السلاح السيبيري "الرخيص".. هكذا اخترقت روسيا الولايات المتحدة

14 ديسمبر 2016
كلينتون أكبر المتضررين من الاختراق الروسي(جيستن سولفان/Getty)
+ الخط -

كشف تحقيق نشرته "نيويورك تايمز" عن عملية القرصنة الإلكترونية التي تعرّض لها بريد الحزب الديمقراطي وحساب مدير حملة المرشحة للانتخابات للرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، جون بوديستا، أنه كان بالإمكان تفادي الاختراق الروسي، محمّلا إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المسؤولية لـ"تقاعسها عن الرد بقوة".

وأكد التحقيق أنه "لولا سوء تقدير المعنيين لمخاطر التعرض لهجمات سيبيرية، وتباطؤهم في الرد على عمليات التسلل الأولى التي قام بها القراصنة الروس، وتقاعس إدارة أوباما عن المبادرة إلى الرد بقوة على عمليات التجسس الروسية، لكان ممكنا تفادي ما جرى".  

وأجرى معدو التحقيق عشرات المقابلات مع أعضاء في الحزب الديمقراطي تعرضت حساباتهم للقرصنة، ومع مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية معنيين بمتابعة أنشطة التجسس الروسية في الولايات المتحدة، إضافة إلى لقاءات مع مسؤولين في إدارة أوباما.





وبيّن التحقيق أنه، في شهر سبتمبر/أيلول 2015، اتصل المفتش الخاص في مكتب التحقيقات الفدرالية، أدريان هوكينز، بمقر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، لإبلاغ المعنيين بمعلومات لديه عن مشاكل في شبكة كمبيوتر اللجنة الوطنية.

رسالة هوكينز التحذيرية كانت مقتضبة، وتفيد بـ"تعرّض جهاز كمبيوتر واحد على الأقل في مقر الحزب الديمقراطي لاختراق من قبل قراصنة يطلق عليهم المحققون الفدراليون اسمthe dukes، وهم فرقة متخصصة في عمليات التجسس الإلكتروني مرتبطة بالحكومة الروسية".

ويعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي ف بي آي" جيدا هذه المجموعة من القراصنة، وفقاً للصحيفة، إذ قضى السنوات القليلة الماضية محاولا طرد الـdukes من أنظمة الكمبيوتر في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وحتى من المجموعة المشتركة لكبار الموظفين التي تعتبر الأكثر حماية بين الشبكات الحكومية.

لكن الموظف التقني المتعاقد مع الحزب الديمقراطي، يارد تامين، والذي رد على اتصال محقق "أف بي آي"، لم يكن خبيرا بالهجمات السيبيرية، وكان رد فعله الأول إجراء بحث عن كلمة dukes على موقع غوغل، ثم قام بتفقد سطحي لأنظمة الدخول إلى كمبيوتر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي لملاحظة مؤشرات الاختراق الإلكتروني. بعدها قرر من تلقاء نفسه عدم إعطاء أهمية كبيرة للأمر، على الرغم من أن العميل الفدرالي كرر الاتصال خلال الأسابيع التالية، بسبب عدم تأكده ما إذا كان المتصل هو حقا من مكتب التحقيقات الفدرالي أو منتحلا هذه الصفة.

وبعد الاتصال، كتب تامين في رسالة داخلية، حصلت عليها "نيويورك تايمز"، "لم يكن لدي وسيلة للتأكد من صحة الاتصال الذي تلقيته، وما إذا كان مقلبا".

ويرى تحقيق الصحيفة أن تلك كانت الإشارة الأولى الخفية لعملية التجسس السيبيري وحرب المعلومات لاحتمال العبث بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وتدخل قوة أجنبية فيها، الأمر الذي يعتبر سابقة في التاريخ الأميركي.

ويعتقد مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن ما كان في البداية عملية جمع معلومات تحوّل تدريجيا إلى جهد هدفه إلحاق الضرر بحملة المرشحة هيلاري كلينتون، والتأثير في العملية الانتخابية لصالح منافسها دونالد ترامب.

ورأت الصحيفة أن تردد اللجنة الوطنية الديمقراطية في التواصل مع مكتب التحقيقات الفدرالي أسفر عنه ضياع الفرصة الأفضل لوقف الاختراق الروسي، فـ"الفشل في إدراك حجم الهجمات يطيح بالجهود المبذولة للحد من آثارها". كما أن "تردد البيت الأبيض في اتخاذ قرار بالرد بقوة معناه أن الروس لم يدفعوا ثمنا كبيرا مقابل أفعالهم، وقد يكون مثل هذا القرار حاسما في ردع أي هجوم سيبيري في المستقبل"، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وسمح تعامل ف بي آي" مع المسألة من خلال موظفين عاديين بتحرك القراصنة الروس في شبكة الحزب الديمقراطي لمدة سبعة أشهر، قبل أن يتنبه المسؤولون الكبار في اللجنة الوطنية للهجوم، ويستعينوا بخبراء في الشأن السيبيري لحماية أنظمتهم.

في هذا الوقت، انتقل القراصنة إلى أهداف خارج أنظمة اللجنة الوطنية، من بينها مدير حملة كلينتون، جون بوديستا، الذي تم قرصنة حسابه الخاص بعد أشهر قليلة.

حتى بوديستا، السياسي الذكي وابن المؤسسة السياسية في واشنطن، الذي كتب عام 2014 تقرير الخصوصية الإلكترونية للرئيس أوباما، لم يدرك حقا حجم الاختراق.

في الصيف الماضي، بدا الديمقراطيون عاجزين أمام نشر وثائقهم السرية ورسائلهم الخاصة يوميا على شبكة الإنترنت، بإدارة عملاء الاستخبارات الروسية، عبر "ويكليكس" ومواقع أخرى، قبل انتقالها السريع إلى وسائل الإعلام الأميركية، ومنها "تايمز"، وهي التسريبات التي تلقفها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بسرور واستعان بها في حملته الانتخابية. 

ومن أبرز تداعيات عملية القرصنة استقالة نائبة فلوريدا، ديبي واسرمان شولتز، من رئاسة الحزب الديمقراطي مع جميع مساعديها، واضطرار الحزب، الذي كان متقدما في المعركة الانتخابية، إلى الابتعاد عن الأضواء لتجنب إحراج ما كشفته الإيميلات المقرصنة، ومعالجة المشاكل التي خلفتها عملية الاختراق.

وتحولت وثائق قرصنها الروس من مقر حملة الديمقراطيين المرشحين لانتخابات الكونغرس إلى فضائح واتهامات لإسقاط المرشحين عن الحزب في العديد من الولايات.

وفي الأيام الأخيرة، تصاعد السجال بين الرئيس المنتخب ووكالات الاستخبارات الوطنية والحزبين الأساسيين حول الدلائل الموجودة التي تؤكد محاولة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من خلال أجهزة الاستخبارات، تشويه الديمقراطية الأميركية وتحديد هوية الفائز بالانتخابات.

ويعتقد المقربون من كلينتون أن عمليات القرصنة الإلكترونية الروسية كان لها أثر بالغ على الانتخابات، على الرغم من اعترافهم بدور العوامل الأخرى، مثل ضعف كلينتون كمرشحة؛ وقضية البريد الإلكتروني الخاص، والتصريحات الصحافية لمدير "أف بي آي"، جيمس كومي، حول تعاملها مع الوثائق السرية.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد طريقة للتأكد من الأثر الحاسم لعملية القرصنة، لكن الواضح أنه كبير، وهو "سلاح بكلفة متدنية وأثر كبير، وقد اختبرته روسيا في انتخابات أوكرانيا وأوروبا، وجربت فعاليته التدميرية في الولايات المتحدة".

وبالنسبة إلى روسيا، أثبتت القوة السيبيرية أنها "السلاح الأفضل: رخيص ويصعب رؤيته عندما يأتي، كما يصعب تقفي أثره".

وخلال مؤتمر عقد بعد الانتخابات، قال مدير وكالة الأمن الوطني ورئيس القيادة السيبيرية الأميركية، مايكل روجرز، إنه "يجب ألا يبقي أي شك في ذهن أي كان. ما جرى لا يحدث بالعادة، أمر لم يحدث بالصدفة، والهدف لم يكن عشوائياً. ما جرى كان فعلا واعيا من دولة تحاول إنجاز هدف محدد".