بعد عملية ابنَي العم مخامرة... الكل يبحث عن "كارلو"

10 يونيو 2016
"صقور فتح" أول من استخدم سلاح "كارلو"(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
لا يعلم الاحتلال الإسرائيلي من أين ستأتيه الضربة المقبلة، لكن الأكيد أن عملية ابني العم مخامرة في تل أبيب، ليل الأربعاء، أعادت التأكيد بما لا يترك مجالاً للشك في أن الهبّة لم تنته، وإن خفتت لمدة على مدار الأسابيع الماضية، لتعود الانتفاضة بزخم من خلال عملية إطلاق النار بسلاح مصنع يدوياً يسمى فلسطينياً "كارلو"، بعملية نوعية غير مسبوقة منذ سنوات، في قلب تل أبيب، على بعد أمتار من وزارة دفاع الاحتلال. رمت العملية بسؤالين أو لغزين لم تستطع أجهزة الاحتلال حلهما حتى الآن؛ الأول يتعلق بمنفذي العملية، مهندس الإلكترونيات، خالد مخامرة، الذي يدرس في جامعة أردنية، وابن عمه عامل البناء محمد، وكلاهما شابان من مواليد ما بعد أوسلو 1995، لا يملكان أي سجل اعتقال سابق لدى الاحتلال أو السلطة الفلسطينية، ولا ينتميان إلى أي فصيل فلسطيني، مثل الغالبية العظمى من فدائيي الانتفاضة.

ويقول حسام مخامرة، شقيق محمد، لـ"العربي الجديد" إن "محمد عامل بناء في الأردن، وعاد منذ ثمانية أشهر للبلد ليعمل معي ومع والدي في البناء". ويتابع: "نحن أيضاً مستغربون، لا نعرف ماذا جرى مع محمد وخالد، سوى أنهما اختفيا منذ صباح يوم الأربعاء وبعد محاولات اتصالات كثيرة كان هاتفه المحمول مغلقاً، فاتصلنا بالأمن الفلسطيني وأخبرناه عن اختفائهما". ويضيف أنه "مساء عاد لنا الأمن باتصال يفيد بأن هناك عملية في تل أبيب وطلبوا منا متابعة الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة ما إذا كان شقيقي وابن عمي مَن نفذا العملية". أما اللغز الآخر فهو سلاح "كارلو غستاف" وهو السلاح الأكثر استخداماً من الفدائيين منذ اندلاع الهبّة في أكتوبر/تشرين الأول 2015.


"الكارلو" سلاح يدوي الصنع وبدائي، يتم تصنيعه من أي مخرطة كسلاح شعبي، وهو شبيه بـ"الكارلو" المصري أو سلاح "الستن" حسب التسمية الدارجة بين الشبان. ويبدو "الكارلو" رائجاً في الخليل ونابلس على وجه التحديد، إذ تفاخر هاتان المدينتان بسرعة وإتقان صنعه في المخارط أو "المعامل الصغيرة لصناعة الحديد وقطع الغيار البسيطة للآلات"، وبات مشهوراً منذ اندلاع الهبّة الحالية، ويتعرض من يصنعه ويبيعه لملاحقة كبيرة من قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. المفارقة المذهلة أن مخيمات الضفة الغربية تتوفر فيها بندقية "إم 16" بصورة كبيرة، بدليل مشاهدة حفلة عرس واحدة مثل تلك التي شهدها مخيم بلاطة قبل أسابيع قليلة، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي في استغراب لحجم السلاح الموجود، كما يمكن ملاحظة ذلك في أي إشكال عائلي حيث تخرج كل هذه البنادق تحت سمع الاحتلال وبصر السلطة اللذين لا يحركان ساكناً تجاهها. لكن الأمر مختلف مع "كارلو"، فالكل يبحث عنه وعن صانعيه ومروجيه في الدرجة الأولى.

يقول مصدر فلسطيني، فضل عدم الكشف عن هويته، إن "الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة أصبحت تستهدف الكارلو من فترة قريبة، عندما بات يهدد أمن الاحتلال، وقبل ذلك لم يكن يشكل أي خطر، كان سلاحاً مثالياً لإطلاق النار في الأعراس واستقبال المعتقلين، وأيضاً لتصفية الحسابات الداخلية والمشاكل، لكنه الآن بات يشكل خطراً". منذ انطلاق الهبّة قبل 8 أشهر، تم تنفيذ العديد من العمليات الفدائية التي استخدم فيها سلاح "الكارلو"، أبرزها عملية الفدائيين الثلاثة أحمد ناجح أبو الرب ومحمد أحمد محمد كميل وأحمد زكارنة، وجميعهم من قباطية قرب جنين، الذين نفذوا عملية إطلاق نار في باب العامود في القدس المحتلة في 3 فبراير/شباط، أسفرت عن قتل مجندة وإصابة عدد آخر من جنود الاحتلال، وعملية أخرى نفذها الشهيدان منصور عبد العزيز الشوامرة وعمر محمد عمر في 14 فبراير/شباط 2016، في القدس المحتلة، وكلاهما من القبيبة قرب القدس.


ووثقت وسائل الإعلام عملية أخرى في آذار/مارس 2016، نفذها عبد الملك أبو خروب ومحمد جمال الكالوتي قرب باب العمود في القدس، وهما من كفر عقب قرب القدس، مع ترجيح أن السلاح المستخدم من صنف "الكارلو" أيضاً. استخدام هذا السلاح جاء لمميزاته الكبيرة، فهو عبارة عن ماسورة من الحديد الصلب بقطر معين، يحولها الخراط إلى سلاح قاتل، وزنه أقل من كيلوغرامَين، وهو سهل التصينع، تصل كلفة تصنيعه إلى أقل من 100 دولار، لكنه يباع من مصدره بنحو 800 دولار. الأهم من ذلك أنه لا يملك رقماً متسلسلاً، أي من المستحيل تتبعه كما هو حال بندقية "إم 16" أو الكلاشينكوف. يتسع مخزن "الكارلو" إلى 30 رصاصة، تنطلق دفعة واحدة حيث لا يستطيع القنص من مسافة بعيدة، فضلاً عن أن وقوع "الكارلو" على الأرض بشكل عرضي قد يؤدي إلى إفراغ مخزنه من الرصاص بشكل عشوائي بسبب بدائية صنعه، لذلك هو سلاح غير آمن.

تسعى سلطات الاحتلال وأجهزة الأمن التابعة للسلطة إلى تفكيك كل المخارط التي يشتبه في أنها تصنع هذا النوع من السلاح. وارتفعت وتيرة ملاحقة المخارط والخراطين منذ شهر فبراير/شباط الماضي، ووصلت ذروتها في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام الجاري. وتشير المصادر إلى قيام أجهزة أمن السلطة بتاريخ 27 فبراير/شباط، إلى اعتقال خلية من مخيم بلاطة تضم نحو 20 شاباً بحثاً عن أسلحة "كارلو" بحوزتهم. وفي شهر آذار/مارس، تم اقتحام قرية سالم شرق نابلس، والإغارة على معمل بدائي لتصنيع السلاح، حيث قام جهاز الأمن الوقائي بنقل الآلات الموجودة على شاحنات ومصادرتها.

ازدادت وتيرة اقتحام قوات الاحتلال للمخارط، بتهمة أو من دون تهمة، حيث شنت عملة عشوائية على المخارط وصلت ذروتها بعد عملية "الثأر المقدس" في 8 آذار/مارس، التي نفذها الشهيد فؤاد أبو رجب التميمي في باب العامود، وشنت في إثرها قوات الاحتلال أعنف اقتحامات لمخارط في قرى ومخيمات مثل سلوان والسواحرة وشعفاط ومخيم بلاطة شرق نابلس، والخليل. أول ظهور لـ"الكارلو" كان في الانتفاضة الأولى عام 1987 على يد "صقور فتح"، مثل الشهيد حكم أبو عيشة، وفي الانتفاضة الثانية مع الشهيد، أحمد الطبوق، الذي كان يحمل "كارلو" أيضاً. لكن استخدامه تراجع كثيراً في الانتفاضة الأولى بسبب دخول السلاح الأوتوماتيكي إلى الأراضي الفلسطينية، ووفرته بين الأيدي مهرباً من إسرائيل، تحديداً بندقية إم 16.

المساهمون