أخوند زاده زعيماً لـ"طالبان"...المصالحة الأفغانية مرشحة لتصدّر جدول الأعمال

26 مايو 2016
يفضّل أخوند زاده الحل السلمي للمعضلة الأفغانية(رسم: أنس عوض)
+ الخط -
بعد نقاشات طويلة لقادة حركة طالبان الأفغانية في اجتماعات عُقدت بمدينة كويتا الباكستانية، على مدى اليومَين الماضيَين، تم اختيار الملا هيبة الله أخوند زاده خلفاً للملا أختر منصور الذي قُتل جراء غارة أميركية نُفّذت في إقليم بلوشستان، جنوب غرب باكستان. وبعد اعترافها بمقتل زعيمها، وإعلان خليفة له، توعّدت الحركة الحكومة الأفغانية والقوات الدولية العاملة في أفغانستان بالرد، مشيرة إلى أن "طالبان" ماضية نحو الهدف المنشود مهما خسرت من قياداتها.

الملا أخوند زاده، المعروف في أوساط "طالبان" بـ"شيخ الحديث" وعالم الدين الذي يُجمع عليه القادة وتعود إليه الأمور الدينية وكثير من المسائل الجهادية للفصل فيها، لم يكن معروفاً في الساحة السياسية والجهادية قبل أن يتم تعيينه النائب الأول لزعيم "طالبان" الراحل، الملا أختر منصور، في يوليو/ تموز الماضي. كما أُشيعت بشأنه أخبار كثيرة، منها أنّ الملا منصور همّش دور الرجل، وحدّ من نفوذه لأنه ينتقد سياساته، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع قيادات "الحركة" المنشقين عنها. ويؤكد قيادي في "الحركة"، لـ"العربي الجديد"، أنّ عدداً كبيراً من القياديين الذين رفضوا مبايعة منصور بعد تعيينه خلفاً للملا عمر، عادوا إلى "الحركة" بسبب جهود أخوند زاده وقادة آخرين، وأنّ الزعيم الجديد لطالما عمل لتوحيد صف "طالبان".

بعد مقتل الملا منصور، السبت الماضي، بدأت قيادات "الحركة" تناقش هوية خليفته، وشكّلت هيئة مكوّنة من سبعة قياديين لتعيين أحد المرشحين الأربعة لزعامة "طالبان"، وهم: النائب الأول لمنصور، الملا هيبت الله أخوند، وزعيم شبكة حقاني، الملا سراج الدين حقاني، والنائب الثاني لمنصور، الملا يعقوب نجل الملا عمر، والقيادي في الحركة، الملا شيرين الذي تولى مناصب عديدة لفترات مختلفة.

ويؤكد القيادي نفسه أنّه كان من المتوقع اختيار حقاني زعيماً لـ"طالبان"، لكن السلطة العليا في "الحركة" (شورى كويتا) رفضت ذلك. كما أنّ عدداً من القياديين لم يرغبوا في قيادة الملا يعقوب لصغر سنه. أما شيرين، فانحصرت مسؤولياته في الشؤون المالية، ولم يكن رجلاً ذا نفوذ. بالتالي، وقع الاختيار على الملا هيبة الله أخوند زاده على أن يكون كل من حقاني والملا يعقوب نائبَيه، وفقاً للقيادي.

ولد أخوند زاده (50 عاماً)، في مديرية بنجواي الحدودية مع باكستان في إقليم قندهار، جنوبي أفغانستان. ينتمي الرجل إلى قبيلة نورزي الشهيرة والعريقة في جنوب البلاد. تعلّم في المدارس الدينية المختلفة بأفغانستان وباكستان. ساهم في الجهاد الأفغاني ضد الروس في صغره. مع نشوب المعارك الداخلية بين المجاهدين، هاجر أخوند زاده إلى باكستان وبدأ عمله في المدارس الدينية المختلفة.


كان الزعيم الجديد من أوائل المنضمين إلى حركة طالبان. شغل فيها مناصب علمية وقضائية مختلفة. كان مسؤول المحاكم العسكرية الخاصة بمحاكمة المسؤولين في "طالبان" والحكومة. شغل منصب نائب رئيس المحكمة العليا أثناء حكومة طالبان، لكن بسبب عدم شغفه بالشهرة، بشهادة أصدقائه، لم يخرج إلى العلن، ولم يكن وجهاً معروفاً في "الحركة".

مع سقوط حكومة طالبان ودخول القوات الأميركية إلى أفغانستان عام 2001، خرج أخوند زاده من أفغانستان كغيره من قيادات الحركة، وشغل منصب رئيس شورى العلماء في "طالبان" بمدينة كويتا، جنوب غرب باكستان، فضلاً عن كونه رئيس جميع محاكم طالبان. إلى جانب مهامه في الحركة، كان الرجل يدير مدرسة "خير المدارس" الدينية، حيث يسكن، في منطقة كشلاك بضواحي مدينة كويتا، حتى بداية الصيف الحالي، وكان يدّرس فيها كتب الحديث.

بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر في يوليو/ تموز 2015، وتعيين الملا منصور خلفاً له، صار هيبة الله أخوند النائب الأول لزعيم الحركة. ومع نشوب الخلافات الداخلية ووقوع الانشقاقات في صفوف "طالبان"، بدأ الرجل يعارض سياسة منصور في التعامل مع بعض دول المنطقة، ومنها إيران، إذ كان منصور يرغب في توطيد العلاقة بها وأخوند زاده كان يريد السير على سياسات الملا عمر في التعامل مع جميع الملفات ومنها العلاقات مع دول الجوار كافة. كما أدّى دوراً مهماً في جمع الكثير من قيادات الحركة مرة أخرى بعدما انشقوا عنها.

ويرى قياديون في الحركة ومحللون سياسيون ومراقبون لسير الأحداث والشؤون التي تخص "طالبان" أنّ الزعيم الجديد شخصيته محطّ إجماع كل قيادات الحركة. والرجل معروف بهدوئه، إذ يتعامل برويّة مع كافة القضايا التي تتعلق بـ"الحركة" وأفغانستان، ويفضّل الحل السلمي للمعضلة الأفغانية بدلاً من الخيار العسكري، كما يقول قيادي في "طالبان". ويؤكد هذا الأخير أن تعيين الرجل سيساعد عملية المصالحة بين الأطياف الأفغانية.

ويعتبر هؤلاء المراقبون والمحللون أنّ تعيين أخوند زاده سيساعد في إتمام عملية المصالحة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، كما أنه سيؤثر بعلاقات حركته مع كل من طهران وروسيا، ويقلّل من تأثير باكستان على الحركة، لا سيما أنّ ثمة من يقول إن مقتل منصور جاء نتيجة تعاون باكستان مع الولايات المتحدة.