قرارات ترامب الاستباقية: مؤشرات على الحروب الأميركية المقبلة؟

31 يناير 2017
ينفذ ترامب ما أعلنه خلال حملته الانتخابية (رالف فريسو/Getty)
+ الخط -

قد لا يكون من قبيل الصدف أن يتزامن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمنع دخول رعايا سبع دول ذات غالبية إسلامية إلى الولايات المتحدة، مع العملية العسكرية التي قامت بها القوات الأميركية ضد مواقع لتنظيم "القاعدة" في اليمن، والتي أسقطت مبدأ أساسياً في الاستراتيجية الأميركية التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي كانت تكتفي بتوجيه ضربات جوية لمواقع المجموعات الإرهابية في اليمن وغيرها من الدول التي تحظى فيها تلك المجموعات بملاذات آمنة، وتتجنّب مشاركة الجنود الأميركيين في مواجهات برية.
ولعل الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي مع العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز والاتفاق معه على ضرورة إقامة مناطق آمنة في كل من سورية واليمن، والتعاون الميداني بين الولايات المتحدة والسعودية من أجل مواجهة التهديدات الإيرانية والحد من توسع نفوذ طهران العسكري في سورية والعراق واليمن، كما جاء في بيان للبيت الأبيض، يشير أيضاً إلى أن قرار المنع المؤقت الذي طاول رعايا الدول السبع، يندرج في سياق الاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة للقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والمجموعات الإرهابية الأخرى التي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.
وإذا صح ما تقوله إدارة ترامب من أن قرارها، الذي أثار موجة عارمة من الاستنكار والاحتجاج في الولايات المتحدة والعالم، لا يحمل في طياته موقفاً عنصرياً ودينياً من المسلمين، وأن الهدف منه ينحصر في مراجعة شاملة للمعايير الأمنية المتّبعة لحماية الولايات المتحدة، فمن المتوقع حصول تصعيد عسكري أميركي في البلدان السبعة التي شملها قرار المنع، وهي سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال وإيران.
فالواضح أن ترامب الذي تسلّم زمام الأمور في البيت الأبيض قبل أيام قليلة، يعمل وفق الأجندة نفسها التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية. وهذا ما بدا في قراراته بشأن بناء الجدار على الحدود المكسيكية، وخططه لإجبار الحكومة المكسيكية على دفع تكاليف بنائه والتلويح بفرض ضرائب مرتفعة على السلع المستوردة من المكسيك، ما ينذر بمواجهة اقتصادية مفتوحة بين الجارين ستُصعّد حالة التوتر بينهما.


وبالعودة إلى الأجندة المعلنة خلال الحملات الانتخابية، فإن ترامب ينتظر أن يُقدّم له جنرالات الجيش الأميركي، خلال الأسبوعين المقبلين، خطة عسكرية محكمة من شأنها حسم المعركة مع تنظيم "داعش" بشكل سريع. ولا يُخفى أن البلدان التي استُهدف مواطنوها بقرار المنع من دخول الولايات المتحدة، ستكون ميدان الحرب الأميركية المقبلة. أي أن إدارة ترامب تضع قرار المنع المؤقت في إطار الإجراءات الاستباقية لتأمين حماية الأراضي الأميركية من رد إرهابي محتمل خلال الهجوم الأميركي المتوقع على تنظيم "داعش".
ولكن وضع إيران ضمن اللائحة يأتي في سياق مختلف، يرتبط أكثر بأجندة ترامب وخططه لإلغاء الاتفاق النووي ووضع حد لنفوذها المتنامي في منطقة الشرق الأوسط من سورية إلى العراق واليمن. وهذه القراءة تفترض أن واشنطن قد أعادت جدياً الاعتبار للخيار العسكري في العلاقة مع طهران ونسفت التوافقات والتسويات السابقة التي عقدتها إدارة باراك أوباما مع إيران. وهذا يتطابق مع وجهة النظر التي يمثّلها وزير الدفاع، الجنرال جايمس ماتيس، المعروف بانتقاداته لمقاربة الإدارة الأميركية السابقة لملف العلاقات الأميركية مع إيران، التي سمحت بتمدّد الدور الإيراني في العراق وسورية واليمن على حساب الدور الأميركي.
ولا يعارض الجنرال ماتيس، المعروف بلقب "الكلب المسعور"، زيادة أعداد الجنود الأميركيين المنتشرين في العراق ومشاركة القوات البرية الأميركية في معركة القضاء على "داعش" ومواجهة التواجد العسكري الإيراني في العراق.
لكن ما هو غير واضح حتى الآن في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والتي بدأت تتضح معالمها، هو مقدار التنسيق مع موسكو التي تحوّلت، في السنوات القليلة الماضية، إلى لاعب عسكري وسياسي أساسي في المنطقة، خصوصاً في سورية. والسؤال المطروح يتعلق بمدى رضا روسيا فلاديمير بوتين على استعادة واشنطن دورها العسكري في الشرق الأوسط، خصوصاً أن ردود الفعل التي صدرت عن موسكو تربط الموافقة على إقامة مناطق آمنة للاجئين في سورية بقبول النظام السوري لذلك، وإن كان الموقف المعلن لموسكو يكرر الرغبة في التعاون والتنسيق العسكري مع واشنطن في "محاربة الإرهاب" والقضاء على تنظيم "داعش".
وعلى الرغم من الاتهامات التي وجّهتها أجهزة الاستخبارات الأميركية لموسكو بالتدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح دونالد ترامب، وقول مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، هيلاري كلينتون، إن الرئيس الأميركي الجديد هو دمية بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن ترامب أكد مراراً أنه على الرغم من انفتاحه على تعاون أوسع مع موسكو، فهو سيكون أكثر صلابة في التعامل معها عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأميركية والدور القيادي للولايات المتحدة.