حلب تقاوم حصارها... وتحذيرات من كارثة إنسانية

12 يوليو 2016
قرابة 150 ألف نسمة باتوا مهددين (كرم المصري/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب، أمس الإثنين، يومها الخامس فعلياً تحت حصار كامل من قبل قوات النظام السوري والمليشيات المحلية والأجنبية الداعمة لها، والتي باتت منذ يوم الخميس الماضي تسيطر نارياً على طريق الكاستيلو، خط إمداد المعارضة الوحيد إلى مناطق سيطرتها في حلب، ما أدى إلى قطعه، وبالتالي توقف إمدادات المواد الغذائية والطبية عن سكان مدينة حلب، وهو الأمر الذي بدأت تظهر آثاره الكارثية على السكان مع فقد الخضار من الأسواق وارتفاع أسعار المواد الغذائية التموينية. وتتزامن التطورات الميدانية مع استمرار تعثر المسار السياسي، وهو ما بدا واضحاً من تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، في روما أمس الإثنين، والتي أكد خلالها أنه لا موعد محدداً لاستئناف مفاوضات جنيف.


مفاوضات جنيف بلا موعد

ولفت المبعوث الأممي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيطالية "آكي" إلى أن "استئناف المحادثات في جنيف حول سورية سيتم فقط في ظل ظروف مواتية لإجراء مفاوضات حقيقية"، مشدداً على أنه "ليس هناك في الوقت الحالي موعد لاستئناف محادثات السلام بين الأطراف السورية في جنيف".
كما اعتبر دي ميستورا أن "الجولة المقبلة يجب أن تنطلق بشكل جيد، وفي أقرب وقت ممكن"، وذلك "في ظل ظروف تضمن تفاوضاً حقيقياً". كما أكد المبعوث الأممي أن "الأمم المتحدة عازمة على إعادة إطلاق المفاوضات"، واصفاً الوقت الراهن بـ"اللحظة الحاسمة"، حيث "تتوفر لدينا من الآن وحتى سبتمبر/أيلول فرصة مفتوحة نحو إيجاد صيغة تجمع بين مكافحة الإرهاب وإنهاء التوتر السياسي". وفي تأكيد على مركزية الدور الروسي والأميركي، لفت دي ميستورا إلى أن "مفتاح الحل يكمن في إمكانية التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأميركا"، مذكراً بـما وصفه بـ"معجزة" الهدنة التي أعلنت في 26 فبراير/شباط الماضي. لكنه أضاف "لسوء الحظ أنها لم تؤدِ إلى تسريع عملية التحول السياسي"، لذلك "علينا أن نحاول مجدداً". واختتم متسائلاً "لكن هل ستتمكنان (روسيا وأميركا) من الاتفاق، وإن حدث ذلك، فعلى الآخرين (النظام والمعارضة) التكيف مع الأمر، لأنه لا وجود لحل عسكري".
من جهته، دعا وزير الخارجية الإيطالي "موسكو إلى بذل مزيد من الجهد لأجل عملية الانتقال السياسي في سورية"، معتبراً أنه "يمكن (لروسيا) أن تمارس نفوذها على النظام"، كما أن "بإمكانها أن تمنع تفاقم بعض الأوضاع الحساسة جداً على الأرض"، كما هي "الحال مع المناطق المحيطة بحلب"، شمال سورية.



حصار حلب

وتحولت مدينة حلب خلال الأيام الماضية إلى أكثر الجبهات السورية اشتعالاً بعدما ألقى النظام، مدعوماً بغطاء جوي روسي، وبالمليشيات التي تقاتل إلى جانبه، بكامل ثقله لإفشال محاولات الفصائل المسلحة كسر الحصار الذي بدأت قوات النظام بفرضه على المدينة.
وقال شهود عيان من السكان في مناطق سيطرة المعارضة في حلب إن الخضار غابت بشكل كامل عن أسواق المدينة مع مرور خمسة أيام على قطع قوات النظام طريق الكاستيلو، وهو الطريق الذي كان الوحيد الذي تصل من خلاله المواد الغذائية إلى مناطق سيطرة المعارضة.
كما بدأت مواد غذائية أخرى بالنفاد من الأسواق، كمنتجات الألبان والأجبان والبيض واللحوم وغيرها، وهي جميعاً مواد كانت تصل من ريف حلب إلى حلب عبر طريق الكاستيلو. كما أدى قطع قوات النظام للطريق إلى زيادة الطلب على المواد التموينية كالطحين، والأرز، والسكر، وغيرها من المواد، وهو الأمر الذي أدى إلى تضاعف أسعار هذه المواد لمرة أو مرتين في بعض أحياء مدينة حلب التي تسيطر عليها الفصائل التي تواجه النظام.
ويدفع كل ذلك إلى انتظار تفاقم المآسي الإنسانية التي ستصيب سكان مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب، وهي المناطق التي تشكل نحو ثلثي مساحة مدينة حلب، والتي لا يزال يسكنها نحو مائة وخمسين ألف نسمة فقط حتى الآن بعد نزوح نحو مليونين عنها خلال الأعوام الخمسة الماضية. ومع مرور الوقت ستبدأ المواد الغذائية والمستهلكات الطبية بالنفاد، وهو الأمر الذي يرجح وقوع كارثة إنسانية كبيرة قد تصيب سكان حلب في حال استمر حصار النظام لهم.
وفي السياق، قال عمال إغاثة في حلب لـ"العربي الجديد" إنهم لا يتوقعون أن يصل الأمر إلى حد المجاعة خلال أيام قليلة بسبب وجود مخزون من المواد الغذائية التموينية داخل مدينة حلب، إلا أن هذا المخزون لن يكون كافياً لإطعام أكثر من مائة وخمسين ألف نسمة من سكان المدينة الذين باتوا محاصرين بالكامل من قبل قوات النظام السوري بعد قطع طريق الكاستيلو.
وكانت غرفة عمليات فتح حلب، وهي غرفة عمليات تضم أكبر فصائل المعارضة في مدينة حلب، قد طالبت مساء أول من أمس (الأحد)، في بيان نشر على صفحات الغرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، المواطنين في مناطق سيطرة المعارضة في حلب بعدم الاقتراب من طريق الكاستيلو حرصاً على سلامتهم، بسبب استهداف قوات النظام لأي شيء يتحرك على الطريق، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة تسعى إلى تأمين الطريق.
لكن محاولات قوات المعارضة الرامية لتأمين طريق الكاستيلو خلال الأيام الخمسة الماضية قد باءت جميعاً بالفشل، إذ فشل هجوم مشترك شنته الفصائل في حلب على منطقة الملاح التي سيطرت عليها قوات النظام ومليشيات عراقية وأفغانية وقوات حزب الله اللبناني يوم الخميس الماضي، الأمر الذي مكّن هذه القوات من رصد طريق الكاستيلو وبالتالي قطعه بشكل كامل.
ودفع هذا الفشل الفصائل إلى محاولة شنّ هجمات على قوات النظام السوري على جبهات قتال أخرى في مدينة حلب، حيث أصدرت الجبهة الشامية، وهي من فصائل المعارضة الكبيرة في حلب، يوم الأحد، بياناً قالت فيه إن قواتها نجحت بعد تحضير طويل بتنفيذ عملية تسلل إلى داخل قلعة حلب التي تسيطر عليها قوات النظام وسط مدينة حلب، لتنجح القوات المتسللة بقتل عدد من عناصر قوات النظام داخل القلعة قبل أن تنسحب بعد خسارة مقاتل واحد من عناصرها قضى أثناء الاشتباك داخل القلعة.

وجاء هذا الهجوم لقوات المعارضة على القلعة بعد يوم واحد من شّن قوات المعارضة هجمات على نقاط تمركز قوات النظام بمنطقة الراموسة جنوب حلب على خط إمداد النظام السوري إلى مناطق سيطرته في حلب، حيث قصفت قوات المعارضة مناطق تمركز قوات النظام السوري هناك مراراً يومي الجمعة والسبت دون أن تتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في المنطقة. 
وأتبعت قوات المعارضة هجماتها على منطقة الملاح وقلعة حلب والراموسة بهجوم كبير شنته صباح أمس الإثنين على مناطق باب أنطاكية، وسوق الهال، وفرع المرور، وباب الفرج، التي تسيطر عليها قوات النظام السوري في الوسط التجاري لمدينة حلب. وجرت اشتباكات عنيفة على أطراف هذه المناطق أفضت إلى تصدي قوات النظام لهجمات قوات المعارضة دون أن تنجح قوات المعارضة بتحقيق خرق في خطوط قوات النظام الدفاعية وسط مدينة حلب.
وردت قوات النظام على هجوم قوات المعارضة على وسط حلب، أمس الإثنين، بقصف عنيف على مناطق سيطرة المعارضة في أحياء حلب القديمة. وقال الناشط عبد الرزاق المحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن خمسة مدنيين قتلوا وأصيب أكثر من عشرين آخرين في حصيلة أولية نتيجة قصف جوي شنته طائرات النظام على حي باب المقام في حلب القديمة. وترافق ذلك مع قصف مدفعي وصاروخي مكثف من قوات النظام استهدف أحياء الجلوم، وباب قنسرين، والكلاسة، وباب الحديد في حلب القديمة ظهر أمس الإثنين.

المساهمون