كاميرون يستنجد بـ"العمال": طوق نجاة للبقاء بـ"الاتحاد الأوروبي"

04 يونيو 2016
خلال مشاركة كاميرون وخان في حملة البقاء بالاتحاد (Getty)
+ الخط -
استدار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مائة وثمانين درجة بموقفه السياسي من عمدة لندن الجديد، صادق خان، إذ لم تمض سوى أيام قليلة منذ حذّر كاميرون الجمهور من التصويت لصالح خان "المتعاطف مع الإسلاميين المتطرفين"، حتى عاد أخيراً للإشادة به، واصفاً إياه بـ"مسلم وبريطاني فخور"، وذلك خلال مشاركتهما في تجمع يهدف إلى حث البريطانيين على التصويت للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

من جهته، ظهر خان قبل أيام وكأنه تجاوز التصريحات السابقة لكاميرون، ومستعداً "لتناسي الخلافات، والعمل مع الحكومة، لما فيه مصلحة مواطني لندن"، على حد تعبيره. ولا ينظر الكثير من المراقبين لتحوّل كاميرون ببراءة. بل يرى هؤلاء أنّ في ذلك مناورة جديدة من رئيس الوزراء لكسب مؤيدي خان لصالح حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما أنه يخسر التأييد داخل حزبه وحكومته بعد إعلان عدد من قيادات الحزب التاريخية، ومجموعة من الوزراء، ونحو نصف نواب حزبه عدم رضاهم عن إدارته لحملات البقاء، أو دعمهم الخروج من الاتحاد، مخالفين بذلك توجهات كاميرون.

ولا يبدو كاميرون متردداً أو خجولاً من الاستنجاد بعمدة لندن العمالي، أو الانحناء أمام زعيم حزب العمال المعارض، جيرمي كوربين، طالما لم يعد خافياً أن مصيره السياسي بات مرتبطاً، بشكل وثيق، بنتائج استفتاء الـ23 يونيو/حزيران الحالي.

انقسامات المحافظين

وخرج الجدل حول مستقبل كاميرون في رئاسة الحكومة وزعامة الحزب من الغرف المغلقة بعدما أكد العضو في حزب المحافظين، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أندرو بريدجن لمحطة "بي بي سي" أن نحو 50 نائباً محافظاً يستعدون للتصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء في حال خسر في الاستفتاء لصالح البقاء في الاتحاد.

وهو ما أكده وزير المالية السابق، كين كلارك، بالقول إن "كاميرون لن يبقى في منصبه 30 ثانية إنْ خسر الاستفتاء". وأثنت عليه النائبة عن حزب المحافظين البريطاني، نادين دوريس، الأحد الماضي، بالقول إن "هناك العديد من النواب الذين سيطالبون كاميرون بالتنحي إذا لم تحقق حملة البقاء انتصاراً واضحاً في الاستفتاء المقبل على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، أو إذا خسر الاستفتاء".

وازداد الضغط على كاميرون خطورة بعدما رفع ثلاثة من أبرز القيادات المخضرمة لحزب المحافظين الحاكم عريضة للجنة "1922" (مؤلفة من أعضاء حزب المحافظين في مجلس العموم البريطاني) لسحب الثقة منه. وقال أحد أشهر أعضاء مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين الحاكم سير بيل كاش، في حوار مع صحيفة "تلغراف" إنه بعث برسالة خطية لرئيس لجنة "1922" غراهام برادي، لسحب الثقة من كاميرون. وأضاف: "لقد انخرطنا مع هذه القيادة في حملة تضليل كبرى، ولا أعتقد أنه بقي لدينا الكثير من الوقت لتصحيح المسار".

وبحسب القواعد الحاكمة لحزب المحافظين، فإن توجيه عريضة موقّعة من 50 عضواً في البرلمان لأعضاء لجنة القيادة التاريخية "1922" تكفي لسحب الثقة من كاميرون. وبينما وصفت صحيفة "تلغراف" الموقف بأنه "انقلاب" في زعامة الحزب الحاكم، لأنها المرة الأولى التي يحتج فيها رموز كبار للحزب على سياسات كاميرون، رأى الكاتب البريطاني سيباستيان بين، أن "لا شيء يهدد كاميرون في منصبه القيادي، خارج حدود حزب المحافظين، وليس ثمة شهية لثورة داخلية". ونبّه الكاتب في صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية إلى أنه "من السهل وسط هذا الصخب اعتقاد أن حزب المحافظين ينزلق نحو حرب أهلية شاملة، وأن كاميرون يواجه نهايته. لكن هؤلاء الغاضبين ينبغي أن يتذكروا أنه قبل عام واحد، تم اختيار كاميرون من الناخبين البريطانيين لقيادة البلاد، واختيار حزبه المحافظين ليحكمها".



ويبدو أن خصوم كاميرون أو منافسيه من الطامحين بزعامة الحزب ورئاسة الحكومة، وفقاً لمراقبين، وجدوا في الانقسام داخل حزب المحافظين حول مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وغضب الكثير من قيادات الحزب من سوء إدارة كاميرون لحملة البقاء واعتماد أساليب "الترهيب والتهويل والتضليل" لحثّ الناخبين على دعم توجهاته، فرصة للتحول بحملة الاستفتاء إلى "نوع من المساعي لإطاحة كاميرون، والإعداد لوصول عمدة لندن السابق، بوريس جونسون لقيادة الحزب"، كما قال كين كلارك. ويأتي ذلك بعدما أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" لصالح صحيفة "التايمز"، نشر قبل أيام أنّ 18 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع يثقون بكاميرون الذي يتزعم حملات من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي، في حين حصل بوريس جونسون خصمه المحافظ، الذي يتزعم حملة التصويت للخروج من الاتحاد على 31 في المائة، وتلاه زعيم حزب العمال المعارض، جيريمي كوربين بـ28 في المائة.

كما كشف استطلاع للرأي، أخيراً، أنّ أكثر من نصف البريطانيين يؤيدون استقالة كاميرون إذا صوتت بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وأظهر مسح أجرته مؤسسة "بي أم جي"، ونشرت نتائجه صحيفة "ايفننغ ستاندرد "، قبل أيام، أن جونسون هو المرشح الأوفر حظاً لخلافة منصب زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء
. لكن الاستطلاع وجد أن 53 في المائة من المصوتين لصالح حزب المحافظين يفضلون بقاء كاميرون في منصب رئيس الوزراء حتى العام 2020 موعد الانتخابات العامة المقبلة.

وعلى الرغم من الحرب الشرسة الحالية بين جونسون وكاميرون حول عضوية الاتحاد ‏الأوروبي، وربما في محاولة لتبديد أي محاولات "انقلاب" أو "شرخ" في صفوف المحافظين وقيادة كاميرون، سارع الأخير أثناء مشاركته في قمة مجموعة السبع في اليابان، أخيراً، إلى وصف عمدة لندن السابق ‏بأنه "شخصية كبيرة" في وضع مثالي لخلافته على الرغم من كونه "على الجانب الخطأ" في ‏الاستفتاء. ‏وأصرّ كاميرون على أن جونسون لا يزال أحد المنافسين الرئيسيين لتولي رئاسة الوزراء، ‏بجانب وزير الخزانة جورج أوزبورن، ووزيرة الداخلية تيريزا ماي.‏


في المقابل، أكد جونسون أنه لا يسعى لاستغلال حملات الاستفتاء حول مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لطرح نفسه مرشحاً بديلاً عن كاميرون. ونفى في تصريحات صحافية التقارير التي تتحدث عن نوايا البعض داخل حزب المحافظين للانقلاب على كاميرون.
كما أعرب وزير العدل البريطاني، مايكل غوف، أبرز قيادات المحافظين الداعين للخروج من الاتحاد الأوروبي، عن رغبته في بقاء ديفيد كاميرون رئيساً للوزراء، نافياً أن يكون يريد تولي قيادة البلاد مكان زعيم حزب المحافظين. وبسؤاله عما إذا كان يرغب في العمل تحت إمرة عمدة لندن السابق بوريس جونسون، المرشح بقوة لخلافة ديفيد كاميرون، أجاب غوف في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "بالتأكيد لا… فأنا أرغب في استمرار ديفيد كاميرون حتى الانتخابات المقبلة".

وتشير بعض المصادر إلى أن كاميرون، وفي محاولة لرأب الصدع، ألقى بـ"رشوة" لمنافسه "اللدود" بوريس جونسون، عندما كشفت صحفية "ذا صن"، المقرّبة من كاميرون، أن جونسون سيدخل الحكومة ضمن ‏التعديل الوزاري المُقرر إذا فازت حملة "البقاء"، في استفتاء 23 يونيو/حزيران الحالي، إذ من المنتظر ‏الإطاحة بخمسة وزراء بينهم وزير الخارجية، فيليب هاموند، كما ذكرت "ذا صن". ‏

على الرغم من كل ذلك، تزايد الشقاق بين قيادات حزب المحافظين خلال اليومين الماضيين بعدما شدد رئيس الوزراء البريطاني، في مناظرة تلفزيونية، على ضرورة بقاء بلاده ضمن الاتحاد الأوروبي في موقف مناقض لجونسون وغوف، اللذين تعهدا بفرض "قوانين مشددة بخصوص المهاجرين لبريطانيا تتضمن إلزامهم بتحدث الانكليزية وامتلاك المهارات اللازمة للحصول على عمل، واجتياز نظام مبني على نقاط على غرار النظام في أستراليا قبل منحهم حق دخول البلاد والإقامة فيها" إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي إدراك لحجم التحديات التي يواجهها الحزب، قال كاميرون، أمس الجمعة، إن حزب المحافظين سيتحد مرة أخرى ويعيد لمّ شمل صفوفه وقياداته بعد انتهاء حملة الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، التي شهدت انقسامات بين الشخصيات الرئيسية في الحكومة. كما أشار كاميرون لشبكة "آي تي في" إلى أنه يعتقد أن حزبه سيتوحد مرة أخرى، ويشكل حكومة إصلاحية مع اقتصاد يتقدم.


حزب العمال مستفيداً

وليس بعيداً عما يجري من "حرب أهلية" داخل حزب المحافظين، يظهر حزب العمال المعارض مستفيداً، بل ومتأهّباً لانتخابات عامة مبكرة، كما يقول الزعيم العمالي المخضرم، نائب رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، اللورد بريسكوت. ودعا الأخير في مقال نشرته صحيفة "الميرور" البريطانية، حزبه (العمال) إلى "دعم زعيم العمال جيرمي كوربين، الذي يبدو محقاً في تجهيز الحزب لانتخابات مبكرة، لأنه مهما كانت نتيجة الاستفتاء المقبل، فإن حزب المحافظين سيمزّق نفسه بنفسه، وستكون هناك مساع للإطاحة بديفيد كاميرون من منصبه حتى لو تطلب ذلك سحب الثقة وإجراء انتخابات".

هنا، يبدو موقف حزب العمال أمام مفارقة مُحرجة، إذ يتوافق "العمال" مع كاميرون في تأييد البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن أصوات أعضائه وناخبيه، أو معظمهم على الأقل، ستصبّ لصالح كاميرون، في ما يشبه رمي طوق نجاة للأخير من "الانقلاب" أو "تصويت الثقة". في المقابل يتمنى "العمال" خسارة كاميرون الاستفتاء، ما يعني توسُّع شق الخلاف بين كاميرون وحزبه، مما يُمهد الطريق نحو انتخابات عامة مُبكرة قد تُؤدي إلى عودة "العمال" للحكم، بعد غياب ليس بالطويل، منذ خسارته في انتخابات العام 2010.

وفي تلخيص للمشهد السياسي الذي يخيم على الساحة البريطانية، كتب المحلل السياسي في صحيفة "ذا غارديان"، جون هاريس، مقالة أمس، انتقد فيها قيادة رئيس الحكومة. وقال هاريس "إننا نشهد بداية الانحدار المأساوي لقيادة كاميرون"، معتبراً أن "نتائج الاستفتاء ستعني نهاية حقبة كاميرون التي تميزت بالتردد والتراجع عن القرارات والسياسات الفارغة"، على حد وصفه. ولفت هاريس إلى أن "أي نجاح لكاميرون في الاستفتاء، سيكون بفضل تأييد حزب العمال لحملة (البقاء) في الاتحاد".

تباين استطلاعات الرأي


في غضون ذلك، تتباين نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها المؤسسات المختصة لصالح وسائل الإعلام البريطانية فيما يخص توجهات الجمهور البريطاني من الاستفتاء. وبينما أظهر استطلاعان جديدان للرأي أجرتهما أمس مؤسسة "آي.سي.إم" تقدم نسبة مؤيدي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على مؤيدي البقاء داخل الاتحاد، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "أو بي آر" لصالح صحيفة "ذا ديلي تلغراف" عن تقدم حملة "البقاء" في الاتحاد الأوروبي على الحملة المؤيدة للخروج منه. وأظهرت نتائج الاستطلاع التي أُعلنت، قبل أيام، أن حملة "البقاء في الاتحاد" جاءت في المقدمة بنسبة 51 في المائة مقابل 46 في المائة لحملة "الخروج من الاتحاد". كما أظهر الاستطلاع تقلص الفارق بين الاتجاهين بعد نشر مكتب الإحصاء الوطني لتقرير كشف فيه عن زيادة عدد المهاجرين إلى البلاد بشكل كبير العام الماضي، مما ساعد على تعزيز التأييد لحملة الخروج المناهضة للهجرة والحدود المفتوحة مع دول الاتحاد الأوروبي.