لم تكتف طهران بإصدار تصريحات الإدانة التي خرجت شديدة اللهجة على لسان مسؤوليها من الساسة والعسكر على حد سواء، رداً على قرار الإدارة الأميركية التي فرضت عقوبات جديدة على 25 شخصاً وكياناً من إيران أو تابعين لها في الخارج، بل أجرى "الحرس الثوري" مناوراته العسكرية وفق البرنامج المحدد سابقاً، من دون أن يتأثر بالتدابير الأميركية. واختبرت قواته "الجوية-الفضائية" أمس السبت، صواريخ ومنظومات رادارية محلية الصنع. ووجه قائد هذه القوات، العميد أمير علي حاجي زاده، رسالة مفادها أن "التهديدات الأميركية فارغة وأن أي هجوم على البلاد سيواجه بوابل من الصواريخ التي ستنطلق بغزارة نحو أهداف الأعداء"، على حد تعبيره.
وترى طهران أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة، دونالد ترامب، تؤكد مجدداً على العداء التاريخي بين طهران وواشنطن، وما ملف التجربة التي أجرتها البلاد على صاروخ "باليستي" إلا ذريعة لفرض ضغط أكبر على البلاد، إذ إن هذه التجربة الجديدة لا تمثل أي خرق للاتفاق النووي، كون الصواريخ المجربة غير قابلة لحمل رؤوس نووية، بحسب المسؤولين.
والعقوبات الجديدة فرضت على 13 فرداً، من إيران، ولبنان، والصين والإمارات، ترى واشنطن أنهم على ارتباط بـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، وهو ما يجعلهم مرتبطين بالإرهاب، بحسب وصف إدارة ترامب. أما الشركات الاثنتي عشرة فهي إيرانية، وصينية، ولبنانية، وإحداها بوسنية، وهي التي اعتبرت أنها تساعد في تزويد طهران بالقطع والتقنيات التي تساهم في تطوير برنامجها الصاروخي.
ورأت لجنة الأمن القومي الإيرانية أن قرار العقوبات ليس جديداً في مضمونه. وقال المتحدث باسمها، حسين نقوي، إن الولايات المتحدة اتخذت 16 قراراً معادياً لإيران منذ التوصل للاتفاق النووي في يوليو/تموز عام 2015. وشملت هذه القرارات فرض عقوبات جديدة، أو وضعت العراقيل أمام تطبيق الاتفاق بالكامل، ما وقف بوجه إلغاء الحظر المالي والمصرفي عنها، بحسب المتحدث.
ومع ذلك، رأت بعض الأوساط الإيرانية أن تصعيد إدارة ترامب مدعوم من إسرائيل أولاً، ويتعلق بقضايا إقليمية، وبالتالي هو مدعوم من فاعلين فيها، لا سيما الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية. وخاطب أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، في أحد تصريحاته، ترامب نفسه قائلاً له إن "التجارب الصاروخية الإيرانية دفاعية سلمية فلا تدع (العاهل السعودي) الملك سلمان و(رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو يورطاك بالأمر"، بحسب وصفه. ودعا إدارة ترامب للاطلاع على تاريخ الولايات المتحدة التي لم تستطع تحقيق مآلاتها في إيران، ولاستشارة من وصفهم بعقلاء أميركا، وفق تعبيره. وأشار إلى أن إيران قادرة على الدفاع عن نفسها، وتراقب التحركات في المياه الخليجية عن كثب، وبأن تصعيد ترامب سيؤدي فقط للمزيد من التوتر في المنطقة. وأكد أنه لا يمكن تجاوز دور بلاده الإقليمي. وقال "قبل خمس سنوات كان لاعبو المنطقة يتجاهلون دورها في سورية، لكنها الآن تتعاون مع تركيا وسورية نفسها، وفي المقابل لم يعد أحد يوجه دعوة لأميركا والسعودية للمشاركة في المباحثات حول أزمة هذا البلد"، وفق تعبيره.
ويعتبر المسؤولون في الداخل الإيراني أن هذا المآل غير ممكن. وفي أول رد فعل لمستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، على التصعيد الأميركي، قال إنه "على الولايات المتحدة ألا تنسى كيف تمرغ أنف عسكرييها بالتراب حين دخلوا العراق".
وفي هذا السياق، رأى المحلل السياسي، حسين ريوروان، أن الدعم الخليجي لتصعيد ترامب ضد إيران واضح للجميع في الداخل الإيراني، بل إن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تدعم حصول مواجهة عسكرية محتملة بين الطرفين، بغية محاصرة إيران بما يحقق تراجعها في الإقليم. وفي حديثه مع "العربي الجديد" أضاف أن عداء إيران وأميركا طويل وتاريخي، لكن الإدارة الأميركية السابقة برئاسة الديمقراطي، باراك أوباما، خففت من وطأة التوتر، وهو ما ساعد أصلاً على التوصل للاتفاق النووي، لكن ما يطرحه ترامب الآن مرفق بمواقف إقليمية مناهضة لإيران، وهو سلوك غير مقبول إيرانياً، بحسب قوله. كما رأى أن المشكلة تكمن في وجود فريق غوغائي يحيط بالرئيس الجديد الذي تراه إيران جاهلاً وغير خبير بالسياسة. ولفت إلى أن العداء ليس ضد إيران وحدها، والتصريحات المتشددة شملت أكثر من طرف، مستبعداً أن تقع مواجهة عسكرية قريبة في المياه الخليجية بين الطرفين، فلا يمكن لأميركا أن تتحمل حرباً في المستقبل القريب، بحسب قول ريوروان الذي قال إن التصعيد مرفق بغايات تتعلق بالإقليم بلا شك، حسب رأيه.
ولعل ما صدر عن البيت الأبيض عقب فرض الحظر الجديد على الكيانات والأفراد يدل على هذا الأمر. فقد رأت الإدارة الأميركية أن التجربة الصاروخية "الباليستية" الإيرانية لا تخرق الاتفاق مباشرة ولكنها تنقض روح الاتفاق. والتشخيص هو ذاته بالنسبة للإيرانيين، إذ إن العقوبات الأميركية الجديدة قد لا تكون جزءاً من بنود مكتوبة في نص الاتفاق بين طهران والسداسية الدولية، كونه رفع العقوبات التي فرضت على البلاد بسبب النووي وحسب، لكنها كذلك تنتهك روح الاتفاق، كون المفاوضات التي خلصت بتوافق تعني تعليقاً لفرض العقوبات من جهة، ولم تناقش ملف البلاد الصاروخي بالأساس، من جهة أخرى.