سياسات روحاني تشغل الساحة الإيرانية: انعطافة نحو اليمين المحافظ

30 نوفمبر 2017
لم يف روحاني بالكثير من وعوده الانتخابية(بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -


وسط أجواء احتدام صراعات إيران مع محيطها ومع العالم، تنشغل الساحة الداخلية بقضية أخرى بدأت تتفاعل بشكل كبير بين مختلف الأطياف السياسية، وتتمحور حول "انعطافة" للرئيس "المعتدل" حسن روحاني والتوجّه نحو اليمين المحافظ مقابل ابتعاده عن "اليسار الإصلاحي"، الذي دعمه وساهم مؤيدوه بوصول روحاني إلى الرئاسة في دورتين متتاليتين كان آخرهما في مايو/أيار الماضي.

وتنقسم آراء المتابعين والمراقبين لهذه التطورات في تفسيرها، بين من يرى إشارات فعلية تدل على انعطافة يقوم بها روحاني، وبين من يربط تحركاته بالظروف الإقليمية والدولية المحيطة بإيران، مع إشارة البعض إلى أن روحاني لم يف بوعوده الانتخابية التي كان سقفها أعلى من تلك التي يطلقها المرشحون الإصلاحيون عادة، أبرزها المتعلقة بمشاركة النساء والشباب والأقليات في العمل السياسي.

وأكد بعض السياسيين والخبراء أحاديث وسائل إعلام محلية عن "التفاف" روحاني، متحدثين عن إشارات بدأ يعطيها عبر تصريحاته أو حتى في سياساته المتّبعة داخلياً، إلا أن آخرين اعتبروا أن هذه السياسات لا تعني أن روحاني يريد الاقتراب من المحافظين في المرحلة المقبلة لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي وحتى الديني، وإنما قد تكون مرتبطة بالظروف المحيطة بإيران في المنطقة، لا سيما أن المحافظين ما زالوا يتواجدون في أبرز مراكز صناعة القرار العسكري والسياسي.

مروّجو فكرة انعطافة "الرئيس المعتدل"، أشاروا إلى أن الطريق لهذا الأمر مفتوحة أمامه، فهناك معتدلون في التيار المحافظ أقرب في توجّهاتهم للرئيس من الطيف المتشدد. وتحدث بعض هؤلاء عن أن روحاني لم يف بعدد من وعوده الانتخابية "الإصلاحية". فعلى سبيل المثال، حديثه عن فتح المجال أمام الشباب لم يُطبق عملياً سوى بقرار واحد قضى بتعيين محمد جواد آذري جهرمي البالغ من العمر 36 عاماً، وزيراً للاتصالات. بينما لم يقترح روحاني اسم أي امرأة لتولي حقيبة وزارية، وتفوّق عليه سلفه المحافظ محمود أحمدي نجاد بهذا الأمر، فاقتصر تعيين السيدات في عهد روحاني في مناصب استشارية حكومية، وحتى في البلديات ومجالس المدن والقرى، ومن هذه الأمور انطلقت المآخذ على "الرئيس المعتدل".

من جهة ثانية، وعلى الرغم من تعيينه لـ"إصلاحيين" في مناصب وزارية، لكن هذا لم يكن كافياً بحسب هذا التيار، الذي يعتبر أنه قدّم لروحاني الكثير، من خلال الاتحاد معه ومع تياره في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وحتى الانتخابات الأخيرة لمجلس خبراء القيادة. وقال الناشط السياسي الإصلاحي، علي تاجر نيا، إن هناك اختلافاً في الخطاب السياسي الداخلي لروحاني في حال المقارنة بين دورتين رئاسيتين، معتبراً أنه بات محافظاً أكثر من السابق، ما يعني أن "المعتدل" يميل بالفعل للتطرف.

كما أن السياسي والكاتب المحافظ، حسين كنعاني مقدم، رأى أن روحاني في هذه الفترة يحتاج لأن يكون على وفاق ولو نسبيا مع المحافظين، مع انتهاء المعارك الانتخابية، معتبراً أن الرئيس يعود حالياً إلى توجّهاته الأصلية. وأشار في تصريحات صحافية إلى أن الإصلاحيين كانوا يتوقعون أن يفتح روحاني لهم الأبواب على مصاريعها، وهو ما لم يحدث وزاد الشرخ بينهم وبين الرئيس.

أما من يرفضون فكرة أن روحاني بدأ يميل نحو اليمين المتطرف، فبرروا ما يحدث بأن روحاني مضطر لاعتماد سياسات معينة بسبب تزاحم الملفات الإقليمية والدولية المتعلقة بطهران، منها ما يرتبط بالانتقادات الموجّهة لبرنامجها الصاروخي وهو ما قد يدخلها في ساحة صراع جديدة، وأخرى ترتبط بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فضلاً عن ارتفاع وتيرة التراشق السعودي الإيراني مجدداً وانتقال الصراع بينهما إلى الساحتين اليمنية واللبنانية، وهو ما يجعل "الرئيس المعتدل" أكثر تناغماً في الفترة الحالية مع أصحاب الشأن في بعض هذه الملفات، وعلى رأسهم الحرس الثوري.


وفي هذا السياق، رأى المستشار الأسبق في وزارة الداخلية والسياسي الإصلاحي مصطفى تاج زاده، أنه على الرغم من تحفّظ الإصلاحيين على بعض سياسات روحاني، لكن الرئيس لم يبدأ بالالتفاف نحو اليمين، معتبراً أنه لا يستطيع القيام بذلك بشكل علني وواضح، قائلاً إن الرئيس أذكى من أن يقوم بهذه الخطوة. وأشار إلى أن في البلاد مشاكل داخلية تتطلب أن يحتفظ روحاني بالقاعدة الشعبية التي صوّتت له، واصفاً بعض الخطوات التي تنبئ بتحوّل في خطابه بالتغيير الظاهري.

أما مستشار الرئيس، حسام الدين آشنا، فاستبعد هو الآخر التفاف روحاني نحو المحافظين التقليديين، إلا أنه لم يستبعد أن يقترب هؤلاء بأنفسهم من روحاني في المرحلة المقبلة. من جهته، رأى رئيس كتلة "الأمل" الإصلاحية في البرلمان، محمد رضا عارف، أن هذه التصريحات والتحليلات تهدف لإيجاد مسافة بين روحاني والإصلاحيين، داعياً للحذر منها. يُذكر أن عارف ساهم بتعبيد طريق الرئاسة أمام روحاني حين انسحب من السباق الرئاسي لصالحه، ووافق على التحالف معه في الانتخابات البرلمانية ففازت كتلتهما بدائرة طهران وهي الأثقل في مجلس الشورى الإسلامي.

ويقر كثيرون بوجود ضغوط على روحاني الملقب بـ"الشيخ الدبلوماسي"، لكنهم لا ينسون أنه رجل دين محسوب على حزب جمعية رجال الدين المناضلين، الذي يضم شخصيات معتدلة بارزة. كما يعلم الجميع أنه كان الابن الروحي لمؤسس "تيار الاعتدال"، أكبر هاشمي رفسنجاني، وقد منحه الأخير الكثير ليصل إلى ما هو عليه اليوم. فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الراحل والشخصية الإصلاحية الجدلية، ورغم لومها لروحاني في بعض الأحيان، أشارت إلى وجود ضغوط عليه. ووفق البعض، حتى في ظل وجود خلافات بين الحكومة الحالية وبعض أعضاء حزب "الاعتدال والتنمية"، فليس لدى روحاني الحرية المطلقة ولديه محددات تؤثر على سياساته، ومع ذلك يعتبر كثر في الداخل الإيراني أن رحيل رفسنجاني قبل مدة، أثّر على روحاني كثيراً وعلى طريقة إعلانه عن سياساته، وهو ما صعّب عليه مهمة الاستحقاق الرئاسي الثاني، لكنه قرر اتّباع ذات السياسة التي رسمها له مؤسس "تيار الاعتدال".

يُذكر أن رفسنجاني الذي شكّل محوراً التفّت حوله كافة التيارات في إيران على الرغم من الخلاف معه في بعض الأحيان على عناوين سياسية، إلا أنه هو نفسه التف نحو اليسار في فترة معينة، واختار أن يقف بالكامل إلى جانب الإصلاحيين بعد أحداث عام 2009، وأعلن عن هذا الأمر صراحة وأنهى دوره كخطيب لصلاة الجمعة في طهران باعتزاله هذا المنصب، في خطوة احتجاجية على طريقة التصرف مع الإصلاحيين.

في المقابل، يتعرض روحاني اليوم لانتقادات كثيرة كونه لم يحرك ساكناً في ملف إلغاء الإقامة الجبرية عن رموز الحركة الخضراء التي قادت المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية في ذاك العام الذي فاز فيه المحافظ محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية. وتتعدد الآراء حول هذه القضية، فالبعض يلقي اللوم على مجلس الأمن القومي الذي يتزعمه روحاني، كون رئيس الجمهورية هو من يتولى هذا المنصب، وآخرون يرون أن الأمر بيد السلطة القضائية أو حتى أجهزة ثانية.
هذه المعطيات والتطورات تجعل قاعدة روحاني الشعبية مهددة، وأي التفاف سواء نحو اليمين أو اليسار أو حتى السير على خط الوسط الذي يمثله يجب أن يكون مدروساً، بحسب ما يقول بعض المراقبين، الذين يعتبرون أن ميله نحو المحافظين إن صحّ الأمر لاحقاً فسيكون لأسباب ترتبط بمستقبله السياسي.