حلب تحاصر الحصار: المعارضة تقلب الموازين العسكرية وتُقلق روسيا

02 اغسطس 2016
كبّدت المعارضة قوات النظام والمليشيات خسائر كبيرة(أحمد حسن عبيد/الأناضول)
+ الخط -
نجحت المعارضة السورية المسلحة بقلب موازين القوى في حلب لصالحها، مع إطلاق معركة فك الحصار عن المدينة، محققة تقدّماً ميدانياً مهماً، على الرغم من أنها لم تنجح، حتى الساعة، في فك الحصار عن مناطق سيطرتها. هذا التقدّم أثار خوف روسيا التي وصفت الوضع في حلب بـ"المقلق" و"الدراماتيكي"، خصوصاً مع تلقيها ضربة موجعة، تمثّلت بمقتل خمسة من عسكرييها بينهم ضابطان، بتحطم مروحيتهم في ريف إدلب الشرقي.
وأحرزت فصائل المعارضة السورية المسلحة تقدّماً لافتاً في المعركة التي أطلقتها عصر أمس الأول الأحد، وبات مقاتلوها داخل الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة حلب، على تخوم مدرسة المدفعية شرق منطقة الراموسة شديدة التحصين من قوات النظام، فيما كان لافتاً انهيار دفاعات قوات النظام والمليشيات التي تساندها في تلك المناطق، أمام تقدّم فصائل المعارضة.
وبدأت مجريات معركة فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، نحو الساعة الرابعة عصراً من مساء الأحد، عبر تقدّم مقاتلي "جيش الفتح" وفصائل من الجيش السوري الحر، من محاور عدة انطلاقاً من الريف الجنوبي والجنوبي الغربي للمحافظة، على خط جبهة طولي (يبلغ قرابة عشرين كيلومتراً من الشمال حتى الجنوب). وأعلنت المعارضة مبكراً عن سيطرتها على مدرسة الحكمة، التي تستخدمها قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها كثكنة عسكرية، من خلال هجوم استخدمت فيه العربات المفخخة. وتلا ذلك اشتباكات أدت بحسب ما أكدت مصادر "جيش الفتح" إلى مقتل "عدد من عناصر حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى عدد من قوات النظام".
وتزامنت هذه التطورات، مع سيطرة القوات المهاجمة، على خطوط دفاع قوات النظام قرب قرية السابقية جنوب حلب، وعلى قرية العامرية القريبة وعلى تلة الجمعيات الواقعة إلى الغرب منها، وكتيبة الصواريخ إلى الشرق من منطقة خان طومان، وتلال أخرى جنوب المدينة، أبرزها مؤتة، سيرياتيل، المحبة، أحد، قبل أن تعلن فصائل المعارضة المسلحة عن وصول مقاتليها إلى منطقة "مشروع الـ 1070 شقة" في حي الحمدانية بمدينة حلب.
وتكبّدت قوات النظام والمليشيات التي تساندها، خسائر بشرية ومادية كبيرة، قياساً بمعارك سابقة ضد المعارضة، إذ تشير مصادر المعارضة إلى أن عدد قتلى النظام ومليشياته تجاوز الستين، فضلاً عن إعطاب المعارضة السورية عدداً من الآليات والدبابات العسكرية واغتنام أخرى من قوات النظام التي خسرت مواقعها وخطوط دفاعاتها في تلك الجبهة.
وتُعتبر هذه المرحلة الأولى من معركة "الغضب لحلب" بحسب المعارضة السورية، التي تقول، إن فك الحصار الذي يفرضه النظام على الأحياء الشرقية في حلب، هو الهدف الرئيسي للمعركة، لكن المتحدث باسم "جيش الفتح" أبو الحسن، والذي أكد أن القوات المهاجمة باتت "على بعد أمتار من سور مدرسة المدفعية"، قال إن "الهدف ليس فقط فك الحصار وإنما دخول حلب أيضاً".
وعلى الرغم من أن وتيرة المعارك العنيفة، انخفضت نسبياً، أمس الإثنين، (قياساً باليوم السابق) إلا أنها تواصلت، ووفق أنباءٍ أولية عصر أمس، فإن اشتباكات عنيفة دارت في محيط مخيم حندرات (على الجبهة الشمالية لحلب) بين قوات النظام وفصائل المعارضة، التي تمكنت من استعادة المخيم، بعد أن كانت خسرته قبل ذلك.
وفي محصلة المعارك التي ما تزال متواصلة جنوب حلب، فإن فصائل المعارضة السورية المسلحة، باتت على بُعد ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر من فك الحصار المفروض على الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها ضمن المدينة، وهذه المسافة هي الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة في "مشروع الـ1070 شقة" غرباً، وحيي السكري والشيخ سعيد شرقاً، وتفصل بينها مناطق سيطرة النظام هناك، مثل أرض الضباع وتل الزرازير، إضافة للعائق الأكبر أمام قوات المعارضة لوصل مناطق سيطرتها هناك، المتمثل في كلية المدفعية ومدفعية الراموسة غربها.
ويؤكد المسؤول الإعلامي في جبهة "فتح الشام"، موسى الشامي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "يفصلنا عن فك الحصار قرابة ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر"، موضحاً أن "هذه المسافة تضم مدفعية الراموسة، وهي أضخم مدفعية للنظام في حلب". ويشير الشامي إلى أنه "في حال تجاوز المقاتلين مدفعية الراموسة، فإنهم يكونون على تخوم حيي الشيخ سعيد والسكري، ويفصل عن هاتين المنطقتين المحررتين الأوتوستراد".
من جهته، يلفت المتحدث الرسمي باسم حركة "أحرار الشام الإسلامية"، أبو يوسف المهاجر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يتم التجهيز الآن للمرحلة الثانية من معركة فك الحصار عن مدينة حلب، والتي تتضمن التقدّم للسيطرة على كلية المدفعية لفك الحصار".
أما القائد السابق للمجلس العسكري في حلب (التابع للجيش الحر) العميد زاهر الساكت، فيصف في تصريح لـ"العربي الجديد"، نتائج المعارك على الأرض بالممتازة، مشيراً إلى "أنها تسير باتجاهها الصحيح نحو فتح طريق إمداد لداخل حلب يُغني مبدئياً عن طريق الكاستيلو".
وفيما يذكر المسؤول في المعارضة السورية أنه "لا يمكن الحديث الآن عن مستقبل هذه المعارك وفق الخطط الموضوعة"، إلا أنه يؤكد "أهمية ما تم إنجازه حتى الساعة"، كونه "لا يمكن الهجوم على مدرسة المدفعية التي هي قاعدة عسكرية كبيرة للنظام وفيها أعداد كبيرة من مقاتلي المليشيات الإيرانية ولا استهداف التحصينات الكبيرة منها، إلا من خلال ضرب مدرسة الحكمة والمشيرفة"، موضحاً أن "كل عمل عسكري كبير تسبقه أعمال عسكرية تمهد له".



في سياق متصل بالتطورات العسكرية شمال سورية، وغير بعيدٍ عن حلب، قُتل أمس خمسة عسكريين روس، بينهم ضابطان، إثر سقوط مروحيتهم في منطقة تل السلطان، التي تسيطر عليها المعارضة السورية بريف إدلب الشرقي، وتُعتبر امتداداً لريف حلب الجنوبي الذي تقدّمت شماله (على تخوم مدينة حلب) المعارضة السورية في معركة فك الحصار عن حلب. وتبعد جبهات القتال هذه نحو أربعين كيلومتراً (إلى الشمال الغربي) عن مكان سقوط الطائرة، التي لم تتبنَ أي جهة في المعارضة السورية، حتى عصر أمس الإثنين، عملية إسقاطها.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن "المروحية أُسقطت عند عودتها إلى قاعدة حميميم في اللاذقية بعد إيصال مساعدات إنسانية إلى مدينة حلب"، مضيفة أن "الطائرة أسقطت بمضادات أرضية في ريف إدلب، وهي من طراز (مي-8) وعلى متنها خمسة عسكريين روس هم ضابطان و3 أفراد". وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في وقت لاحق، مقتل الجنود الخمسة الذين كانوا على متن المروحية، ما يرفع إلى 18 عدد العسكريين الروس الذين قُتلوا منذ بدء تدخل موسكو في النزاع في سورية، بحسب وكالة "فرانس برس".
وفيما أظهرت مشاهد مصورة بثها ناشطون من إدلب على الإنترنت، حطام الطائرة في المكان الذي سقطت فيه، وجثثاً، بعضها مُتفحم، للطاقم الذي كان داخلها، أشار المسؤول الإعلامي في "حركة أحرار الشام الإسلامية" أبو اليزيد تفتناز لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أحد الطيارين صار في قبضة المعارضة".
هذه التطورات أثارت غضب موسكو، إذ دعا المندوب الروسي الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف، أليكسي بورودافكين، "الدول التي لها تأثير على الجماعات المسلحة إلى الضغط عليها للتوقف عن جرائمها الجماعية". ونقلت وكالة "تاس" عن بورودافكين قوله، أمس، إثر إسقاط المروحية، إن "الجهاديين ردوا على العملية الإنسانية التي تقوم بها سورية وروسيا، بجرائم جماعية"، مشيراً إلى أن الوضع في حلب "مقلق" و"دراماتيكي". واعتبر أن "إرهابيي جبهة النصرة، بالتعاون مع داعش وأحرار الشام، كثفوا من هجماتهم بالمدفعية وقذائف الهاون، مستهدفين الأحياء السكنية وكذلك الممرات الإنسانية والنقاط المخصصة لتقديم المساعدات الإنسانية".
يُذكر أن هذه ثالث مروحية تقر وزارة الدفاع الروسية بفقدانها في سورية، علما أن أول مروحية تم استهدافها بصاروخ "تاو" يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثناء عملية الإنقاذ في مكان تحطم القاذفة "سو- 24" في ريف اللاذقية الشمالي، وتحطمت المروحية الثانية وهي من طراز "مي- 28 إن" في ريف حمص يوم 12 أبريل/نيسان الماضي، كما ذكرت "روسيا اليوم".

المساهمون