركة مع طالبان، كتجارة الأفيون والمخدرات".
وبالإضافة إلى هؤلاء، فإن الكثيرين من رموز الحكومة السابقة، الذين عزلتهم الحكومة الحالية، والمنتسبين إلى الجهاد ضد السوفييت، الذين كانوا يشغلون مناصب عالية في حكومة الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، يساعدون الجماعات المسلحة. والمعضلة الأساسية أن لديهم علاقات قوية بالسفارات الأجنبية وداخل الحكومة، إذ إنهم يضمنون مصالح دول مختلفة، وما زالوا يملكون نفوذاً داخل الحكومة والقوات الأمنية. وبالتالي، فإنه من الصعب جداً أن تتصدى الحكومة لهم. وكانت الاستخبارات الأفغانية صادرت أخيراً أحزمة ناسفة من منزل شقيق رئيس مجلس الشيوخ، فضل هادي مسلم يار، واعتقلت عدداً من الأشخاص، لكن لم يتم التوسع في القضية، جراء تدخل شخصيات في الحكومة.
ومن الأسباب الرئيسة وراء تزايد نفوذ المسلحين، هشاشة أجهزة الدولة ونظام التجنيد، إذ تتمكن الجماعات المسلحة من إدخال عناصرها إلى الجيش والأمن والشرطة، للاستفادة منهم خلال الهجمات، وأبرز مثال على ذلك، هو الهجوم على المستشفى العسكري، إذ إن ثلاثة أطباء شاركوا فيه. كما أن الكثير من الهجمات الداخلية ينفذها عناصر في الشرطة متواطئين مع الجماعات المسلحة. وتستخدم الجماعات المسلحة سيارات الإطفاء والبلدية والإسعاف من أجل نقل الأسلحة والانتحاريين إلى أماكن محصنة أمنياً، إذ تم نقل المتفجرات والأسلحة إلى داخل مستشفى داوود خان العسكري في سيارات الإسعاف وبمساعدة الأطباء والعاملين فيه. وينذر تزايد نفوذ المسلحين داخل الحكومة والقوات الأمنية بأن موسم الحرب الجديد، الذي سيبدأ بحلول الربيع، قد يكون أكثر دموية، وأن الحكومة بحاجة إلى مراجعة حساباتها من جديد. كما أن نفوذ الجماعات المسلحة قد يعرقل إصلاحات الرئيس داخل الجيش والقوات الأمنية، لأن التحقيقات تشير إلى أن الكثيرين من الذين تم عزلهم من مناصبهم تواطأوا مع المسلحين، ويساعدونهم بشتى الطرق.