ترامب وإشكالية الجمع بين رجل الدولة وصاحب الأعمال

11 ديسمبر 2016
لم يفصح ترامب بعد عن ملفه الضريبي(درو أنجيرير/Getty)
+ الخط -
للمرة الأولى في تاريخ الرئاسة الأميركية، يُنْتَخب ملياردير هو دونالد ترامب يريد أن يتربع على قمة هرمي السلطة السياسية والمالية. ويطرح هذا الطموح إشكالية مع القانون ومع جميع اللاعبين والفاعلين في الفضاء العام الأميركي، لا سيما الإعلام والكونغرس والرأي العام. والقانون الفيدرالي يحظر على الرئيس التعاطي بأي نوع من الأعمال التجارية، طالما هو يقيم في البيت الأبيض. كما أن الدستور يمنع المسؤولين وفي مقدمتهم الرئيس، من قبول "أي هدية أو أجر من أي حكومة أو شركة أجنبية خاضعة لحكومة أجنبية". والهدف من هذا الأمر يتمثل في تحصين قرار الرئيس وجعله منيعاً بحيث لا يتأثر ولو بطريقة غير مباشرة، بمقايضات شبيهة بالرشوة.

هنا تكمن مشكلة ترامب. فهو يملك شبكة مصالح في أكثر من 20 دولة، منها الهند وتركيا والفيليبين. وعلى سبيل المثال، سارع رئيس الفيليبين، رودريغو دوترتي، إلى اختيار أحد شركاء ترامب في هذا البلد، ليكون مبعوثه التجاري الخارجي. وإذا بقي الرئيس الأميركي المنتخب على صلة بهذه الشبكة العنكبوتية من المصالح المتنوعة، في الداخل والخارج، ستزداد الشكوك بشأن تضارب المصالح الخاصة والعامة. وطالما أنه لم يفصل بين المستويين بشكل واضح، ستبقى رئاسة ترامب موضع تشكيك وظنّ بأنه يقوم بتسخير نفوذه لمراعاة الأطراف الدولية التي تسهل مصالحه التجارية لديها. ومن شأن واقع كهذا، إنْ تكرّس، أن يعرّض ترامب للمحاسبة القانونية، خصوصاً إذا تم اكتشاف مخالفات صارخة للرجل الذي ثبت تهربه من الضريبة لـ18 عاماً.

وما يثير حالة من الريبة لدى الأوساط الأميركية، هو أن ترامب أعطى إشارات ملتبسة في هذا الصدد. وكان من المفترض أن يحذو حذو أسلافه، ليضع استثماراته وأصوله المالية في عهدة صندوق استثماري معزول عنه، لا يطلع حتى على مجرى عملياته. لكن ترامب ليس في هذا الوارد. ورفض ذلك من البداية، والأسباب متعددة: من جهة، إن ثروته متنوعة ومتشابكة وتصعب تصفيتها. وتتداخل فيها الأصول العقارية مع التوظيفات المالية والقروض والشراكات الخارجية. وهناك أيضاً مسألة ريع العقود التي تستخدم اسمه كشعار تجاري، سواء في قطاع الفنادق أو الألبسة أو المنتجات الأخرى ومنها الإنتاج التلفزيوني الذي لا يزال له صلة به عن طريق أحد البرامج الفنية الذي يبدأ مسلسله الجديد في يناير/كانون الثاني المقبل، والذي يزمع ترامب التمسك بدوره فيه كمخرج تنفيذي.

ومن جهة ثانية، يصرّ ترامب على الاحتفاظ بهذه الشبكة من الأعمال له ولعائلته، كملكية واسم. من هنا الحديث عن ضبابية مواقفه التي يريد الجمع فيها بين الاحتفاظ بما يملك وبين سلطاته الرئاسية: تارةً يتعهد بفك العلاقة مع "عملياته التجارية" أو يعترف بأهمية وضرورة "ترك" أعماله، وتارة أخرى يقول إنه ينوي "نقلها" إلى أولاده.

لكن الرئيس المنتخب لم يتعهد بعد بتعليق ملكيته لها ورغبته الحاسمة في عدم التدخل لا من قريب ولا من بعيد بشؤونها، ولغاية نهاية ولايته الرئاسية. وكل ما كشف عنه حتى الآن، أنه باع منذ الصيف الماضي، ما يملكه من أسهم في سوق البورصة بقيمة 40 مليون دولار تقريباً. لكن هذه الخطوة تبقى محدودة جداً. فضلاً عن ذلك، لم يفصح ترامب حتى عن ملفه الضريبي. وقد وعد بأنه سيضع النقاط على الحروف بخصوص شركاته في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري. 

ومن المرجح أن ترامب يبحث عن طرق للالتفاف على الموضوع، ويريد الجمع بين الأعمال والرئاسة بطريقة من الطرق. وهذا الأمر يثير المخاوف من تداخل التجارة بالرئاسة وبما يعود على الرئيس وموقعه بالضرر البالغ الذي قد يصل إلى حدّ اصطدامه بالقانون. ومن غير المستبعد في هذه الحالة أن يتسبب ذلك "بمحاكمته أمام الكونغرس وعزله"، كما يتوقع الأستاذ الجامعي، ألن ليكتمن، الذي سبق وتوقع فوز ترامب بالانتخابات. ويقول أحد المراقبين إن "رئاسة ترامب أمامها طريقين: إما ان تغيّر واشنطن وإما أن تفجرها". وشروط الاحتمال الأول غير متوفرة حسب ما يوحي به المشهد الرئاسي الجديد، لا سيما في ضوء التعيينات في إدارة ترامب.

المساهمون