سرت تفجّر تناقضات السياسة الليبية

30 ابريل 2016
تنتظر سرت معارك قاسية ضد "داعش" (محمود تركية/الأناضول)
+ الخط -

كان يوم الخميس، مكثفاً في ليبيا، بدءاً من البيان الصباحي للمجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، ثم كلمة له مساءً، فكلمة متلفزة لرئيس حكومة طبرق عبد الله الثني. وعكست كل هذه المواقف ذروة الأزمة التي وصل إليها المشهد الليبي، بما يهُدّد بحرب أهلية أخرى، لم يتوانَ السراج عن ذكرها بالاسم في بيانه.

ولم تكن هذه البيانات والمواقف متأتية من فراغ، أو مجرد مواقف سياسية وتسجيل نقاط، بل تعكس حقيقة حالة الانقسام والتشظّي التي تزايدت في البلاد في الآونة الاخيرة، وبلغت حدّ المواجهة على أعتاب مدينة سرت، إذا ما تمّت بالشكل الذي يعلنه المتوجهون إليها من الشرق والغرب. وبدلاً من أن تكون العملية لمحاصرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المستولي على المدينة، تزايدت المخاوف من أن يتواجه المحررون على أبوابها، بسبب رغبة كل طرف في السيطرة عليها، لأهميتها الاستراتيجية.

ولم يُقلّل دخول حكومة السراج إلى طرابلس من حالة الانقسام الليبي، بل يبدو أنها زادت الوضع السياسي تعقيداً، وأصبح في البلاد ثلاث حكومات (طبرق وطرابلس والوفاق)، وبرلمانان في طبرق (أغلبية مؤيدة لحكومة الوفاق بأكثر من مائة نائب، وأقلية معارضة لها بحوالي سبعين نائباً)، ومؤتمران في طرابلس (أغلبية شكّلت مجلس الدولة الأعلى وأقلية بقيت تدافع عن المؤتمر العام بقيادة نوري بوسهمين)، ومجلس رئاسي منقسم بسبب مقاطعة عضوين منه، هما عمر الأسود وعلي القطراني.

بالإضافة إلى هذا الانقسام السياسي، فقد اتجهت كل مدينة في اتجاه دعم طرف من هذه الأطراف، كما توزّع الدعم الدولي أيضاً لتلك الأطراف، على الرغم من صدور تصريحات داعمة للسراج في الظاهر. غير أن أكثر من طرف يراقب المشهد وينتظر ما ستؤول إليه الأحداث على الأرض، قبل دعم فريق ما. وأمام خطورة هذا الوضع، تقدم السراج للتنبيه من الحرب الأهلية، محاولاً توحيد الجهود لمحاربة "داعش" في سرت، واقتناص الفرصة الأخيرة قبل لحظة الحسم ونقطة اللاعودة.

وتكشف معطيات الخميس، مدى تسارع المواقف السياسية، ففي حين كانت كلمة السراج صباحاً تحذيرية وقوية ومذكرة بأنه القائد الأعلى للجيش، جاء موقفه مساءً أكثر ليونة، ومتضمّناً دعوات الاجتماع بدل الافتراق، غير أنها كانت مجرد مواقف سياسية لم يُبيّن السراج كيف سينفّذها على الأرض. وبعد تحذير السراج، خرج الثني ليدعم "توجّه الجيش" الذي يدعمه إلى سرت.


في المقابل، أصدر عضو المجلس الرئاسي المقاطع، علي القطراني، بياناً ذكر فيه أن "إدخال صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة بالطريقة التي عبّر عنها بعض أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بيانهم الأخير هو مؤامرات".

وذكر القطراني أن "صفة القائد الأعلى ما تزال، وإلى حين تعديل الإعلان الدستوري، يمتلكها مجلس النواب المنتخب"، معتبراً أن "الخطوة التي أقدم عليها المجلس الرئاسي مزورة وباطلة". ورأى القطراني أن "الخطوة مخالفة للاتفاق السياسي الذي ينصّ على ضرورة حضور الرئيس وكامل نوابه".

وليلاً، عاد السراج من جديد ليغيّر من لهجته، مذكراً بأن "مجلس النواب يبقى الجهة الشرعية كما ينص على ذلك الاتفاق السياسي"، داعياً إياه لاستكمال استحقاقاته، أي منح الثقة للحكومة. ولكن السراج يدرك أن عقدة الملف الليبي هي القوى العسكرية والمليشيات والجيش المشتت بين طرابلس وطبرق، ويعلم أن حلّ المعضلة الليبية يمرّ حتماً بعد توحيد هذه القوى.

لذلك كشف في كلمته أن المجلس بالتنسيق مع وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني العقيد المهدي البرغثي، بدأ الاتصال بجميع قيادات الأركان والقيادة العامة للجيش وبكل القيادات العسكرية في الشرق والغرب والجنوب، لوضع الترتيبات اللازمة لمباشرة عملية تحرير سرت. تحديداً لناحية تأمين المتطلبات المالية والفنية العسكرية، وكذلك إيجاد غرفة مشتركة للعمليات تضمن مشاركة القوات المسلحة الليبية في كافة أنحاء البلاد.

ولكن هذه الاتصالات لم تكشف حقيقة عن الجهات المعنية، وما إذا كانت تتضمّن قائد الجيش في طبرق خليفة حفتر أم لا. ويشير إعلان المجلس الرئاسي، بأنه "القائد الأعلى للجيش"،  حتماً إلى إقصاء حفتر من المشهد. وهو ما يطرح السؤال ما إذا تمّ الاتفاق على حلّ لمعضلة المادة الثامنة من الاتفاق السياسي التي يطالب الشرق بإلغائها من أجل ضمان بقاء حفتر.

مع العلم أن المادة رقم (8) الواردة في الأحكام الإضافية في الاتفاق السياسي، تنصّ على أن "تنتقل جميع صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العلیا المنصوص علیھا في القوانین والتشریعات اللیبیة النافذة، إلى مجلس رئاسة الوزراء فور توقيع ھذا الاتفاق". كما تطرّق اجتماع لجنة الحوار السياسي، في تونس، يوم الخميس، لهذه المادة، من دون البتّ فيها، لتغيّب عدد من أعضائه عن الاجتماع الذي أُحيط بسرية كبيرة.

غير أن بيان المجتمعين اكتفى بـ"دعوة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إلى ضرورة تنفيذ ما نصّ عليه الاتفاق السياسي بشأن الترتيبات الأمنية، ودعوة مجلس النواب للوفاء بالتزاماته بما في ذلك إجراء تعديل الإعلان الدستوري والتصويت على الحكومة، وضرورة التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، بما يتعلق بتشكيل مجلس الدولة، والتزام كافة المؤسسات المنصوص عليها في الاتفاق". 

وكشفت العضو في الحوار نعيمة جبريل، التي حضرت الاجتماع، أن "أعضاء الحوار السياسي أجمعوا خلال الجلسة، على عدم فتح الاتفاق السياسي، لأن ذلك سيساهم في انهيار الاتفاق على حدّ قولها". وأضافت في تصريحات لـ"بوابة إفريقيا" الليبية، أنه "تم خلال الجلسة التطرق للمادة رقم 8 في الاتفاق السياسي، لكن لم يتخذ في شأنها أي إجراء نظراً لتغيّب بعض الأطراف عن الجلسة"، مشيرة إلى "إمكانية التطرق لهذه المادة، خلال المرحلة المقبلة". ورجّحت إمكانية تجميدها، مستبعدة "إسقاط المادة، لأن الأمر سيقتصر على معالجة طريقة تنفيذ هذه المادة".

وتشير عبارة "طريقة تنفيذ المادة"، إلى إمكانية البحث في تقديم الضمانات التي يطالب بها شرق البلاد حول الدور الذي يمكن أن يؤديه خليفة حفتر في مستقبل الجيش الليبي، والتوافقات الضرورية التي سيكون على السراج والدول الراعية إبرامها.