مصر: غضب صامت من عسكرة وزارتي الداخلية والخارجية

02 سبتمبر 2016
تشديد القيود على تعامل الضباط مع الإعلام(جيانلويجي غيرسيا/فرانس برس)
+ الخط -
تسيطر حالة من الغضب على قطاعات واسعة من العاملين بوزارتي الداخلية والخارجية في مصر نظراً لما يلمسونه من محاولات لبسط السيطرة الكاملة عليهم ومنعهم من التعبير عن الآراء أو المعارضة. وتصف بعض المصادر هذه المحاولات بـ"عسكرة باقي أجهزة الدولة" بالأسلوب نفسه الذي يتم من خلاله التحكم بالجيش بمختلف هيئاته، وعزل هذه الأجهزة عن المجتمع والإعلام.

وتروي مصادر في وزارتي الداخلية والخارجية العديد من الوقائع التي تشير إلى تشديد سياسة "الحديد والنار" تجاه جميع المجموعات المعروفة بـ"صوتها العالي" أو بـ"معارضتها للأوامر"، أو تلك المشكوك بانتمائها قلباً وقالباً للنظام الحاكم بقيادة عبدالفتاح السيسي. وتضيف المصادر أنه تمت إحالة العشرات من الضباط وأمناء الشرطة سراً إلى الاحتياط والمحاكمات التأديبية، وإبعاد العشرات من السفراء المعروفين بآرائهم المستقلة عن المناصب المهمة.

في هذا السياق، يقول مصدر من العاملين المدنيين بوزارة الداخلية إن "الهجوم الإعلامي المنظم على أمناء الشرطة بعد حوادث مقتل عدد من المواطنين على يد أمناء في بعض مناطق الجمهورية خلال العام الجاري، استغلته الوزارة كستار للقيام بعملية تصفية واسعة للأمناء والموظفين المدنيين وحتى الضباط الصغار المعروفين بعدم انتمائهم سياسياً للنظام، ومعارضتهم سياسة البطش التي تتبناها الشرطة ضد جماعات وتيارات المعارضة". ويضيف المصدر، الذي يتحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، أن التنكيل بالمعارضين (المحتملين) لم يستند ظاهرياً إلى أسباب موثقة، بل استند إلى أسباب عامة كـ"عدم إطاعة الأوامر والتعليمات" أو "الإهمال في تنفيذ الواجبات"، أو بمواجهتهم بتقارير أعدها الأمن الوطني عن انتماءات سياسية لبعض أقاربهم. وهي من الأمور التي لم تكن الشرطة معتادة في الماضي أن تستند إليها في الإطاحة بالموظفين المدنيين أو الأمناء، وفق المصدر.

وتشير المصادر إلى أن سياسة ردع المعارضين المحتملين أو المخالفين في الرأي كانت هي السبب الرئيس في تأخر إصدار تعديلات قانون الشرطة، من شهر إبريل/ نيسان الماضي وحتى صدورها رسمياً من قبل السيسي في 15 أغسطس/ آب الماضي. وتمت إضافة العديد من المواد التي لم يكن مطروحاً التفكير فيها. إذ كان معلناً أن الدافع الأساسي لإدخال هذه التعديلات يتمثل بمحاولة السيطرة على تجاوزات أمناء الشرطة في ما يتعلق باستخدام أسلحة العهدة الرسمية وتشديد إجراءات محاسبتهم في ما يتعلق بالتعامل مع المواطنين، بحسب المصادر. غير أن وزارة الداخلية استغلت المطالبات العامة والحكومية بالتعديل، وأدخلت العديد من النصوص التي تحكم سيطرة الوزير والمجلس الأعلى للشرطة على الضباط والأمناء والأفراد والموظفين المدنيين، على حد قول المصادر، التي أضافت أن القانون "مطعّم" ببعض العبارات المقتضبة عن "احترام معايير حقوق الإنسان في استخدام السلطة والقوة" و"الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية والشرعية الإجرائية" و"حماية الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية".

وتصف مصادر الشرطة هذه العبارات بـ"شعارات لتحلية البضاعة". فبعد عدد من البنود
المطاطة، تحظر التعديلات الجديدة في المادة 42 على الضباط "الإفصاح بغير إذن خطي من وزير الداخلية بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل السرية بطبيعتها، أو بمقتضى تعليمات مكتوبة وصادرة عن الجهة المختصة، أو إفشاء المعلومات الخاصة بالوقائع التي تتصل بعلمه بحكم عمله، أو نشر الوثائق والمستندات والصور المتعلقة بنشاط هيئة الشرطة وأساليب عملها في مجال المحافظة على سلامة وأمن الدولة". وفي هذا الصدد، أقر القانون نصاً ترى المصادر، التي تدرس القانون في كلية الشرطة، أنه غير دستوري بامتياز. ويحظر القانون الجديد الأمور ذاتها على الضباط بعد انتهاء خدمتهم، على الرغم من أنهم بانتهاء الخدمة يكونون قد عادوا مواطنين عاديين متحررين من الالتزام بقواعد الهيئة النظامية. بمعنى آخر، يتناقض القانون مع مبدأ المساواة بين الضباط الذين أنهوا وظيفتهم وبين المواطنين، كما تؤكد المصادر المطلعة.


ولا تقتصر المحظورات على إفشاء المعلومات والإيضاحات والتعليمات، بل تمتد لتشمل "الإدلاء بأي تصريح أو بيان عن أعمال الوظيفة بأية وسيلة إعلامية أو وسيلة نشر أو إتاحة، إلّا إذا كان ذلك مصرحاً به من الجهة التي يحددها وزير الداخلية". وهذا الأمر يعني عملياً تحويل هيئة الشرطة إلى هيئة عسكرية بكل ما للكلمة من معنى، إذ لم يسبق أن فرض هذا "السياج من السرية والقيود على تعامل الضباط مع الإعلام"، على حد وصف المصادر.

ويطلق القانون الجديد رصاصة الرحمة على التنظيمات شبه النقابية التي نشأت في هيئة الشرطة، مثل ائتلاف الأمناء ونادي الأمناء ونادي الضباط. ويحظر على عضو هيئة الشرطة "الانضمام إلى أي من الكيانات الحزبية أو النقابية أو السياسية أو الدينية أو الفئوية، أو أن يرتبط بالعمل العام طوال مدة خدمته أو أن ينحاز سياسياً لأية جهة أو طرف". كما يحظر على جميع أعضاء هيئة الشرطة "التجمهر أو تنظيم وقفات أو مسيرات احتجاجية أو تظاهرات أو الإضراب أو الاعتصام بما يؤدي لتعطيل العمل أو الإضرار بمصالح الأشخاص، أو قطع الطرق والسكك الحديدية". وتندرج هذه التدابير في إطار محاولة لعدم تكرار أنشطة ائتلاف ونادي أمناء الشرطة ونادي الضباط بين عامي 2011 و2014، والتي وصلت بعضها لحد الاعتصام أمام مديريات الأمن والتظاهر أمام ديوان وزارة الداخلية.

ومن بين التعديلات التي أدخلت أيضاً، وتثير غضباً في أوساط الضباط والأفراد، توقيع عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبالعزل من الوظيفة، على كل عضو بهيئة الشرطة يتسبب في تعطيل العمل أو غلق أية منشأة عامة أو خاصة، أو التعدي على رؤسائه أو إحداث اضطراب أو فتنة مع إحدى الهيئات أو الجهات أو الفئات. وتهاجم المصادر هذه المادة تحديداً باعتبارها سيفاً مسلطاً على رقاب جميع الأمناء والأفراد، خاصة في ما يتعلق بالوقائع التي تجمع أفراد الأمن بأعضاء جهات أخرى كالقضاء أو الجيش. وهي وقائع متكررة في مصر، وتؤدي إلى اضطرابات في صفوف الشرطة نتيجة الصراع الفئوي مع الفئات الأخرى القريبة من رأس النظام، بحسب المصادر.

وترى مصادر في الشرطة أن غلبة النصوص المقيدة لسلوكيات العاملين بهيئة الشرطة قد تؤدي لانفجار محتمل يوماً ما بين الفئة الأقل حظاً في المزايا والأكثر تعرضاً للضغوط. والمقصود هنا فئة الأفراد والمجندين، الذين قادوا إضراب الأمن المركزي عام 1986 وكانوا على رأس المطالبين بالتغيير بين عامي 2011 و2013 ضمن حركة الأمناء والأفراد الواسعة لتحسين مداخيلهم المالية وإلغاء نظام محاكمتهم عسكرياً.

قيود على السلك الدبلوماسي
ولا يختلف الأمر كثيراً في السلك الدبلوماسي. ويعاني العاملون في وزارة الخارجية من سيطرة مطردة لمجموعة الوزير الحالي، سامح شكري، المعروف بعلاقاته الوطيدة بالجهازين الأمني والاستخباراتي. ومن ممارسات الوزير المعهودة استخدام التقارير الأمنية لإقصاء السفراء والمستشارين الشباب المعروفين بآرائهم المستقلة عن المناصب المهمة. هكذا يحيلهم لما يشبه "الاحتياط" في ديوان وزارة الخارجية، ويحرمهم من المزايا المهنية والمالية التي تتوافر للمبعوثين إلى الخارج.

وتقول مصادر دبلوماسية إن حركة السفراء الأخيرة شهدت تصعيداً مفاجئاً لعدد من المقربين من سفير مصر في ألمانيا، المتحدث الرسمي باسم الوزارة سابقاً، بدر عبدالعاطي، والمعروف بعلاقاته الأمنية. ومن بين هؤلاء المتحدث السابق باسم مجلس الوزراء، حسام القاويش، الذي أصبح سفيراً في العاصمة البولندية وارسو، ورئيس مكتب وزير الخارجية، هشام سيف الدين، الذي أصبح سفيراً في العاصمة السويسرية برن، ومدير الهيئة العامة للاستعلامات، صلاح عبدالصادق، الذي أصبح سفيراً في العاصمة الرومانية بوخارست.

وعلى صعيد السياسة المتشددة مع أعضاء الوزارة، استحدث شكري في مشروع قدمه لمجلس الوزراء لتعديل قانون السلك الدبلوماسي، عدداً من القيود الجديدة، أبرزها إمكانية توجيه جزائين جديدين تحت عنوان "لفت النظر، والتنبيه" للسفراء والمستشارين بالوزارة. وتترتب عليهما عقوبات تكميلية، كالنقل إلى الديوان العام بالقاهرة أو تأخير النقل للخارج سنتين، أو التخطي في الترقية سنتين، وفق المصادر التي أكدت أنه تم استحداث نص يحظر على جميع أعضاء السلك الدبلوماسي الإدلاء بتصريحات أو بيانات عن أعمال وظائفهم، بواسطة النشر في أي من وسائل الإعلام المسموعة أو المقروءة أو المرئية، إلّا إذا كان مصرحاً لهم بذلك خطياً من الرئيس المختص.

وتعتبر المصادر هذه التعديلات القانونية خطوة لتحويل الوزارة إلى الطابع العسكري أو النظامي المنغلق، أسوة بما هو معتاد في الجيش وما استجد في الشرطة والقضاء خلال عهد السيسي.

وكان عام 2014، الذي تولى فيه السيسي رئاسة الجمهورية، قد شهد صدور قرارات متزامنة من جميع الجهات القضائية بحظر التعامل مع الإعلام والتدوين على مواقع التواصل الاجتماعي على أعضاء تلك الجهات من قضاة ومستشارين. كما أصدر النائب العام الحالي، نبيل صادق، قراراً مماثلاً منذ أربعة أشهر، يقضي بحظر تعامل وكلاء ورؤساء النيابات مع الإعلام على خلفية تصريحات بعضهم مع وسائل الإعلام حول قضية مقتل الشاب الإيطالي، جوليو ريجيني، بالقاهرة مطلع العام الجاري.




المساهمون