أسباب هدوء ربيع "طالبان أفغانستان": فقدان القيادة و"داعش"

10 سبتمبر 2016
لم يعد صف "طالبان" موحّداً بعد وفاة مؤسسها(فريدة أميني/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من إعلان الأمم المتحدة أنّ النصف الأول من عام 2016 شهد أكثر الهجمات دموية في كابول منذ العام 2001، نتيجة زيادة الجماعات المسلحة لنشاطاتها خصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتكثيف طالبان هجماتها، أخيراً، في بعض أقاليم جنوب أفغانستان، مثل إقليم أوروزجان الذي دخلت إلى عاصمته تيرنكوت في 8 سبتمبر/أيلول الحالي بعد مواجهات دامية مع القوات المسلحة، اعتُبر ربيع الحركة هادئاً إلى حدّ كبير في حروبها الداخلية ضد القوات الأفغانية، خلافاً لتوقعات الأفغانيين ومراقبين للوضع الميداني في البلاد، وذلك لأسباب داخلية وأخرى عامة. ويبدأ موسم الربيع أو الحرب في أفغانستان في مارس/آذار وينتهي في أكتوبر/تشرين الأول من كل عام. 
وعلى الرغم من دعوات "طالبان" تقوية نفوذها العسكري بعد فقدان قياداتها وعلى رأسها المؤسس الملا عمر وخليفته الملا منصور، تؤكد مجريات الأحداث الميدانية أن زمام المبادرة على الأرض بيد قوات الأمن الأفغانية، وأن هجمات "طالبان" انخفضت بشكل ملحوظ، وقلّ عددها وتأثيرها مقارنة بالأعوام الماضية. وكانت "طالبان" تظهر قوتها الميدانية خلال موسم الربيع المعروف في أفغانستان بـ"موسم الحرب".

وكان زمام المبادرة بيدها خلال الأعوام الماضية، إذ كانت تستهدف القوات الدولية والأفغانية في جميع أرجاء أفغانستان، على الرغم من وجود القوات الدولية بعدتها وعتادها، لكن هذا العام كان مختلفاً تماماً. الأوضاع هدأت نسبياً في المدن الرئيسية، حتى في العاصمة كابول على الرغم من وقوع هجمات دامية فيها خلال الأيام الماضية سقط خلالها العشرات بين قتيل وجريح. 
وتنقسم العوامل التي بسببها يعتبر ربيع أفغانستان هادئاً هذا العام إلى جزأين: الأول يتعلق بـ"طالبان" وأحوالها الداخلية واستراتيجيتها، والثاني يكمن في استراتيجية حرب الحكومة والظروف العامة في أفغانستان، وفقاً لمتابعين.

فقدان القيادة
ربما تدور جميع عوامل تدهور قوة "طالبان" الداخلية حول نقطة واحدة، هي فقدان القيادة المركزية بعد وفاة مؤسس الحركة وزعيمها الملا عمر. لم يكن الأخير على قيد الحياة منذ عامين قبل الإعلان عن وفاته، إلّا أن مجرد اسمه المكتوب على القرارات كان كافياً للحفاظ على قوة "طالبان" ونفوذها بين الشعب. لكن بعد الإعلان عن وفاة الرجل رسمياً من قبل الحركة في يوليو/تموز العام الماضي، تغيّرت أوضاع الحركة المعروفة بالتماسك والتوحد الداخلي. بدأت قوتها تتدهور تدريجياً بعدما فقدت مؤسسها الملا عمر، الشخصية المحترمة لدى جميع أطياف الحركة.

الخلافات والحروب الداخلية
بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر، كان من الطبيعي أن تتوزع الحركة إلى فصائل عدة، تحولت مع مرور الأيام إلى فصائل متناحرة تتقاتل في ما بينها ولا تزال. وكان السبب الأساسي لهذه الخلافات هو التكتم على وفاة الرجل من قبل نائبه، خليفته بعد الوفاة الملا أختر منصور، الذي قتل هو الآخر في غارة أميركية جنوب غرب باكستان، في مايو/أيار الماضي. معظم قيادات الحركة اعترضوا على هذا التكتم وعدوا الأمر خلافاً لسياسة "طالبان". كما كانت قضية تعيين الملا أختر منصور أحد أبرز أسباب الخلافات الداخلية.






ونتيجة لذلك، انقسمت الحركة بين جماعة طالبان التي يقودها الملا هيبت الله أخوند زاده حالياً، بعد مقتل الملا منصور، وجماعة الملا رسول أحد المقربين لمؤسس الحركة الملا عمر، وجماعة الملا منصور داد الله الذي قتل في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي على يد "طالبان"، وقد أعلن حزبه جيش الفدائيين، الأسبوع الماضي، الحرب على الحركة مرة أخرى للانتقام لمقتل زعيمه. تلك الخلافات أدت إلى حروب طاحنة سقط خلالها مئات المسلحين، بعدما كانت الحركة تقاتل صفاً واحداً ضد القوات الأفغانية والدولية. ولا تزال الانشقاقات متواصلة، إذ انشق القيادي المولوي جلال الدين بإقليم غور، منذ يومين، عن "طالبان"، معلناً حربه عليها بدعوى أنها تعمل لصالح الاستخبارات الباكستانية ضد البلاد.

لم تؤد تلك الحروب الطاحنة إلى استنزاف قوة "طالبان" العسكرية فحسب، بل أرغمت الكثير من قيادات الحركة على الانكفاء عن الميدان خشية وقوعهم في حروب داخلية كما حصل مع المجاهدين الأفغان بعد هزيمة الروس وسقوط الحكومة الموالية لهم. ولكن ذلك لم يمنع تواصل الحروب الداخلية بين أطياف "طالبان" المتخاصمة، وإنْ بوتيرة أقل، إذ قتل أخيراً العديد من مسلحي جماعة الملا هيبت الله أخواند زاده، وجماعة الملا رسول المنشقة عنها، فيما تدعي الأخيرة اعتقال اثنين من قادة الحركة.

تغيير الاستراتيجية الحربية
كانت "طالبان" في عهد الملا عمر تتجنب أي خطوة من شأنها أن تضرّ بمصالح الشعب، كالهجوم على المدن والطرق الرئيسية وزرع الألغام على ضفافها، والتعامل مع القبائل بصورة غير لائقة، إذ كانت ولا تزال تستمد قوتها من تلك القبائل. وعلى الرغم من وفاته عام 2013، حافظ القائمون على أمور الحركة على نفس السياسات حتى الإعلان عن وفاته رسمياً العام الماضي، بعدها غيّرت "الحركة" استراتيجيتها. وكان الهجوم والسيطرة على مدينة قندوز شمالي أفغانستان في سبتمبر/أيلول العام الماضي منطلقاً للسياسة الجديدة. حصلت "الحركة" على ما وصفتها هي آنذاك بـ"القوة الرمزية" بعد السيطرة على أول مدينة منذ سقوط حكومتها بيد القوات الدولية عام 2001. لكن عندما خرجت بعد أيام معدودة من المدينة تركتها أثراً بعد عين، إذ دمرت المنازل ونهبت الأسواق. وكان المواطن الأفغاني قد دفع أثماناً باهظة لسيطرة "طالبان" على المدينة، وبالتالي بدأت الفجوة تكبر بين الحركة والشعب، وبدا أنها تفقد حاضنتها الأساسية. 
الحالة ذاتها تكررت في 8 سبتمبر/أيلول الحالي إذ دخلت طالبان بكل قوة إلى مدينة تيرنكوت، عاصمة إقليم أوروزجان. لكن مع وصول تعزيزات جديدة للجيش الأفغاني تحصن عناصر الحركة داخل منازل الناس، ثم خرجوا من المدينة بعدما قتل 181 عنصراً منهم، وفق ما أعلنته الحكومة، كما دفع المواطنون أثماناً باهظة. 

ومن التغيرات الإضافية في الاستراتيجية العسكرية للحركة استمرار الحرب في الشتاء، إذ عادة يتوقف مسلحو "طالبان" عن القتال في هذا الفصل ليعودوا من جديد إلى جبهات القتال في موسم الربيع. لكن هذا العام أعلنت الحركة استمرار الحرب في الشتاء. ولعلّ سبب ذلك يعود إلى المفاوضات بين الحكومة و"طالبان"، إذ سعت الأخيرة للحصول على نجاحات ميدانية لتقوية موقفها على طاولة الحوار. هذه الاستراتيجية أضعفت قوة الحركة، إذ خسرت الكثير من عناصرها وقوتها العسكرية قبل بدء عمليات الربيع.







ظهور "داعش"

تزامنت التغيرات الداخلية في صفوف "طالبان" مع ظهور تنظيم "داعش". وكانت استراتيجية التنظيم منذ البداية واضحة، وهي الحرب على الحركة وتمزيق صفها بالمال والإغراءات والتهم المختلفة، ومنها أن "طالبان" تعمل لصالح أجندات أجنبية. وبعدما كانت "طالبان" تركز على الحكومة الأفغانية والقوات الدولية بدأت تصب اهتمامها على التنظيم وتخوض معه معارك ضارية، خسرت من خلالها مئات المسلحين، وشكلت لهذا الغرض قوة خاصة. والأخطر من ذلك، أن الكثير من قيادات "طالبان" الميدانيين انضموا إلى "داعش"، وترك آخرون العمل القتالي بذريعة أنهم لا يرغبون في المساهمة بالحروب بين المسلمين. ولا تزال الحرب مع "داعش" من أولويات اهتمامات "طالبان"، خصوصاً شرقي أفغانستان، حيث يتركّز التنظيم قرب الحدود الأفغانية ـ الباكستانية، وأنشأ له مراكز مهمة هناك، بعدما كانت "طالبان" تسيطر عليها وكانت تتمتع بنفوذ واسع فيها.

سلاح الجو الأفغاني
من أبرز ما كانت تواجهه القوات المسلحة الأفغانية من التحديات هو افتقارها لسلاح الجو. ومنذ أن تولى الرئيس الأفغاني أشرف غني زمام الحكومة ركّز على تجهيز الجيش عموماً وسلاح الجو خصوصاً. وحصل الرئيس على الكثير من الأسلحة من الصين، وروسيا، والهند، وأميركا، وحلف الشمال الأطلسي. بيد أنّ الأهم هو سلاح الجو، إذ حصل على مروحيات قتالية من الهند وأخرى عديدة من "الأطلسي". كما منحت الولايات المتحدة طائرات حربية من طراز A29 قامت بدور كبير في تغيير موازين القوة. كما وفّر سلاح الجو الأفغاني غطاء للقوات البرية التي قامت بتدمير مراكز الحركة. ويتوقع أن تطلب أفغانستان مروحيات قتالية أخرى من الهند خلال زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني المرتقبة، الأسبوع المقبل، إلى نيودهلي. ويبدو أن الأخيرة حاضرة لأي نوع من التعاون العسكري مع كابول.

استهداف مراكز "طالبان"
بالإضافة إلى العوامل المذكورة، كان لتغيير استراتيجية الحكومة الأفغانية في التعامل مع "طالبان" أثر كبير في تهدئة الأوضاع الميدانية خلال الربيع. العمليات التي تنفذها القوات الخاصة الأفغانية "الكوماندوز" كبّدت طالبان خسائر فادحة، إذ كسرت تلك العمليات العديد من سجون "طالبان" وأفرجت عن عشرات المعتقلين من الحكومة. وفي أحدث عملياتها، أعلنت القوات الخاصة مقتل 158 عنصراً من "داعش" خلال عمليات القوات الخاصة شرقي أفغانستان. في هذا الصدد، يقول قيادي في "طالبان" لـ"العربي الجديد" إن "عمليات القوات الخاصة والقصف الجوي كبّدا الحركة خسائر كبيرة في الأرواح ودمرا مراكز قوية لها بنتها خلال الـ14 عاماً الماضية".

ويخلص مراقبون إلى القول إن ما يتفق عليه الأفغان هو أن قوة الجماعات المسلحة لا سيما "طالبان" قد ضعفت إلى حد كبير وهي مستمرة في التراجع، خصوصاً أنّ هذه العوامل لا تزال قائمة. الخلافات والحروب الداخلية بين الجماعات القتالية المتخاصمة متواصلة وتستعر يوماً بعد آخر، كما أن الإصلاحات التي أجراها الرئيس الأفغاني في القوات المسلحة واستراتيجية الحرب، على الرغم من أنها بطيئة فإن آثارها على الأرض قوية.


المساهمون