"تيران وصنافير" و"أرامكو" تعقّدان علاقات مصر والسعودية

09 نوفمبر 2016
الحكومة لم تُرسل الاتفاق مع "أرامكو" إلى البرلمان (الأناضول)
+ الخط -

تسبب حكم محكمة القضاء الإداري، الصادر أمس الثلاثاء، بإلزام الحكومة المصرية بتنفيذ حكم بطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وبطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وتغريم رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء، شريف إسماعيل، في مزيد من التعقيد لتفاصيل العلاقات المصرية السعودية، وخصوصاً أنه يتزامن مع أزمة حادة بين البلدين بسبب عدم توريد السعودية الحصص البترولية المقررة إلى مصر وفقاً لاتفاق مبرم بينهما في القاهرة في إبريل/ نيسان الماضي، في يوم توقيع اتفاقية الحدود نفسه.

ويؤدي الحكم إلى استمرار تجميد الوضع الحالي في انتظار فصل المحكمة الإدارية العليا في الطعن المقدم من الحكومة على حكم أول درجة، وهو المؤجل حالياً إلى الشهر المقبل. وتتوقع مصادر قضائية مطلعة الحكم نهائياً فيه في الربع الأول من العام المقبل. ويصب الحكم في خانة استمرار "المشاكسة المصرية" للسعودية في ما يخص ملف الجزيرتين، في مقابل الغضب السعودي المنعكس على الإمدادات البترولية وضعف المساعدات والاستثمارات، على الرغم من أن الحكومة المصرية تؤكد دائماً إصرارها على إلغاء حكم أول درجة لما يخلّفه من آثار خطيرة، سياسية وقانونية، على الداخل المصري بغض النظر عن تسليم الجزيرتين إلى السعودية.

وقالت مصادر حكومية عقب صدور الحكم، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكم كان متوقعاً، نظراً لما تعرضت له محكمة القضاء الإداري من استفزاز، بسبب سابقة وقف حكم تيران وصنافير من قبل محكمة الأمور المستعجلة"، مشيرة إلى أن "الحكومة ما زالت تلتزم باحترام المسار القانوني، ولن تعرض الاتفاقية على البرلمان قبل الفصل نهائياً في الدعاوى المنظورة أمام الإدارية العليا والدستورية العليا".

ويعبّر حديث المصادر الحكومية عن حرص على إلغاء الحكم، من دون تعجّل في عرض الاتفاقية على البرلمان، ومن دون تعمّد مخالفة المحاكم، وهو ما تفسره المصادر بأن "الأجواء السياسية بين البلدين ليست مهيأة لأن تقدم الحكومة على مخاطرة، كتحدي أحكام القضاء، قد تحرجها بشدة على الصعيد الداخلي". وأوضحت أنه "كان متوقعاً أن تعرض الحكومة الاتفاقية على البرلمان مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك بعد صدور حكم محكمة الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم أول درجة، إلّا أن الخلافات بين البلدين على صعيد الملف السوري ووقف الإمدادات البترولية السعودية لمصر دفعت الحكومة لعدم عرض الاتفاقية حالياً". وأضافت المصادر أن "هذا المسلك لا ينفي أن الحكومة المصرية تتعمد إبلاغ نظيرتها السعودية بتلك المستجدات القانونية لطمأنتها، والتأكيد على عدم إهمالها للقضية".



وقال مصدر في وزارة العدل إن القضية قد تصل إلى المحكمة الدستورية العليا (للمرة الثالثة) في صورة دعوى تنازع بين حكمي الأمور المستعجلة والقضاء الإداري بشأن تنفيذ حكم بطلان التنازل عن الجزيرتين، إذ يسمح قانون المحكمة الدستورية لها بالفصل في الحالات التي تصدر فيها أحكام متناقضة من محاكم مختلفة بشأن الواقعة ذاتها. ويذكر أن المحكمة الدستورية أمامها حالياً دعويان أقامتهما الحكومة لوقف تنفيذ حكم البطلان، بحجة مخالفته مبادئ سابقة للمحكمة الدستورية تحظر على القضاء بشكل عام الرقابة على أعمال السيادة، ومن بينها اتفاقيات ترسيم الحدود. وأضاف المصدر: "من مصلحة الحكومة حالياً إطالة أمد التقاضي، وإلقاء الكرة في ملعب المحكمة الدستورية، وتعطيل صدور حكم عن الإدارية العليا بأي طريقة، وذلك إلى حين إنهاء الأزمات السياسية مع السعودية، حتى يكون المناخ مهيأً تماماً لإحالة الاتفاقية إلى البرلمان، كما كان مخططاً من قبل".

إخفاء اتفاقية "أرامكو" عن البرلمان

يقول عضو بارز في لجنة الطاقة والبيئة في مجلس النواب المصري إن الحكومة لم تُرسل نص اتفاق الهيئة العامة للبترول مع شركة "أرامكو" السعودية، إلى اللجنة البرلمانية المختصة، شأن بقية اتفاقيات الطاقة، رغم مخاطبتها لوزير البترول، طارق المُلا، مرات عدة، بعرض الاتفاقية، لاستعراض بنودها وطرحها للمناقشة العامة، ومن ثم تصديق البرلمان عليها. وكانت وزارة البترول المصرية أعلنت في الأول من إبريل الماضي، توقيع عقد اتفاق تجاري مع الشركة السعودية لتزويد مصر باحتياجاتها البترولية خلال خمس سنوات، بواقع 700 ألف طن شهرياً، بقيمة إجمالية بلغت 23 مليار دولار، من خلال فائدة 2 في المائة تُسدد على 15 سنة، مع فترة سماح ثلاث سنوات.

ويضيف عضو اللجنة، في حديث خاص إلى "العربي الجديد"، أن وزارة البترول ردت من خلال مسؤوليها الذين يحضرون اجتماعات اللجنة "شفاهة" بأن الاتفاق جرى في ديسمبر/ كانون الأول 2015، عقب إصدار الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، توجيهات بزيادة استثمارات المملكة في مصر، والإسهام في توفير احتياجات القاهرة من البترول، إلا أن الإعلان عن الاتفاقية تم في إبريل الماضي. ويشير إلى أن وزارة البترول عزت عدم إرسال الاتفاقية إلى اللجنة بدعوى توقيعها قبل انعقاد مجلس النواب في يناير/ كانون الثاني الماضي، بما لا يُلزم بعرض الاتفاقية على المجلس التشريعي، رغم نص المادة 151 من الدستور صراحة على "عدم الاعتداد بتصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقيات مع الدول، إلا بعد موافقة مجلس النواب". وصدق البرلمان على عدد من اتفاقيات الطاقة بين البلدين، ضمن حزمة الاتفاقيات التي وقعها السيسي مع الملك سلمان، أثناء زيارة الأخير إلى القاهرة في إبريل الماضي، ومن بينها اتفاق التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وقرض مشروع توسعة محطة كهرباء (غرب القاهرة) لتوليد 650 ميغاوات.

ويقول رئيس حزب الإصلاح والتنمية، البرلماني محمد السادات، إنه طالب وزير البترول، طارق الملا مطلع فبراير/ شباط الماضي، بضرورة عرض الاتفاقية على المجلس النيابي، للاطلاع على تفاصيلها، وسبل تمويل أقساط القرض السعودي، ومردوده على أعباء ديون مصر الخارجية. ويضيف، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أنه لم يتلق رداً رسمياً من وزير البترول على تساؤلاته الخاصة بخطة الوزارة بشأن معالجة الخلل في ميزان الطاقة، وكيفية تدبير احتياجات البلاد بعد انتهاء مدة الاتفاق السعودي، في إطار تهميش دور الأدوات الرقابية للبرلمان.

ويلعب رئيس البرلمان، علي عبد العال، دوراً بارزاً في عرقلة الأدوات الرقابية للنواب في مواجهة حكومة السيسي، الموالي لها، إذ عمد خلال دور الانعقاد الأول إلى عدم مناقشة الاستجوابات الموجهة ضد بعض وزرائها، أو استخدم صلاحياته بطلب استعجال الحكومة في الرد على طلبات الإحاطة والتساؤلات المقدمة من النواب. ونصت المادة 177 من لائحة البرلمان، على "حق كل عضو في توجيه الأسئلة إلى رئيس الوزراء أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء أو نوابهم، للاستفهام عن أمر لا يعلمه العضو، وعلى الحكومة الإجابة عن هذه الأسئلة في دور الانعقاد ذاته"، وهو ما لم يتحقق مع العشرات، إن لم يكن المئات، من أسئلة وطلبات الأعضاء. ويبدو جلياً أن الحكومة الحالية لديها ضوء أخضر من السيسي بتجاهل البرلمان، إذ لم يبلغ رئيسها شريف إسماعيل، أو وزير البترول أعضاء المجلس، بقرارات تحرير سعر صرف الجنيه، أو تحريك أسعار الوقود قبل إعلانها، ما وضعهم في حرج بالغ أمام ناخبيهم والرأي العام. وأبلغت "أرامكو" هيئة البترول المصرية شفهياً، مطلع أكتوبر الماضي، عدم قدرتها على إمداد القاهرة بشحنات المواد البترولية، من دون إعلان للأسباب، وقطعت إرسالها للشهر الثاني على التوالي، رغم حديث الملا المتكرر عن أن الشركة السعودية لم تلغ اتفاقها رسمياً مع هيئة البترول حتى الآن. وتواصل الهيئة المصرية طرح مناقصات عالمية لشراء كميات من الوقود لسد الفجوة التي نشأت بسبب توقف شحنات "أرامكو"، بينما توجه وزير البترول، على رأس وفد من الطاقة، نهاية أكتوبر إلى العاصمة العراقية بغداد، في إطار مساع لإيجاد بديل عن الشحنات السعودية.

المساهمون