عائلة صب لبن المقدسية... صمود رغم تفريق الاحتلال لأفرادها

28 ديسمبر 2016
خاضت عائلة صب لبن معركة قضائية طويلة(صور وزعتها العائلة)
+ الخط -
لم تنته المعركة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة للمواطنة المقدسية نورة غيث صب لبن وباقي أفراد عائلتها. نورة (في الستينيات من عمرها)، وهي من سكان عقبة الخالدية في بلدة القدس القديمة، تعدّ مع أسرتها ضحية جديدة من ضحايا الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وضحية سياسة الطرد من عقار تقيم فيه عائلتها منذ عام 1953 بموجب إيجار موقّع مع حارس أملاك العدو (الأردني) في حينه.

بعد معركة قضائية مستمرة منذ نحو عقدين، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قبل أيام، قراراً بالتفريق بين نورة وأبنائها وأحفادها: الابن الأكبر أحمد، وهو باحث وناشط في مجال حقوق الإنسان، كما يعد خبيراً في شؤون الاستيطان. متزوج ورب أسرة مكونة من ثلاثة أفراد. أما رأفت فهو ناشط وباحث في مجال حقوق الإنسان، وشقيقتهما لمى، والأخيران أعزبان. وكلاهما، كما شقيقهما أحمد، يقيمون مع والديهم في العقار المهدد بالاستلاب والاستيلاء. قرار المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، قضى بالإبقاء على وجود المواطنة المقدسية نورة وزوجها مصطفى في العقار لعشر سنوات فقط، ليسلم بعد ذلك إلى مستوطنين يدعون ملكيتهم له قبل عام 1948، مخالفة بذلك قراراً سابقاً ببقاء المواطنة المقدسية في العقار حتى آخر يوم في حياتها.


يقع منزل العائلة وسط عقبة الخالدية، وتحيط به العديد من البؤر الاستيطانية التي أحدثها المستوطنون في عقارات قديمة استولوا عليها من المقدسيين قبل سنوات. وأصبح المنزل يجاور مساكن اتخذتها عائلات من المستوطنين بيوتاً لها. وفي جزء من هذه العقارات، أوجدوا كنساً ومدارس تلمودية ومقرات لجمعيات استيطانية مثل عطيرات كوهانيم وعطيرت ليوشناه.
وليس بعيداً عن منزل العائلة المقدسية يوجد المقر الرئيس للمدير التنفيذي لجمعية عطيرات كوهانيم، ماتي دان، وثيق الصلة بالمليونير اليهودي إيرفيتغ موسكوفيتش، الذي توفي قبل أشهر، واشتهر بكونه عرّاب الاستيطان في القدس المحتلة وما تاخمها من أحياء وبلدات مقدسية مثل: سلوان، ورأس العمود، والشيخ جراح.
وسط هذا الحضور الاستثنائي والشاذ، عاشت عائلة المواطنة المقدسية على مدى سنوات طويلة منذ أن تفشى وجود المستوطنين في المنطقة، عقب مصرع مستوطن يهودي هناك يدعى إلياهو عميدي في عملية طعن نفذها شابان من منطقة جنين واعتقلا لاحقاً. كان على هذه العائلة المقدسية والعديد من العائلات في المنطقة، ومنها عائلة حشيمة وأبو رجب والزرو، أن تواجه تغول الاستيطان والمستوطنين وتحمل أذاهم اليومي.


نورة غيث صب لبن: سأبقى في منزلي حتى آخر يوم من حياتي


قرار المحكمة العليا الأخير بالنسبة لنورة، شكل ذروة المواجهة والتصعيد بحق عائلتها. لكن المعركة بالنسبة إليها لم تنته. وأكدت في حديثها مع "العربي الجديد" أنها باقية في منزلها حتى آخر يوم في حياتها. وأضافت: "اللي من الله يا ما أحلاه. إحنا صامدين ومرابطين. القرار كتير صعب علينا. بدهم يشتتوا ابني وأولاد ابني وبنتي وابني اللي مش متزوجين عني... إحنا كلنا ساكنين مع بعض. بدهم يكسرونا، لكن فشروا". واستطردت بالقول "بالنسبة إلي، رح أظل لآخر يوم من حياتي في بيتي. يا بطلع منه ميتة. يا بطلع طيبة. والأيام بيننا. وما بتعرف ربنا بكرة شو رح يسوي. بس أنا متأكدة إنه الاحتلال إلى زوال، ولما يزول الاحتلال كل حدا برجع لبيته وأرضه اللي طلعوه منهم. اللي تهجر برجع. واللي نفوه برجع... واللي هدموا بيته برجع يعمْره. واللي أخلوه من بيته برجع له بكره بيته... الله قادر، وإحنا كمان قادرين".
هذه الثقة بالصمود التي تعبر عنها نورة كان ينقصها شعورها بوقوف آخرين معها. ولم تخف امتعاضها لغياب حالة المساندة والتضامن معها ومع باقي أفراد عائلتها، خصوصاً في جلستي المحكمة الأخيرتين. وقالت في حديثها مع "العربي الجديد": "أتمنى تبقى الناس معنا، لكن للأسف لا أحد يسأل عن أحد. مؤسساتنا هي الأخرى لا تسأل. أتمنى لو كانت وقفت معنا. أنا حينما كنت في المحكمة قبل أيام شعرت بالخجل لأنني لم أجد أي مؤسسة حاضرة ومتواجدة معنا. الأجانب وبعض اليهود ممن ينادون بالسلام كانوا أكثر من غيرهم".
بالنسبة لنجلها أحمد، فإنه بدأ مباشرة بعد قرار المحكمة رحلة البحث عن بيت للإيجار بأي مكان في القدس يناسب زوجته وأبناءه. وقد توجه لهذا الغرض باستفسار إلى أصدقائه على صفحات التواصل الاجتماعي. وأكد بقاء عائلته في بيتها وحفاظها على عروبته وفلسطينيته. هاجم أحمد قرار المحكمة الإسرائيلية الذي قضى بمنع باقي أفراد العائلة من البقاء مع والديهم في المنزل. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "هذا القرار يعني تفكيك عائلة صب لبن، إذ سيقتصر الوجود في البيت على والدينا لمدة عشر سنوات ليحافظوا على هويته، بينما حرمنا نحن الأبناء من الإقامة فيه". وأضاف "أي منطق عجيب غريب هذا؟ لأول مرة تتدخل محكمة احتلالية بتفاصيل حياة المقدسيين لتقرر من يحق له البقاء بين أسرته ومن لا يحق له ذلك. بموجب ما قررته المحكمة لن تحتاج سلطات الاحتلال إلى استقدام قوة بوليسية لإخراجنا منه بالقوة. نحن مطالبون بالخروج طوعاً". كما تساءل أحمد عن مصير شقيقته لمى وشقيقه رأفت الذي سيبدأ هو الآخر رحلة البحث عن مسكن يؤويه.
المحكمة الإسرائيلية لم تبرر أو تفسر منطق قرارها المذكور. لكنها تدعي، كما قال أحمد، أن حق الحماية الذي يمنحه القانون لأفراد العائلة قد انتهى، و"لهذا هم ينتزعون مني ومن إخوتي الحماية، علماً بأننا لم نستأجر العقار منهم، بل من الحكومة الأردنية في عام 1953، عبر حارس أملاك العدو (الأردني) في حينه".
لا يثق أحمد كما باقي أفراد عائلته بالقضاء الإسرائيلي ولا بقضاته الموالين لحكومتهم ولمستوطنيها. بالنسبة إليه فإن "القضاة ليسوا بحاجة لمن يمارس عليهم أي ضغوط. هم يمثلون الحكومة والمستوطنين، وهم جزء من هذه التوليفة الحاكمة والمهيمنة، والأكثر يمينية وتطرفاً، وهو ما ظهر واضحاً في دعم مستوطني عامونا، ورضوخ حكومة الاحتلال لإملاءات المستوطنين بالبقاء والمماطلة في تنفيذ قرار محكمتهم العليا. وقد رأينا كيف أن (رئيس وزراء الاحتلال بنيامين) نتنياهو توصل معهم إلى تسوية تمنحهم قطعة أرض مملوكة ملكية خاصة لفلسطينيين"، على حد قوله.

المساهمون