ظاهرة رفض تولي وزارات سبقت ولادة الحكومة المصرية

05 يوليو 2024
مصطفى مدبولي (صفحة رئاسة مجلس الوزراء على فيسبوك)
+ الخط -

خرج التشكيل الوزاري في مصر، برئاسة مصطفى مدبولي، أمس الأول الثلاثاء، بعد مخاض عسير أثار تكهنات عديدة، أحدها ما أورده الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى، بقوله إن ثمة اعتذارات عدة لشخصيات مرشحة أرجأت الإعلان عن ولادة الحكومة المصرية لقرابة الشهر. في المقابل برزت تحليلات أقرب للأمنيات لدى معارضين تربط بين التأخير وخلافات في هيكل النظام، فيما ساد عدم اكتراث لدى غالبية المصريين بالتأخر، ما اعتبره مراقبون تعبيراً عن اعتقاد واسع بأن الحكومة بأكملها مجرد سكرتارية هدفها تنفيذ سياسات بإملاءات من مؤسسة الرئاسة.

وشكل الإعلان المتأخر عن تشكيل الحكومة المصرية مفاجأة لشرائح واسعة من المهتمين، من حيث الأسماء التي بدا أنها تغيّرت آخر لحظة، ومنها وزير الدفاع عبد المجيد صقر الذي كان مرشحاً لوزارة التنمية المحلية وفق تسريبات مقربين من السلطة أبدوا أسفهم لاستبعاده من الوزارة. وفوجئ الجميع باختيار صقر وزيراً للدفاع، بديلاً عن الفريق أسامة عسكر، والذي تردد اسمه وزيراً للدفاع قبل إقالته من رئاسة الأركان وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية.

تأخر ولادة الحكومة المصرية

وفي حين غابت من تشكيل الحكومة المصرية أسماء قد تسهم في الخروج من الأزمات في البلاد، برزت خلفيات الوزراء الجدد، خصوصاً في الحقائب المهمة، وسط اتهامات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي بالسرقة قبل سنوات وتقديم بلاغات ضد معارضين. كما اتهم وزير التعليم محمد عبد اللطيف بأن شهادة الدكتوراه المثبتة في السيرة الذاتية له بموقع مجلس الوزراء وهمية، ومن تلك التي تُشترى بمقابل مادي من جامعات غير معترف بها. وبدا أن تصريح أحمد موسى هو الأقرب للصحة في تفسير التأخر في إعلان التشكيل، وهو رفض العديد من الكفاءات تولي حقائب وزارية، ما أدى إلى اللجوء لأسماء غير معروفة أو ذات تاريخ غير مشرّف.

عمار علي حسن: الاعتذارات سببها أن الوزير أصبح بلا صلاحيات وصار مجرد سكرتير للرئيس

وبشأن الحكومة المصرية وتأخر إعلانها، رأى المحلل السياسي المصري والباحث في الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، أن "التأخير في الإعلان عن التشكيل الوزاري ثم خروجه بالشكل الحالي، لا يعود فقط لاعتذار عدد كبير من الوزراء عن عدم الاستمرار في مناصبهم، في ظل الأعباء الجسيمة التي تواجه الدولة والأزمة السياسية والاقتصادية القاسية التي تعاني منها". وشدّد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن التأخر "إنما يعود كذلك إلى الرغبة في ترتيب وهيكلة مناصب وزارية بعينها واستحداث أخرى، إلى جانب شمول التعديل مناصب المحافظين ورؤساء مجالس إدارات هيئات كبرى في ظل اتساع رقعة التعديل الوزاري". واعتبر حسن، أن "هذه الاعتذارات سببها أن الوزير أصبح بلا صلاحيات وصار مجرد سكرتير للرئيس، رغم أن الدستور يجعله شريكاً في صنع السياسة، وهذا غير حاصل في الواقع". وأضاف أن "الأوضاع السياسية والاقتصادية أصبحت أكثر صعوبة بشكل خشي معه البعض من تحمل المسؤولية في ظل صعوبة هذا المشهد".

ظاهرة صحية

بدوره قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير السابق عبد الله الأشعل، إن "الاعتذارات اللافتة ظاهرة صحية ودليل على حيوية المجتمع المصري الذي كان وفق كثيرين قد وصل لمرحلة الاحتضار والموت السريري". وأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدداً من الوزراء الحاليين في الحكومة المصرية "اشتكوا كثيراً من تجاهل آرائهم في العديد من الملفات المهمة، حيث اتُخذت قرارات مصيرية دون العودة إليهم، ومنهم وزراء سياديون، رغم أن هذه القرارات اعتبرت تهديداً خطيراً لأمن واستقرار مصر حاضراً ومستقبلاً". وأوضح أن هؤلاء "لم يجدوا أمامهم إلا الاعتذار، إذ من غير الممكن محاسبتهم على أخطاء كارثية وسط عدم امتلاكهم لأي سلطة".

عبد الله الأشعل: التجديد لمدبولي قد عمّق حالة اليأس من وجود أي تغيير

ونبّه الأشعل إلى أن "الأوضاع في مصر وصلت إلى حد غير مقبول على كافة الأصعدة، وتجاوزت السياسات الحالية الخطوط الحمراء، وغير مجد معها أي إصلاح شكلي أو ترقيع". وأضاف أنه "بالتالي فضّل عدد من الوزراء والمرشحين للمناصب الوزارية الابتعاد عن المشهد وعدم تحمّل مسؤولية هذه الإخفاقات المتتالية والمستمرة في ظل عدم تمتعهم بأي صلاحيات حقيقية لإصلاحها أو على الأقل تقليل مخاطرها".

وبشأن انعكاس ولادة الحكومة المصرية في الشارع، لفت إلى أن "صورة التعديل الوزاري وعدم وجود أي توجه لإحداث أي تغيير حقيقي في السياسات الحالية والمسؤولية عن الأزمة السياسية والاقتصادية في مصر، فضلاً عن وجود حالة من اليأس من لدى الرأي العام بشأن تحسين أوضاعه، تقف وراء حالة اللامبالاة الشعبية تجاه التعديل". وأوضح أن "التجديد لمدبولي قد عمق حالة اليأس من وجود أي تغيير، وجعل النخبة والرأي العام لا يبدون أي اكتراث بهذا التعديل".

من جانبه قال السياسي والناشر المصري هشام قاسم إن العديد من الوزراء أو الذين جرى ترشيحهم للمناصب الوزارية "أدركوا قتامة الوضع السياسي والاقتصادي، مثل أزمة انهيار سعر صرف الجنيه وضعف قدرته الشرائية، وتفشي معدلات الفقر وأزمة قطاع الكهرباء وغياب أي حلول سياسية للأزمة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه بالتالي أراد الوزراء الابتعاد "عن تحمل فاتورة سياسات فاشلة، لا يبدو أنها ستشهد أي تغييرات لافتة في المرحلة القادمة".

وأشار إلى "صورية وشكلية" صلاحيات الوزراء في الحكومة المصرية "مثالاً على ذلك وزير المالية المستبعد الدكتور محمد معيط، حين تحدّث عن أنه لا يشرف إلا على نصف موازنة البلاد، بينما لا يعلم شيئاً عن النصف الآخر، ما عكس عدم الرغبة في الاستمرار في حكومة مدبولي وتفادي المسؤولية عن الإخفاقات الاقتصادية، التي لم تتم استشارته أو استشارة غيره من الوزراء فيها أو العودة إليهم في هذه القرارات".

المساهمون