أزمة أحكام البرلمان الكويتي: احتمالات العفو والبراءة ووقف التنفيذ

24 ديسمبر 2017
البرلمان الكويتي في جلسة أخيرة له (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -



دخلت الكويت حالة من الجمود والانقسام السياسي عقب حكم محكمة الاستئناف بالسجن لمدد تراوح بين السنة وسبع سنوات لأكثر من 70 ناشطاً سياسياً ومعارضاً، بينهم نواب سابقون وحاليون في البرلمان وكتّاب وأساتذة أكاديميون في قضية دخول البرلمان عام 2011 على خلفية قضايا فساد تورطت بها الحكومة آنذاك. والقضية التي وصفت بأنها أكبر قضية هزت البلاد منذ الغزو العراقي عام 1990 إلى عام 2011، بدأت مع ثبوت تورط عدد من أعضاء الحكومة الكويتية في قضايا فساد، مع دفع الحكومة ملايين الدولارات لعدد من النواب الموالين لها في سبيل شطب عدد من الاستجوابات المقدمة لرئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح، ما أدى إلى استقالة وزير الخارجية الشيخ محمد صباح السالم الصباح احتجاجاً على ما وصفه بـ"الفساد الحكومي".

وخرج الآلاف من المتظاهرين في اعتصامات مفتوحة وسط العاصمة الكويت، متأثرين بالربيع العربي ومطالبين برحيل رئيس مجلس الوزراء آنذاك وتقديمه للمحاكمة مع المرتشين الذين بلغ عددهم 15 نائباً. وأحد هذه الاعتصامات التي حصلت في منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، تطورت إلى سجال مع القوات الأمنية، ما أدى إلى دخول مئات المتظاهرين لمبنى البرلمان والجلوس على كرسي رئيس مجلس الوزراء السابق، مطالبين إياه بالرحيل، وهو ما وصفوه بـ"يوم التطهير".

وفي اليوم التالي، اجتمع أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، بعدد من قيادات الدولة ووجه باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الاحتجاجات، كما وصف حادثة اقتحام المجلس بـ"اليوم الأسود"، مؤكداً على أنه "سيعاقب جميع من تورّط في الدخول إلى المجلس في يوم من الأيام، وأنه لن يقيل رئيس مجلس الوزراء". لكن الأخير اضطر للاستقالة عقب تصاعد موجة الاحتجاجات ضده بعدها بأسبوعين وحلّ الأمير مجلس الأمة، داعياً لانتخابات جديدة انتصرت فيها المعارضة بأغلبية كاسحة، فحاولت التعديل على قضية دخول المجلس ومحاولة إنهاءها، لكن الأمير عاد وقرر حلّ برلمان المعارضة ودعا لانتخابات جديدة مع التعديل على المرسوم الانتخابي، ما أدى إلى مسيرات شعبية هي الأكبر في تاريخ الكويت ودخول المعارضة فصلاً جديداً في الصراع مع الحكومة أدى إلى نسيان قضية دخول المجلس من كافة الأطراف.

وبرأت المحكمة الابتدائية عام 2013 جميع المتهمين في قضية دخول مجلس الأمة من تهم اقتحام مبنى عام، والاعتداء على الشرطة، ومقاومة السلطات، وإلحاق أضرار بممتلكات عامة، لكن محكمة الاستئناف أعادت رفع القضية هذا العام بشكل مفاجئ، لتحكم على أكثر من 70 معارضاً بينهم ثلاثة نواب حاليين بالسجن لفترات تراوح بين سنة و7 سنوات. واعتقلت السلطات أكثر من 50 شخصاً فيما فرّ 20 متهماً، من بينهم زعيم المعارضة مسلم البراك، والنواب السابقون فيصل المسلم ومبارك الوعلان خارج البلاد، وقبع النائبان جمعان الحربش ووليد الطبطبائي في السجن، بانتظار محكمة التمييز التي قد تطول إجراءاتها لأكثر من سنة.



وأدى هذا الحكم إلى حالة من الانقسام السياسي والمعارضة الشديدة، إذ انسحب 11 نائباً من نواب البرلمان الـ50 من جلسة قسم الحكومة الجديدة، أثناء تلاوة رئيس مجلس الوزراء للقسم، فيما هدد نواب آخرون بنقل القضية إلى المنظمات الدولية، وخصوصاً أن قضية سجن نواب على رأس عملهم النيابي، هي سابقة تاريخية في الكويت وعمل "انتقامي" بعد انتهاء الأحداث بست سنوات كاملة.

وتبقى أمام الحكومة ثلاثة سيناريوهات مختلفة لحل الأزمة، التي لا بد لها أن تحل، وفق مراقبين، خصوصاً مع الأوضاع الإقليمية الساخنة التي تعيشها المنطقة والتوتر بين السعودية وقطر من جهة على خلفية أزمة حصار قطر والدول الخليجية وإيران من جهة أخرى. ويتمثل السيناريو الأول في إصدار أمير البلاد عفواً شاملاً عن كافة المعتقلين السياسيين، ومن بينهم المتورطون في قضية دخول مجلس الأمة، بالإضافة إلى خلية العبدلي التجسسية التابعة لحزب الله اللبناني، والتي كشفت عام 2015 بمخزون أسلحة ضخم. لكن هذا السيناريو يُواجَه برفض شعبي بسبب الموقف الكويتي الغاضب من الخلية التجسسية.

أما السيناريو الثاني، فهو وقف نفاذ الحكم مؤقتاً من قبل المحكمة، والإفراج عن المعتقلين والبدء بمفاوضات جديدة مع المعارضة بقيادة نجل أمير البلاد الحالي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الصباح، والمتوقع أن يتولى رئاسة الوزراء على المدى القريب. أما السيناريو الثالث، فيقضي بأن تحكم محكمة التمييز بالبراءة لجميع المتهمين، خصوصاً أن المحكمة الابتدائية كانت قد حكمت لهم بالبراءة، لكن هذا السيناريو لا يبدو مستساغاً لجميع الأطراف بسبب ضبابيته وعدم معرفة حكم محكمة التمييز على وجه التأكيد.

واجتمع نواب من المعارضة، وعلى رأسهم عادل الدمخي وعبدالوهاب البابطين ونايف المرداس، بالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ونجل أمير الكويت، مطالبين إياه باتخاذ إجراءات وتدابير لوقف أحكام السجن الصادرة بحق نواب البرلمان، لكن نتائج هذا الاجتماع لم تظهر للعلن بعد.

ورأى الباحث عبد الرحمن المطيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن أن تبقى الأمور معلقة على هذا النحو، خصوصاً أن هناك ترتيبات معينة تجري في بيت الحكم، والغالب بحسب ما يتداول من دوائر مقربة من مصادر القرار في الكويت، أن هناك عفواً شاملاً يتم إرضاء كافة الأطراف فيه، الإسلاميون والعلمانيون في قضية دخول المجلس، والشيعة في قضيتي خلية العبدلي، والنائب السابق عبدالحميد دشتي، والذي وصل مجموع أحكام سجنه لمدة 45 عاماً بسبب الإساءة للسعودية ويعيش في الخارج الآن".