"داعش" يوسع اعتداءاته: إرباك الوضع العراقي وإسقاط خطط مواجهته

02 يناير 2017
أسفرت الهجمات عن سقوط عشرات الضحايا (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -
باغت تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) السلطات العراقية مستبقاً انتهاء معركة الموصل بهجمات استهدفت الداخل العراقي، موسّعاً من دائرة هجماته ليتجاوز العاصمة بغداد ويضرب مناطق آمنة نسبياً. وجعل التنظيم الأمن الداخلي جبهته الجديدة، بعد خسارته الكبيرة في جبهة الموصل، في وقت يحذر فيه مراقبون من خطورة هذا التوجّه وأبعاده الأمنية وأثرها على المشهد العراقي، منتقدين الخطط الأمنية العاجزة عن مواجهة التنظيم.
وخلال اليومين الأخيرين، نفّذ "داعش" هجمات كبيرة استهدفت العمق الداخلي، فقد ضرب مناطق عدة من بغداد، منها السنك وبغداد الجديدة والشعلة والطارمية وغيرها، لينتقل جنوباً إلى محافظة النجف وينفذ تفجيراً وهجوماً مسلحاً، متجهاً نحو مدينة الفلوجة لينقل إليها عدداً من السيارات المفخخة، في وقت تشهد فيه مناطق غرب الأنبار ارتباكاً واضحاً، وتعيش تهديداً مستمراً من هجمات التنظيم. بينما استنفرت محافظات الجنوب العراقي، ومنها واسط وذي قار وميسان والمثنى، كافة قواها واتخذت إجراءات أمنية مشددة، وتحدّثت عن خطط لاستهدافها من قبل التنظيم.
وأوقعت تلك الهجمات التي تبناها "داعش" في بيانات له، عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، بينما لجأت القيادات الأمنية إلى إغلاق عدد من المناطق الأخرى، تحسباً لوقوع هجمات فيها، الأمر الذي أربك المشهد الأمني بشكل كبير، وانعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يعيشون حالة رعب.
وقال ضابط في قيادة العمليات المشتركة، لـ"العربي الجديد"، إن "القيادة أعدّت عدتها لاقتلاع جذور تنظيم داعش من الموصل، ووضعت بحسابها أنّ هزيمته في الموصل ستضعف قواه بشكل كبير، كما وضعت في الحسبان أنّ التنظيم سينقل جبهة الموصل إلى الداخل ليضرب بغداد، تحديداً بعد انتهاء معركة الموصل". وأضاف: "على ما يبدو، فإن التنظيم وضع استراتيجية جديدة، بعد أن خسر مساحات كبيرة في الموصل، وعجّل بخطته بضرب الأمن الداخلي، ليباغت القوات الأمنية المسؤولة عن الملف الداخلي بهجمات خطيرة"، مشيراً إلى أنّ "هناك ضعفاً واضحاً في البُعد الاستخباري للجانب العراقي، فضلاً عن ضعف قدرة المواجهة ووضع خطط استراتيجية تتيح تقويض خطة داعش".
ولفت الضابط العراقي إلى أنّ "التنظيم دخل بقوة إلى عمق المدن العراقية، ففي الوقت الذي استهدف فيه المناطق المحرّرة، جاء ليستهدف المناطق الآمنة، ضارباً في بغداد والأنبار والنجف، وقد تكون محافظات أخرى ضمن أهدافه، الأمر الذي تسبّب بارتباك واضح في الملف الأمني الداخلي، في وقت يتطلب فيه خطة طارئة شاملة لتدارك الموقف والسيطرة عليه". وأكد أن "رئيس الحكومة حيدر العبادي بدوره، دعا قادة الأجهزة الأمنية وقيادة العمليات المشتركة، لبحث إمكانية وضع خطة رادعة للتنظيم، تستطيع إحباط مخططه ولا تؤثر على مجريات معركة الموصل".


من جهته، انتقد عضو لجنة الأمن البرلمانية، محمد الكربولي، "الانتكاسة الأمنية في بغداد والمحافظات العراقية". وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الخطط الأمنية المتّبعة لضبط الملف الداخلي فاشلة ولم تُجدِ نفعاً بمواجهة الإرهاب"، موضحاً أنّ "معركتنا مع الإرهاب تتطلّب تكاتفاً من الجميع، ووضع خطط أمنية متطورة وقادرة على مواجهة الإرهاب، واستدراك خططه وكشفها من قِبل الأجهزة الاستخبارية قبل تنفيذها، وإحباطها بخطط لا يستطيع التنظيم كشفها أو تلافيها".
وأشار الكربولي إلى أنه "من المفترض أن تكون الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حماية أرواح المواطنين صاحبة المبادرة وأن يكون زمام الأمور بيدها، وأن تكون على استعداد تام لمواجهة التحديات، بالاعتماد على عناصرها الاستخبارية بتوفير المعلومة، وبالاعتماد على قدراتها وخططها المحدثة وأجهزتها الحديثة، وإلا فستكون قوات غير مؤهلة للقيام بواجبها"، داعياً رئيس الحكومة إلى "عدم المجاملة في التعامل مع القيادات الأمنية، ومحاسبة المسؤولين عن الملف الأمني محاسبة قانونية وفقاً للمحاكم العسكرية، ليكونوا عبرة لغيرهم".
أما الخبير الأمني صلاح الهيجل، فرأى أن "تحركات التنظيم نحو الأمن الداخلي كشفت هشاشة الوضع الأمني وعجز القوات الأمنية في مواجهته". وقال الهيجل، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ضربات داعش الخطيرة تحمل في طياتها قدرة وقوة لا زال التنظيم يحتفظ بها حتى الآن، وهو قادر على إرباك القوات الأمنية واستنزافها بحرب عصابات في الداخل، مقابل عجز واضح لها (القوات الأمنية) وعدم قدرتها على المواجهة وفشل كافة أجهزتها المختلفة".
وأشار إلى أن "هجمات داعش، فضلاً عن عكسها قدرة التنظيم، تحمل أيضاً في طيّاتها طابعاً طائفياً وانتقامياً، إضافة إلى كونها تكتيكاً عسكرياً قد يستمر عليه التنظيم بشكل يومي ليضرب من خلاله النسيج الاجتماعي العراقي، ويهدّده بعودة شبح الطائفية التي لم تغب عن مخيلته". وحذر من أن "هذه الهجمات التي ينفذها التنظيم في مناطق محددة، خطيرة جداً وتتطلب من الحكومة والجهات المسؤولة استنفار كافة قوتها لوضع خطط قادرة على إحباطها، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بخبراء أجانب في هذا المجال".