"بلومبيرغ" عن السعودية: مملكة الخوف والقمع ورجال الـ"نعم" بعهد "السلمانيْن"

11 أكتوبر 2017
رجال "نعم" فقط بعهد سلمان وابنه محمد (رمضان تورغوت/الأناضول)
+ الخط -
تورد وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير، اليوم الأربعاء، أنّ المملكة العربية السعودية، في ظل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تسعى إلى إعادة تقديم نفسها إلى العالم، وفتح اقتصادها على أعمال تجارية عالمية، ومجتمعها على ممارسات كانت تعتبر في السابق "غير إسلامية". لكن في الوقت عينه، فإنّ الفضاء المحدود للنقد والنقاش، والذي كان متواجداً في هذه الملكية المطلقة، يجري خنقه، واصفة السعودية أنها مملكة الخوف والقمع ورجال "نعم".

وتستهل "بلومبيرغ" تقريرها برسم صورة عن التحولات في المواقف التي طاولت رجال دين متشدّدين كانوا من أشدّ المعارضين لقيادة المرأة للسيارة، قائلة: "يشرح الداعية السعودي محمد العريفي، في أحد الفيديوهات غير المشهورة، كيف على الرجل أن يضرب زوجته، لكنّه يظهر فجأة على التلفزيون الرسمي، بعدما قررت حكومة بلاده السماح للمرأة بقيادة السيارة، ليقول على الملأ كم عظيمة كانت هكذا خطوة".

وتضيف "وقد انضم مشايخ آخرون، بعد أن كانوا معادين لأي خروج عن الطرق التقليدية، إلى جوقة المؤيدين لقرار سلطاتهم، وذلك على مسافة أسابيع، من شهادتهم اعتقال عشرة، من رجال دين وناشطين ورجال أعمال بارزين، بتهمة "دعم أجندة متطرفة".

قمع أكثر

وتحت عنوان "قمع أكثر"، تنقل الوكالة عن جيمس دورسي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في جامعة "نانيانغ" التكنولوجية في سنغافورة، أن السعودية أصبحت "أكثر قمعاً مما كانت عليه في الماضي".

واعتبر دورسي، أنّ المملكة "انفصلت عن عهد الملك عبد الله الذي سعى في كثير من الأحيان إلى التوصّل إلى توافق في الآراء"، مشيراً إلى أنّ "السلمانيْن (الملك سلمان وابنه ولي العهد محمد) لا يتسامحان مع أي انتقاد على الإطلاق".

وتقول "بلومبيرغ" إن "البلاط الملكي في السعودية كان، يشهد مداً وجزراً حول النفوذ، بين المحافظين الأكثر حضوراً، والمسموح لهم بالتأثير على السياسات المتعلقة بالمجتمع والتعليم، والليبراليين الذين يتم استرضاؤهم أحياناً بخطوات صغيرة نحو الإصلاح".

لكن الأمور بدأت تتغير، وفق "بلومبيرغ"، عندما نجح الملك سلمان في تجاوز شقيقه عبدالله في عام 2015، حيث تسارع التحوّل وضاقت دائرة صنع القرار، مع صعود ابن سلمان إلى مركز مهيمن في السلطة.

يسوّق محمد بن سلمان رؤيته على أنّها "مجتمع نابض بالحياة"، مع زيادة عدد النساء في مركز العمل، وتوسيع خيارات الترفيه في المملكة، بينما يستند برنامجه الاقتصادي إلى تحوّل جذري من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وتنويع المصادر بعيداً عن النفط، ويصنّف مبتكرين مبدعين مثل الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، كنماذج يُحتذى بها، وفق ما يقول دورسي.

وصوّر ولي العهد نفسه، متعاوناً مع العديد من النقاد المحتملين، حيث وقف في إحدى المرات لأخذ صورة مع العريفي، وذراع الداعية المبتسم ملفوفة حوله، كما عقد اجتماعاً شخصياً مع رسام كاريكاتير كان يُعتبر حينها مع المعارضة.

ولكن في نهاية المطاف، فإن التغيير على هذا النطاق، يمكن أن يأتي فقط من أعلى إلى أسفل، كما يرى بعض المراقبين، للوكالة.

وفي هذا الإطار، يقول علي شهابي المدير التنفيذي لمؤسسة "العربية" في واشنطن المقرّبة من السلطات السعودية، "أنت بحاجة إلى يد قوية جداً لتحقيق ذلك من دون إثارة الفوضى". ويرى أنّ البلاد "تمر بمرحلة وراثة أجيال، وتبذل الحكومة جهوداً شاقة لإعادة هيكلة البلاد، وسط انخفاض أسعار النفط، وهي تتعرّض لهجوم من الجهاديين الشيعة والسنة وإيران"، بحسب قوله.

ويعتبر شهابي في حديثه للوكالة، أنّ البحث عن توافق في الرأي سيكون عقيماً، لأنّ "الطيف السياسي بين المحافظين والليبراليين واسع جداً بحيث يتعذر التوفيق بينهم"، وفق رأيه.

زوكربيرغ وبن سلمان مسوقاً نفسه رغم خنقه الحريات (تويتر) 


مملكة الخوف

في المقابل، يرى عدد من المراقبين، العكس تماماً، حتى لو أنّهم باتوا مضطرين، على نحو متزايد إلى مغادرة البلد، لقول ذلك.

وبهذا الخصوص، يقول جمال خاشقجي، الصحافي الرفيع والمستشار الحكومي السابق، والذي يعيش حالياً في منفى اختياري فى الولايات المتحدة، لـ"بلومبيرغ"، إنّ "السعودية لم تكن يوماً مجتمعاً منفتحاً، ولكنّها لم تكن أيضاً قط مملكة خوف"، واصفاً حملة الاعتقالات الأخيرة، بأنّها "جزء من إغلاق مساحة حرية التعبير".

تضييق فضاء حرية التعبير في السعودية، يؤثر أيضاً على الليبراليين، الذين غالباً ما يتعرّضون لإساءة المعاملة في المملكة، فعشية إعلان قرار السماح بقيادة السيارة، اتصلت السلطات بمدافعين بارزين عن حقوق المرأة، وحذرتهم من عدم الاحتفال علناً أو مواجهة عواقب، وفقاً لأربعة أشخاص على دراية بهذه المسألة، للوكالة.

ورجّح أحدهم، أنّ السلطات لا ترغب في أنّ يُنسب فضل القرار للناشطين، وتفضّل تسليط الضوء على "دور القيادة"، في التوصّل إلى ذلك.

ونفى "مركز الاتصالات الدولية" الجديد التابع للحكومة، هذا الادعاء، قائلًا إنّه "لم يُراقب أي شخص أو يُحذر من التعبير عن آرائه".

بن سلمان ومحمد العريفي (تويتر) 


إدارة الخطاب

يقول شهابي، لـ"بلومبيرغ"، إنّ "السلطات لم تحّبذ استفزاز الناشطين للقاعدة المحافظة، وفضّلت أن تكون موجات الأثير تحت سيطرة أصوات المؤسسة الدينية"، مضيفاً أنّها "كانت بحاجة لإدارة الخطاب".

وبعد عقود من الاتصالات غير المستجيبة، تعاقدت الحكومة السعودية، مع شركات علاقات عامة جديدة، وعيّنت متحدثة تلقّت تعليمها في الولايات المتحدة باسم سفارتها في واشنطن، بينما تم تزويد مكتبها الإعلامي الجديد في الرياض، بعاملين شباب، متحدثين باللغة الإنكليزية، ومتفوقين في مجال التكنولوجيا، وفق ما تقول الوكالة.

ويعتبر تيم كوبر، وهو عالم اقتصاد في لندن بوكالة "فيتش" للتصنيف، أنّ هذا كله يمثّل "انقلاباً عالمياً للعلاقات العامة".

ويقول إنّ الإعلان عن قرار السماح للمرأة بالقيادة، كان "ناجحاً" وفق هذه الشروط، مضيفاً "إذا كانت السعودية تريد أن تثبت أنّها منفتحة على الاستثمار الأجنبي، فهذه هي أنواع الأمور التي تحفظ موقعها على الخريطة".

أما خارج الحدود السعودية، فتبقى السيطرة على الخطاب، "أكثر صعوبة"، وتلفت الوكالة إلى إعراب خاشقجي عن مخاوفه بهذا الإطار، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الشهر الماضي، معلناً أنّ المملكة أصبحت "لا تُطاق".


رجال "نعم"

وتسلّط الوكالة الضوء على حملة السلطات، الأسبوع الماضي، عندما اعُتقل 22 شخصاً بسبب " إثارتهم الرأي العام" على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يعلن عدد من السعوديين المثقفين بصراحة، عن رغبتهم مغادرة البلاد.

وخلال محادثة جرت أخيراً، بحسب الوكالة، فإنّ أحد المحسوبين على النخبة السعودية، أخفض من صوته ليقول إنّه يبحث عن مخرج، معرباً عن محبته لبلاده، ورغبته بنجاح خطط التغيير، بيد أنّه أعرب عن قلقه من أنّ رجال "نعم" فقط، هم من ينجحون في المناخ الحالي.

ووفق "بلومبيرغ"، فإنّ "الاندفاع الجريء" لمحمد بن سلمان، على المسائل الاقتصادية والاجتماعية، يقابله سياسة خارجية صارمة، ثبت أنّ نتائجها الملموسة بعيدة المنال، لا سيما في اليمن وقطر.

وتلفت إلى أنه بموازاة ذلك تغزو صور ولي العهد، وسائل الإعلام الرسمية، حتى أنّ كرتون عصير البرتقال في أحد محلات البقالة، باتت مزينة بصور تحتفي بالسلطة السعودية، سواء لطائرات مقاتلة، أو لجنود يؤدون التحية، أو لقبضات مشدودة.

هذه السياسات الأكثر صرامة في الداخل والخارج، بحسب الوكالة، تشابكت تزامناً مع "قائمة سوداء" أطلقها المستشار الملكي سعود القحطاني، في أغسطس/ آب الماضي، عبر هاشتاغ على "تويتر".

وطالب القحطاني السعوديين، بتسمية الأشخاص الذين وقفوا إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية، مهدّداً بـ"ملاحقة وحكم صارم" لكل "عميل مأجور"، يرد اسمه على القائمة.

وشملت الأهداف التي تمت ملاحقتها، كوميدياً مشهوراً ينتج مقاطع فيديو ساخرة على "يوتيوب"، وناشطة تم القبض عليها منذ سنوات بتهمة قيادة السيارة، بينما تلقّى خاشقجي هجوماً على الإنترنت، وتم وصفه بـ"الخائن" و"العميل".

يقول خاشقجي لـ"بلومبيرغ"، إنّ "وسائل الإعلام والجيش الإلكتروني يتم تشجيعهم على ملاحقة هؤلاء الناس. إنّ الأمور أورولية جداً"، نسبة إلى رواية جورج أورويل 1984 التي تدور أحداثها في مقاطعة لا تهدأ فيها الحرب والرقابة الحكومية والتلاعب بالجماهير.

المساهمون