تواصلت الجلسات العلنية التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة بتونس العاصمة، وخصصت جلسة مساء الجمعة للاستماع للسجينات التونسيات، وخاصة زوجات السياسيين والمناضلين في فترة حكم الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة، والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، على خلفية انتماء الأبناء والأزواج للحركة الإسلامية وغيرها.
وانطلقت أولى الجلسات العلنية بالاستماع إلى عائلةٍ، سُجن 5 من أبنائها، على خلفية انتمائهم لحركة "النهضة"، ونشاطهم الدعوي والاجتماعي، في فترة حكم بورقيبة.
وتحدثت شقيقة أحد السجناء، وتدعى هدى التونكتي، عن اعتقال شقيقها رؤوف على خلفية مشاركته في "أحداث الخبز" في العام 1984، مبيّنة أن الانتهاكات التي طاولت عائلتها، بدءا من المداهمات للمنزل، وصولاً إلى السجن، مشددةً على أن "ما جرى فظيع ولا يخلو من تجاوزات".
وأشارت إلى أن "الأنظمة السياسية الحاكمة حاولت فصل السجين السياسي عن محيطه العائلي وأسرته، إذ تم توزيع المعتقلين على عدة سجون، وغالباً تكون بعيدة، كي لا تتمكن العائلة من زيارته".
وقالت النائب عن حركة "النهضة" بمجلس النواب، يمينة الزغلامي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدكتاتورية تفاقمت بدرجة كبيرة قبل الثورة، وقد مورست بقوة ضد السجناء السياسيين وضد عائلاتهم". ولفتت إلى أنّ "بعض الشهادات العلنية المقدمة كشفت عن حجم الانتهاكات التي مورست ضد زوجات السياسيين، ولكنها وعلى فداحتها كشفت، أيضاً عن النضالات التي خاضتها المرأة، ومدى قوتها وإصرارها على زيارة زوجها السجين وأبنائها، وحمل ما يعرف بـ"القفة".
واعتبرت الزغلامي أن "المرأة التونسية تعذبت، ولا بد من رد الاعتبار للنساء اللائي ناضلن ضد الاستبداد والدكتاتورية"، مؤكدةً أن "هؤلاء النساء سيشكلن سدا منيعا للدفاع عن الحريات، فالانتهاكات كانت متنوعة وجسيمة بحقهن".
وفي هذا السياق، قالت السجينة السياسية، نجوى الرزقي، لـ"العربي الجديد"، إنها تعرضت للتعذيب والسجن، عندما كانت طالبة ضمن الاتحاد الطلابي، ولأنها كانت تنتمي حينها لحزب "العمال" برفقة زوجها، الذي حوكم مع قيادات في الحزب، في 2 فبراير/شباط من العام 2002، وسجن برفقة رئيس الحزب الحالي، حمة الهمامي، مشيرةً إلى أنّ "عدد المناضلات السياسيات في فترتي حكم بورقيبة وبن علي كان كبيراً، ولكن العديد منهن بقين في الخفاء".
كما لفتت إلى أن "الحديث عن المعاناة والانتهاكات التي طاولت النساء سيكون له تأثير هام في الكشف عن التجاوزات الحاصلة في فترة ما من تاريخ تونس". وكشفت أنها حرمت من العمل كمدرّسة، لتضطر للعمل في جني الزيتون، فضلاً عن تعرضها للتهديد بالاغتصاب، كما تحدثت عن تعذيب عائلتها وعائلة زوجها، وحتى تهديد ابنها.
وأضافت الرزقي أن "أقصى درجات التعذيب أن يحرم شخص من الحرية في التفكير والتعبير، وأن تسلب كرامته"، مبيّنةً أنها واجهت شتى وأقسى أنواع التهديد، ومع ذلك فإنها تأمل في العدالة الانتقالية، وقد اختارت الحضور والتعبير عن معاناتها في أولى الجلسات العلنية.
وفي هذا السياق، قال النائب السابق بمجلس النواب، فيصل الجدلاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانتهاكات والتعذيب الممنهج الذي مورس ضد عائلات السجناء وزوجاتهن بحرمانهن من أبسط الحقوق، ومنها زيارة الزوج، كان فظيعا".
وأضاف أن "العديد من النساء لم يكن يعلمن حتى بمكان سجن أو اعتقال وإيقاف أزواجهن، وظروف سجنهم"، مشيراً إلى أن "البوليس السياسي كان يمارس شتى المضايقات ضد زوجات السجناء، ووصل الأمر إلى حد تجويع زوجات سجناء الرأي وحرمانهن من العمل ومضايقتهن أثناء الزيارة".
وذكر الجدلاوي أنّ ما يعرف بـ"القفة"، أي طعام السجين، والذي كانت تحمله العائلة أو الزوجة، هو نوع من أنواع التعذيب، حيث إن زوجة المعتقل تواجه الأمرّين لإعداد طعام السجين، وقد تتعرض إلى سوء معاملة، بينها التحرش والتهديد أثناء الزيارة.