ترامب والقدس... محاولة فرض حلّ لـ"ترتيب المنطقة"

04 ديسمبر 2017
خطة ترامب تراعي أولويات إسرائيل(Getty)
+ الخط -
في جلسة عامة هي الأولى من نوعها، تحدّث مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، المشرف على الملف الفلسطيني ــ الإسرائيلي، عن مشروع "الحل" الذي تزمع الإدارة الكشف عنه قريباً. بقي كلامه في حدود الإطار من غير تفاصيل. تناول كوشنر الموضوع من زاوية علاقته بالمنطقة ومن منظار أولوياتها الأميركية – الإسرائيلية وترتيباتها الإقليمية الجارية وليس من زاوية جدارته كصيغة تنهي الاحتلال وتستبدله بدولة فلسطينية مطلوبة وموعودة، الأمر الذي يحول التسوية إلى وسيلة مُسخّرة لخدمة مشروع إعادة تشكيل المنطقة وتوازناتها. ومثل هذه المقاربة يكمن خطرها في أنها تتوسل الحل لاستكمال شروط هذه الترتيبات وبما يخضعه لمتطلباتها، مع ما يتطلبه ذلك من ضغوط ومحاصرة لحمل الجانب الفلسطيني على القبول بالغبن المتوقع عرضه عليه.

وقال كوشنر، في حوار أجراه معه الثري اليهودي الأميركي حاييم صبان في إطار أعمال "منتدى صبان السنوي"، إنّ التصدي لتحديات المنطقة المتمثلة بإيران والتطرف يبدأ بطي الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، مضيفاً "إذا أردنا خلق الاستقرار في المنطقة فعلينا أن نجد الحل لهذه المسالة. لا بدّ من حلها". إصرار سبقته تلميحات عن صيغة "شاملة" يبدو من التكهنات التي دارت حولها أنها في إطارها العام قريبة من المشروع الذي طرحته السعودية عام 2002، مع تعديل بخريطة الانسحاب ومداه. أي تسوية يقابلها اعتراف عربي بإسرائيل. لكن الفارق الجوهري هذه المرة أن "صفقة العصر" التي وعد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم على تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران، تكون تسوية القضية الفلسطينية واحدة من مستلزماتها.

ولترجمة هذه الصيغة وقطع الطريق على المساومة حولها بغية فرضها كأمر واقع غير قابل للنقاش، قرر البيت الأبيض على ما يبدو اتخاذ خطوة غير مسبوقة واستخدامها كتهديد مبطّن لإجبار الطرف الفلسطيني على التسليم بالمشروع "الشامل" العتيد. ورقته في هذه اللعبة، القدس. بعد غد، الأربعاء، يلقي الرئيس ترامب خطاباً حول موضوع القدس للاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، بزعم أن "لكل دولة الحق في اختيار عاصمتها"، متجاهلاً أن المدينة موضع خلاف وأن الأمم المتحدة وسائر دول العالم رفضت التسليم بذلك.

ومن المتوقع أن يوافق ترامب، اليوم الإثنين، على تمديد "التنازل" عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس لفترة ستة أشهر أخرى، وأخيرة. وبذلك تصبح الرسالة واضحة: على الجانب الفلسطيني الاستعداد لقبول المشروع المرتقب إعلانه مع مطلع العام وإلّا فإن على "السلام" السلام، والسفارة الأميركية ستنتقل في يونيو/حزيران المقبل إلى القدس، مع ما ينطوي عليه ذلك من تسليم بزعم إسرائيل بأن المدينة موحدة وهي "عاصمتها الأبدية".

التحذيرات الكثيرة من عواقب هذا التوجه، ومنها تنبيه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الموجود في واشنطن، بدت غير قادرة حتى الآن على زحزحة البيت الأبيض عن خطته، خاصة أن الرئيس ترامب بحاجة ماسة إلى "خبطة" نوعية تزيح الأضواء ولو مؤقتاً عن تطورات ملف التحقيقات الروسية الزاحفة نحو الحاشية الرئاسية.

ليس سرّاً في واشنطن أن الرئيس ترامب يعوّل في مشروعه على "الدينامية الجديدة" في المنطقة، والتي قلبت أولويات عواصم عربية مطلوب منها، وهي جاهزة بكل حال، ممارسة ما يكفي من الضغوط لجلب السلطة الفلسطينية إلى الطاولة.

ويرى مراقبون أن البيت الأبيض لم يكن مرتاحاً لاتخاذ هذه الخطوات لو لم يكن قد حصل على وعود وربما التزامات عربية للقيام بالدور الضاغط المطلوب. ردود الجانب الفلسطيني على التطورات تنم عن مخاوف في هذا الخصوص.
المساهمون