ملامح تراجع بريطانيا عن اتفاق بريكست: مواجهة بالقمة الأوروبية

12 ديسمبر 2017
ستدخل ماي 2018 وهي تسير بطريق محفوف بالمخاطر(دورسان أيديمير/الأناضول)
+ الخط -
نجحت دبلوماسية التفاوض البريطانية في إثارة اللغط من جديد حول اتفاق المرحلة الأولى من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، خصوصاً في الفقرة المتعلقة بالحدود الإيرلندية. فقد خرج وزير بريكست في الحكومة البريطانية، ديفيد ديفيس، بتصريحات على شاشة "بي بي سي" خلال عطلة نهاية الأسبوع، ليقول عن الاتفاق الأولي إنه "وثيقة نوايا أكثر من أي شيء آخر. إنها مجرد وثيقة نوايا أكثر من كونها شيئاً ملزماً قانونياً". كما كان ديفيس شديد الوضوح في ما يتعلق بفاتورة الطلاق، والتي يتوقع أن تصل قيمتها إلى 50 مليار جنيه إسترليني، قائلاً إن بريطانيا لن تلتزم بها ما لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. وقال "لا اتفاق يعني أننا لن ندفع شيئاً".

وأبلغت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، النواب عن حزب المحافظين، في رسالة بعثتها خلال عطلة نهاية الأسبوع، أنه لا يوجد أي اتفاق مؤكد مع الاتحاد الأوروبي حتى يتم الاتفاق على جميع القضايا في صفقة نهائية بين الطرفين، فيما خرج مصدر حكومي، مساء أمس، ليناقض تصريحات ديفيس، قائلاً "لا يوجد أي سؤال حول التزامنا بالتقرير المشترك، إذ يتفق الوزراء والحكومة الإيرلندية والمفوضية الأوروبية على أن اتفاقية الانسحاب تمتلك صفة قانونية". ودفعت تصريحات ديفيس بنائب وزير الحكومة الإيرلندية، سيمون كوفيني، للرد، عبر "تويتر"، بأن المادة 46 من الاتفاقية التي وقعت الجمعة الماضي تنص على "أن التعهدات والمبادئ اتخذت، ويجب الالتزام بها في كافة الظروف، بغض النظر عن طبيعة أي اتفاق مستقبلي بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة"، وهو ما يعد التزاماً واضحاً من الحكومة البريطانية. كما أصدرت الحكومة الإيرلندية بياناً رسمياً تحذر فيه بريطانيا من أن "كلاً من إيرلندا والاتحاد الأوروبي سيحاسبان المملكة المتحدة وفقاً لاتفاق المرحلة الأولى".

وكانت بريطانيا قد توصلت إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، يختتم الجولة الأولى من محادثات بريكست، ويشمل ثلاث نقاط: فاتورة الطلاق، وحقوق المواطنين، والحدود الإيرلندية، ويفسح المجال أمام الانتقال إلى المحادثات التجارية. وتسببت النقطة الأخيرة (الحدود الإيرلندية)، في تأجيل الاتفاق بين الطرفين من يوم الإثنين حتى الجمعة، بسبب اعتراض الحزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي الشمالي، الذي يعادي حكومة دبلن، ويدعم حكومة ماي بعشرة مقاعد في مجلس العموم تكفل لها الأغلبية البرلمانية. وأدخل ذلك ماي في أسبوع من المفاوضات المستعجلة مع الحكومة الإيرلندية، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والاتحاد الأوروبي، لضمان مصالح جميع الأطراف، وهو ما نجحت في الوصول إليه صباح الجمعة الماضي. ونص الاتفاق، بخصوص إيرلندا الشمالية، على عدة نقاط، تشمل عدم إنشاء أي حدود صلبة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي الحدود بين شطري الجزيرة الإيرلندية، إضافة إلى خروج كامل المملكة المتحدة، بما فيها إيرلندا الشمالية، من الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من عدم وجود تفاصيل عن كيفية المواءمة بين النقطتين السابقتين والإبقاء على الحدود المفتوحة، نص الاتفاق على أنه وفي غياب اتفاق لاحق، ستضمن بريطانيا "التوافق التام" مع قواعد الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة التي تحمي اتفاق الجمعة العظيمة.

وتأتي تصريحات ديفيس بعد أن نقل عن مستشاري الحكومة البريطانية قولهم للوزراء المناصرين لبريكست إن الوعود التي قطعت في الاتفاق الأولي، خصوصاً حول التوافق التنظيمي التام وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي بين شطري الجزيرة الإيرلندية، والذي سيشمل كامل بريطانيا، "غير ذات معنى". ويتوقع أن يلقي هذا التشاحن بين الطرفين بظلاله على القمة الأوروبية المرتقبة منتصف ديسمبر/ كانون الأول الحالي، إذ ينتظر من قادة الاتحاد الاصطفاف وراء الموقف الإيرلندي طالبين من بريطانيا الالتزام الكامل بالاتفاق الأولي قبل الانتقال إلى المحادثات التجارية. وتعكس هذه المواقف والوعود المتضاربة صعوبة التوازنات التي تحاول تيريزا ماي الوصول إليها، إضافة إلى غياب رؤية عامة لمستقبل بريطانيا تحكم تصرفات الحكومة. وتسعى ماي، عبر إبرام الاتفاقيات وإطلاق الوعود مع تقدم المفاوضات، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويبقيها في رئاسة الوزراء. ولكن يصعب في نهاية المطاف رؤية كيف ستنجح ماي بالتوفيق بين المواقف المتضاربة للأطراف المعنية.


فقد نجحت ماي، في توقيعها الاتفاق الأسبوع الماضي، في إرضاء جميع الأطراف، عدا متطرفي حزبها المؤيدين لبريكست مشدد، والذين يرغبون في رؤية بريطانيا حرة تماماً من أية قيود أوروبية. لكن التزام بريطانيا بالتوافق التنظيمي في قضايا تشمل التجارة والزراعة وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي، لضمان غياب الحدود الصلبة بين شطري الجزيرة الإيرلندية، يعني عملياً التزامها بقواعد السوق الأوروبية المشتركة، والتي يرغب متشددو بريكست في مغادرتها كلياً. ويسمح الافتراق التنظيمي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي للأولى بحرية إبرام اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، مثل الولايات المتحدة والاقتصاديات الآسيوية، والتي تختلف قواعدها عن نظيرتها الأوروبية.

وستشهد الأيام المقبلة المزيد من الجدل الداخلي في صفوف حزب المحافظين، الذي ينقسم حالياً وعملياً إلى حزبين وفقاً لموقفهما من الاتحاد الأوروبي. فبعد أن تلقي ماي كلمة أمام البرلمان البريطاني، اليوم الثلاثاء، لتعكس أجواء التفاؤل التي تسود مباحثات بريكست، ينتظر أن تهيمن أجواء سلبية على اجتماع حكومتها بعد الجلسة البرلمانية، إذ ينتظر أن يناقش الوزراء رؤية الحكومة للصفقة النهائية لبريكست. وتحافظ ماي في حكومتها على توازن بين الوزراء المؤيدين لبريكست مشدد، مثل وزير الخارجية بوريس جونسون، وبين مؤيدي بريكست مخفف، ممن صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، مثل وزير المالية فيليب هاموند. كما سيشهد اليوم، الثلاثاء، مواجهة بين الحكومة ومتمردي حزب المحافظين خلال التصويت على أهم التعديلات المقترحة على قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي يرغب المتمردون من خلاله، وبدعم من الأحزاب المعارضة، بمنح البرلمان البريطاني حق التصويت على الاتفاق النهائي لبريكست.

وفي وجه هذا التخبط المحافظ، خرج وزير البريكست في حكومة الظل العمالية، كير ستارمر، برؤية مفصلة لحزبه عن مستقبل بريطانيا، تشمل مواقف واضحة عن مستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتضم العضوية في السوق المشتركة. وفي نهاية المطاف، ستدخل حكومة ماي العام 2018، وهي تسير في طريق محفوف بالمخاطر، تحكمه الوعود التي قطعتها في العام الحالي. ولا بد أن ينقلب أي فشل في الحفاظ على هذا التوازن دعماً لحزب العمال، الذي ينال دعم الأحزاب المعارضة الأخرى، ويمتلك رؤية واضحة لمستقبل بريكست، تحظى بتأييد يزداد يوماً بعد يوم في الشارع البريطاني.

المساهمون