واعتبرت الكاتبة الإسرائيلية نوعا لانداو، في مقال تحليلي في صحيفة "هآرتس"، أنه "رغم العلاقات الخارجية الحميمة التي يتباهى بها نتنياهو، إلّا أنه اضطر للقبول بهدايا صغيرة"، في إشارة إلى الدول التي صوّتت مع القرار ضد إعلان ترامب. وأضافت لانداو "كلما كانت الساعات تمرّ باتجاه موعد التصويت، كانت تختلف اللهجة من الجانب الإسرائيلي بشأن الأمل في التأثير عليه. في بادئ الأمر حاولوا في إسرائيل إقناع أكبر عدد من الدول بالتصويت ضد القرار، فضلاً عن التهديدات الأميركية بقطع المساعدات التي لم تغيّر الوضع كثيراً، ولكن لاحقاً انصبت الجهود الرئيسية على إقناع قادة حول العالم بالامتناع عن التصويت، أو الخروج إلى عطلة عيد الميلاد مبكراً. وإذا لم يفلحوا بذلك، فعلى الأقل ألا يلقوا خطاباً خلال النقاش". وتابعت الكاتبة "في أعقاب التصويت، جاء ردّ نتنياهو بما يتلاءم مع النتائج. في إسرائيل يرفضون قرار الأمم المتحدة، ويعربون عن رضاهم عن العدد الكبير للدول التي لم تصوت مع القرار"، وهو ما اعتبرته الكاتبة "ضحكاً على الذقون".
ورأت لانداو أن "خيبة الأمل الكبيرة في إسرائيل، كانت بالذات من الدول التي تحسّنت العلاقات معها في السنوات الأخيرة مثل الهند"، لا سيما بعد زيارة رئيس وزرائها ناريندرا مودي إلى إسرائيل في يوليو/ تموز الماضي، الذي ظهر مع نتنياهو في مشاهد وصور عديدة، في المقرات الرسمية وعلى شاطئ البحر بمظهر الصديق الحميم، و"توأم الروح". لكن في لحظة الحقيقة صوتت الهند ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ولم تمنعها من ذلك زيارة نتنياهو المرتقبة لأراضيها الشهر المقبل.
كذلك، خيّبت اليونان وقبرص أمل نتنياهو، الدولتان اللتان تم في الآونة الأخيرة توقيع اتفاقيات غاز معهما، لكن الأمر لم يؤثر عليهما، فضلاً عن الصين وروسيا، اللتين يكثر نتنياهو الحديث عنهما وعن تحسّن العلاقة معهما، لكنهما أيضاً وقفتا إلى الجانب الفلسطيني.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن دبلوماسي إسرائيلي، قوله إن الجزء المركزي من كل القضية يجب أن يكون "درساً في التواضع"، فكل حديث نتنياهو عن تحسّن العلاقات الخارجية لإسرائيل، "تمخض عن 128 مربعاً أخضر على لوحة التصويت، وأصوات تصفيق حار، زلزلت قاعة الجمعية العامة"، معتبراً أنّ "هذه العلاقات التي يفاخر بها نتنياهو تبدو الآن مختلفة".
ورأت لانداو أنه حتى الدول التي امتنعت عن التصويت لا تحسب في صف نتنياهو، وإن كانت ربما تأثّرت بالتوجهات أو التهديدات. ومنها تشيكيا، التي شرح ممثلها موقف بلاده بقوله: "نحن لا نعارض موقف الاتحاد الأوروبي بشأن القدس (الحفاظ على حدود 67)، لكن اخترنا الامتناع لأننا لا نعتقد أن التصويت الليلة يساهم في تقدم العملية السلمية".
وعرجت الكاتبة على عدد من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية التي يسعى نتنياهو لتوطيد العلاقات معها والاستثمار فيها، ومع هذا قرّرت الامتناع، لتصل في المحصلة إلى النتيجة بأنه "عند حساب 59 يوماً قضاها نتنياهو خارج حدود إسرائيل، فالنتيجة لم تكن إيجابية في التصويت"، مضيفةً "أمّا لو قمنا بمقارنة النتائج بعمليات تصويت مهمة أخرى، على سبيل المثال التصويت لانضمام فلسطين كعضو مراقب إلى الأمم المتحدة عام 2012، فهنا نرى أن هنالك تقدماً معيناً من قبل الحكومة الإسرائيلية. ففي حينه دعمت 138 دولة فلسطين، أما اليوم 128". وتابعت الكاتبة "لكن في هذه المرة لم تهتز الثقة بإسرائيل فقط، وإنما بالولايات المتحدة ورئيسها أيضاً"، وهي التي هددت وتوعدت بتقليص المساعدات للدول التي تصوّت مع القرار، ومع هذا تلقّت صفعة قوية.
"تنفيذ ترامب تهديداته سيضر بإسرائيل"
في هذا السياق، رأى الكاتب أورن نهري، في مقال تحليلي في موقع "والا" العبري، أنه يمكن قراءة نتائج التصويت في الأمم المتحدة، بأكثر من منظور، وبطرق مختلفة وحتى متعاكسة، "لكن العنوان الدقيق الذي يدور حول العالم، هو أنّ دول الأمم المتحدة رفضت بأغلبية ساحقة إعلان ترامب بشأن القدس"، متجاهلةً تهديدات الرئيس الأميركي وممثلته في المنظمة الدولية. وأضاف نهري أن من بين "193 دولة عضو في الأمم المتحدة، اختارت 21 دولة الطريق الأسهل وتغيّبت عن الجلسة، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت، ولولا التهديدات الأميركية المباشرة لصوت بعضها لمصلحة القرار، وأهم هذه الدول كندا وأستراليا، اللتان لهما مكانتهما على الساحة الدولية".
ورأى نهري أنّ "إسرائيل يمكنها أن تنظر بعين من الرضى النسبي إلى نتائج التصويت، خصوصاً في ما يتعلّق بعدد الدول التي امتنعت عن التصويت أو تغيّبت، وبالتأكيد تلك التي صوتت ضد القرار"، معتبراً أنّ "الـ128 دولة التي صوتت لمصلحة القرار، عبّرت عن رفضها شخص ترامب، الذي حوّل القضية إلى أمر شخصي، ومعروف أنه لا يحب الخسارة"، وأنّ "نصف الكأس المليء" بالنسبة لإسرائيل "يكمن في أنّ الفلسطينيين حصلوا على نسب تصويت أعلى في مناسبات سابقة، فهذا الأسبوع فقط صوتت 176 دولة لمصلحة منحهم حق تقرير المصير، ولكن في حينه ترامب وهيلي لم يهددا الدول المصوّتة". كما أنّ الدول المركزية التي صوّتت ضد إعلان ترامب بشأن القدس "لم تشرح قراراتها بخطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تخرج بتصريحات نارية"، برأي الكاتب الذي استثنى دولة جنوب أفريقيا "المخلصة للقضية الفلسطينية منذ سقوط نظام الأبارتهايد، وقامت بتخفيض تمثيلها في إسرائيل".
وجدد الكاتب تأكيده على أن "إسرائيل يمكن أن تكون راضية عن امتناع دول عديدة. معظمها -على ما يبدو - لم تفعل ذلك لأنها اكتشفت فجأة أن القدس عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي منذ عصر الملك داوود، وإنما لأنها اكتشفت فجأة أن غضب الولايات المتحدة يمكن أن يكون خطراً".
وفي معرض حديثه، يشير نهري إلى أن "الأمر المضحك، أن الجميع متفقون على أن وضع القدس النهائي يحدد في المفاوضات... حتى الولايات المتحدة تقول ذلك"، ليخلص إلى أنّ "التصويت رمزي، ولكنه تحوّل إلى قضية كرامة شخصية، ليس فقط لإسرائيل وإنما للولايات المتحدة أيضاً. فكلتا الدولتين نجحتا في نهاية المطاف فقط في الحد قليلاً من الخسارة الساحقة".
وتساءل الكاتب إذا ما كان ترامب سينفذ تهديداته، ويقلّص فعلياً المساعدات للدول التي دعمت القرار ضد إعلانه بشأن القدس، معتبراً أنه بحال تمّ ذلك "فمن شأنه أن يضر بمصالح إسرائيل والولايات المتحدة، بدفع هذه الدول إلى أحضان روسيا والصين... الدولتين المنافستين للولايات المتحدة اقتصادياً واستراتيجياً، في كل مكان". وساق الأردن ومصر مثالاً، وقال إن "وقف الدعم قد يؤدي إلى انهيار هذين النظامين، فهل هذا جيّد لإسرائيل؟ وهل تضمن إسرائيل أنظمة أفضل بعدهما؟ الإجابة هي لا". ينهي مقاله التحليلي.