الدبلوماسية المغربية تغير تحالفاتها الدولية

04 ديسمبر 2017
ساهمت الإغراءات الاقتصادية بعودة المغرب إلى أفريقيا (سيريل باه/الأناضول)
+ الخط -
تشهد الدبلوماسية المغربية، في السنوات الأخيرة، تغيرات لافتة في تعاطيها مع عدد من الملفات الخارجية المهمة والحساسة، من قبيل ملف الصحراء والتعامل مع القوى الدولية، إذ قاطعت سياسة الكرسي الفارغ في عدد من الملفات، لا سيما تلك المتعلقة بنزاع الصحراء، أو المكانة داخل القارة الأفريقية، وباتت الدبلوماسية هجومية أكثر من كونها "دفاعية".

وظهرت هذه التحولات المحورية التي مست السياسة الخارجية للمملكة، خصوصاً في مقاربة عدد من الملفات في القارة الأفريقية، وتجلت أكثر في عودة الرباط إلى منظمة الاتحاد الأفريقي بعد غياب دام زهاء 33 سنة، وأيضاً اقتحام الدبلوماسية المغربية معاقل جبهة "البوليساريو" التي تنازع المملكة على سيادة الصحراء، سواء في أفريقيا أو أميركا اللاتينية. وكان آخر هذه "الاقتحامات"، التي بصمت عليها السياسة الخارجية المغربية التي تظل من الاختصاصات المحفوظة للقصر الملكي، الحضور اللافت للمغرب في القمة الأفريقية الأوروبية، التي عقدت أخيراً في أبيدجان، والتقرب من بلدان معروفة بعدائها للوحدة الترابية للمغرب، خصوصاً في جنوب أفريقيا وزيمبابوي.

وأدرك المغرب، بعد سنين طوال، التداعيات السلبية لسياسة الكرسي الفارغ التي كان ينهجها، خصوصاً في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، داخل القارة السمراء، والمكاسب السياسية التي كانت جبهة "البوليساريو" تحققها، مستغلة غياب الرباط عن الفعاليات والقمم الأفريقية، ما أعطاها زخماً ومصداقية خلال سنوات مضت، قبل أن تشمّر الرباط عن ساعدها وتقطع مع الغياب داخل القارة. وفهم صناع القرار في المغرب أن فاتورة مقاطعة الأحداث والقمم الأفريقية بسبب مشاركة ما يسمى "الجمهورية الصحراوية" هي أغلى وأقسى من فاتورة حضور المملكة في قلب القارة، فمهد لعودتها إلى حضن المنظمة الأفريقية بزيارات مكوكية قام بها الملك محمد السادس، لعدد من بلدن غرب وشرق أفريقيا خصوصاً، أسفرت عن اتفاقيات واستثمارات اقتصادية كبرى في هذه البلدان. وتحوّل المغرب من لاعب "احتياطي" في الميدان الأفريقي، يكتفي بردود الفعل الدبلوماسية حيال المبادرات والتحركات التي تقوم بها جبهة "البوليساريو"، ومن خلفها البلدان التي تساندها، خصوصاً الجزائر وجنوب أفريقيا وعدد من بلدان أميركا اللاتينية، إلى لاعب فاعل وناجع وسط الرقعة الأفريقية، من خلال "حصان الاقتصاد" الذي يجر "عربة السياسة". وساهمت الإغراءات الاقتصادية المستندة على اتفاقيات ثنائية، في قطاعات الزراعة والطاقة والصيد والاتصالات والسكن والصناعة، بين المغرب وبلدان أفريقية كبرى، في أن تجد المملكة موطئ قدم قويا داخل القارة السمراء، قبل أن تقرر العودة بطريقة وُصفت بالذكية إلى كرسيها في الاتحاد الأفريقي، ومحاولة تضييق "مساحات المناورات" أمام "البوليساريو".



وأصبح المغرب رقماً اقتصادياً صعباً في القارة الأفريقية، إذ يصنف في المرتبة الثانية وراء جنوب أفريقيا من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا، كما يعتبر أول مستثمر أفريقي في القارة السمراء بقيمة 5 مليارات دولار، عبر 22 مشروعاً، وهي مكتسبات اقتصادية ساهمت بشكل كبير في الحضور السياسي والدبلوماسي للمملكة في القارة. ولم تكتف السياسة الخارجية للمغرب بطرق أبواب الاتحاد الأفريقي، والدخول في معارك دبلوماسية ساخنة مع "البوليساريو" وحلفائها في الأجهزة الأفريقية التابعة للاتحاد، ومحاولة فرض وجود الرباط في عدد من الملتقيات، آخرها قمة أبيدجان، بل بادرت إلى طلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، التي من المقرر أن تنعقد قمتها في 16 ديسمبر/كانون الأول في مدينة أبوجا. ويراهن المغرب في علاقاته، سواء مع الاتحاد الأفريقي أو لدى الانضمام المرتقب إلى مجموعة "سيدياو"، على مبدأ "رابح ـ رابح". وفي إطار التعاون "جنوب ـ جنوب" فإن المملكة ستتمكن من ترجيح كفة هذه البلدان نحو مقترحها لحل نزاع الصحراء. كما يستفيد المغرب من الموارد الطبيعية الوفيرة واليد العاملة الرخيصة في دول "سيدياو"، فيما تربح هذه الأخيرة استثمارات المغرب في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والإسكان والمصارف، كما تستفيد من الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي.

وأما خارج القارة الأفريقية، فإن السياسة الخارجية المغربية غيرت من توجهاتها السابقة بوضع جميع البيض في سلة واحدة، هي سلة حلفائها وشركائها الأوروبيين التقليديين، من قبيل فرنسا وإسبانيا، والاعتماد فقط على الدور الأميركي في ملف الصحراء، بل حاولت توزيع بيضها على قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين. واختار المغرب تنويع شركائه الدوليين، رغم أنه أبقى على فرنسا حليفاً استراتيجياً وتاريخياً، إذ توجهت دبلوماسية المملكة أكثر صوب روسيا والصين. كما أن الملك محمد السادس زار هذين البلدين السنة الماضية، وذلك لمآرب اقتصادية وسياسية، منها الاستفادة من التنمية الاقتصادية والتكنولوجية للبلدين، وأيضاً ضمان على الأقل "حياد" بكين وموسكو في ملف الصحراء، بالنظر إلى الارتباطات التاريخية لهما مع الجزائر حليف "البوليساريو". وكان توجه السياسة الخارجية للمغرب نحو بلاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاسماً في قرار موسكو وأد مقترح الإدارة الأميركية في 2013 بشأن توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما كانت الرباط ترفضه بشدة، الشيء الذي قدم درساً سياسياً للمملكة بشأن ضرورة تغيير خريطة تحالفاتها الدولية، في ما يفيد قضيتها الأولى المتعلقة بالصحراء.

المساهمون