انتخابات الرئاسة الإيرانية: مناظرة ساخنة بين بزشكيان وجليلي

02 يوليو 2024
من المناظرة بين بزشكيان (يمين) وجليلي، 1 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في المناظرة الرئاسية الإيرانية، تواجه الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، متناولين قضايا السياسة الداخلية والخارجية، مع تركيز بزشكيان على الاتفاق النووي وانضمام إيران لـ"فاتف"، وجليلي على الاستقلالية وانتقاد التنازلات في الاتفاق النووي.
- تطرقت المناظرة لتراجع المشاركة الانتخابية، حيث أكد بزشكيان على أهمية معالجة أسباب العزوف وتحسين معاملة النساء، بينما دعا جليلي لزيادة المشاركة العامة.
- ناقش المرشحان قضايا الأقليات الدينية والعرقية، مع تأكيد بزشكيان على ضرورة منح السنّة حقوقًا متساوية، وانتقاد جليلي للمساومات السياسية لاستمالتهم.

أجرى التلفزيون الإيراني، الليلة الماضية، المناظرة الأولى بين مرشحي الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الإيرانية الإصلاحي مسعود بزشكيان متصدر الجولة الأولى بـ43% من الأصوات ومنافسه المحافظ سعيد جليلي الذي حل ثانياً بـ38%. ومن المقرر عقد جولة الانتخابات الثانية يوم الجمعة المقبل.

المناظرة الثنائية بين بزشكيان وجليلي هي الأولى بين متنافسين اثنين في انتخابات الرئاسة الإيرانية منذ 15 عاماً بعد المناظرات الثنائية المثيرة للجدل عام 2009 بين المرشحين آنذك مير حسين موسوي ومحمود أحمدي نجاد. وكانت "الثقافة والسياسة" محور المناظرة، حسب ما خطط له التلفزيون الإيراني، لكن معظم ما طرح فيها كان سياسيا وأحيانا اقتصاديا. طرح كل من المرشحين وجهة نظره حول السياسة الداخلية والخارجية، مع تكرار أدبيات ومفردات بشأن الموضوعين، سبق أن ذكراها في مناظراتهما وبرامجهما في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.

كيف بدأت المناظرة؟

بدأت المناظرة بشكل هادئ، وبدت أشبه بمقابلة مع التلفزيون الإيراني، وليست مناقشة ثنائية، لكن مع مرور الوقت تحولت إلى مناظرة رافقتها سخونة وجدال وتبادل اتهامات ومقاطعة، خاصة في نهايتها.

بشأن تقييم المناظرة ومن ربحها أو خسرها، ثمة وجهات نظر مختلفة، عكستها التعليقات على شبكات التواصل الإيرانية خلال الساعات الأخيرة، فهناك من قال إن المناظرة من الصعب أن تزيد أصوات المرشح المحافظ، لأن لديه الأصوات المحافظة المضمونة، وأن الأهم هو ما إذا ساعدت المناظرة المرشح الإصلاحي في تحفيز المقاطعين والمترددين بالمشاركة في الانتخابات والتصويت لمصلحته. وهنا يتحدث مغردون عن أن ظهور جليلي أحيانا في موقف منفعل لا يتسبب بخسارة أصوات معتبرة له لكونها أصواتاً محافظة تتجه له تحت أي ظرف، وكذلك قال آخرون إن بزشكيان ظهر أقوى وإنه حقق نجاحا ما في المناظرة لكن ليس مضمونا إن كان ذلك سيقنع المقاطعين والمترددين في الجولة الأولى، فيما دعا آخرون إلى انتظار ظهور نتائج استطلاعات رأي بعد المناظرات.

قضايا قديمة بلغة جديدة

لم تطرح في المناظرة قضايا جديدة، فمواضيعها طرحت في مناظرات الجولة الأولى، من حظر شبكات التواصل الاجتماعي وتقييد الإنترنت والاتفاق النووي وانضمام إيران إلى مجموعة "العمل المالي" الدولية المعروف اختصارا بـ"فاتف" التي سبق أن أدرجت إيران في قائمتها السوداء مما وضع أمامها عقبات كبيرة للتواصل مع بنوك ومؤسسات العالم المالية بالإضافة إلى العقوبات الأميركية. لكن ما ميز هذه المناظرة عن سابقاتها في الجولة الأولى، أنها كانت تتسم أحيانا بحيوية، وديناميكية ما، ولغة أكثر جدية وندية.

كرر الطرفان مواقفهما بهذا الخصوص، لكن المرشح الإصلاحي بزشكيان حاول أن يحشر غريمه المحافظ في زاوية وحالة انفعال، بتوجيه سؤال مكرر له حول ما إذا كان يريد إحياء الاتفاق النووي وانخراط إيران في "فاتف"، وذلك لأهمية الموضوع للشارع الإيراني، ليتهرب جليلي من إجابة واضحة، محاولا رمي الكرة في المعلب الأميركي، ومنتقدا بزشكيان لما قال إنه بدلا من أن يتهم أميركا، يتهم إيران، فردّ بزشكيان بأنه إذا كان الاتفاق النووي سيئا فلماذا خرج منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعادته إسرائيل.

كما ركز جليلي على مقولته أن العالم ليس أميركا ولا أوروبا، داعيا إلى العمل مع الدول الأخرى، ومضيفا في انتقاده حكومة الرئيس السابق حسن روحاني: "إننا في الاتفاق النووي قدمنا كل شيء ولم نحصل على أي شيء".

دعوة لإعدام مشروط

أشار بزشكيان إلى حديث جليلي عن اعتزامه تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8% إذا ما فاز، مؤكدا أنه لن يتحقق في ظل العقوبات، واعدا بأنه سينحسب من السباق الرئاسي إن تعهد جليلي أنه سيحقق هذا النمو، لكن إن لم يحققه سيُعدم.

هذه الجملة التي كررها بزشكيان في تغريدة له بعد المناظرة، أثارت حفيظة أنصار جليلي، محاولين استغلالها ضد المرشح الإصلاحي عبر إطلاق هشتاغ لا للإعدام.

وطرح المذيع مهدي خسروي الذي حاول التزام الحياد، سؤالا على المرشحين حول برنامجيهما لزيادة مشاركة المواطنين في الانتخابات في ظل أهميتها وتراجع نسبة المشاركة إلى 40% في الجولة الأولى الأسبوع الماضي، التي كانت تمثل هبوطا قياسيا في نسب المشاركة منذ عام 1979.

وقبل أن يرد جليلي السؤال حول المشاركة، أظهر كراسة كبيرة للمشاهدين، قال إنها مواد نشرت ضده في وسائل الإعلام وشبكات التواصل خلال الـ24 ساعة الماضية، منتقدا نعته ومقربيه بأنهم "طالبانيون"، وتحذير المواطنين من أن "طالبان عائدة"، في إشارة إلى حركة "طالبان" الأفغانية التي لا تحظى بسمعة جيدة في إيران. وركز الإصلاحيون في حملتهم الانتخابية على تشبيه جليلي بـ"طالبان" وأن فكره يتسق معها في سعي منهم لإخافة الشارع منه.

وفي هذا المجال أيضا أشار المرشح بزشكيان إلى نعته بـ"المنافق" من قبل شباب محافظين، أثناء زيارته موقعا دينيا جنوبي العاصمة طهران، متهما خصومه المحافظين باختلاق تصريحات كاذبة باسمه وإلصاقها به، ومشيرا إلى أنهم كذبوا عليه بنسب إساءة إلى نجله مهدي بزشكيان ضد الزعيم السنّي المولوي عبد الحميد، إمام جمعة مدينة زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوشستان. كما تحدث جليلي عن أنه أوصى حملته الانتخابية بضرورة تجنب الإساءة إلى بزشكيان.

واتهم بزشكيان أيضا أنصار جليلي ببث إشاعة عن نيته رفع أسعار الوقود في حال ظفره بالرئاسة، مؤكدا أنه لن يفعل ذلك قبل موافقة الشعب.

أسباب هبوط المشاركة في انتخابات الرئاسة الإيرانية

وأما في ما يتعلق بأسباب المشاركة المتدنية في الجولة الأولى في الانتخابات، قال جليلي إن لديه برنامجاً لزيادة المشاركة العامة في مختلف المجالات، ومنها الانتخابات، والاقتصاد والثقافة والسياسة، داعيا إلى بحث أسباب تراجع مشاركة الناخبين في الانتخابات، ومضيفا أن هذه المناظرة وانتقال المرشحين إلى جولة ثانية يؤكدان أن "نتيجة الانتخابات لم تكن محسومة من قبل".

وأشار جليلي إلى أن نسبة المشاركة الحالية ليست في المستوى المطلوب، داعيا إلى إشراك المواطنين في إدارة البلاد بشكل "أكثر جدية وتأثيراً". ولفت إلى مشاركة الإيرانيين في الحرب الإيرانية العراقية، ومحطات أخرى في تاريخ البلاد، معتبرا أن إجراء الانتخابات في إيران من "إنجازات النظام التي تدعو للاعتزاز والفخر". وقال إنه لا يمكن دعوة الناس إلى المشاركة في الانتخابات في وقت لا يتم التمهيد لظهور المواهب وتجسيدها.

الصورة
بزشكيان (يمين) وجليلي يتصافحان بعد المناظرة بينهما، 1 يوليو 2024 (Getty)
بزشكيان (يمين) وجليلي يتصافحان بعد المناظرة بينهما على التلفزيون الإيراني، 1 يوليو 2024 (Getty)

أما بزشكيان فتناول تراجع المشاركة من منطلق آخر، واعتبر عدم مشاركة 60% من الشارع في الانتخابات مشكلة وأمراً "مقلقاً"، عازياً ذلك إلى سوء معاملة النساء، في إشارة غير مباشرة إلى احتجاجات عام 2022 على خلفية وفاة "مهسا أميني". وقال إن السلطات في البلاد تحت سيطرة "معسكر خاص"، وثمة تمييز بين المواطنين والمسؤولين في الإمكانات والامتيازات.

وأكد بزشكيان أن مشكلة البلاد ليست غياب قوانين "فهناك قوانين كافية في البلاد لكنها لا تنفذ"، منتقدا تعليق دراسة طلاب محتجين وطرد أساتذة جامعات وإحالتهم إلى التقاعد بسبب مواقفهم. ودعا إلى فسح المجال أمام الإيرانيين لطرح مطالبهم ومساءلة المسؤولين والاحتجاج، منتقدا السماح للموالين بإطلاق المسيرات في الشوارع ومنع المنتقدين والمعارضين من تنظيم احتجاجات، وقال إنهم يتعرضون للاعتقال. من جانبه، دعا جليلي إلى الاستماع إلى الأساتذة والطلاب المحتجين والجلوس معهم.

استمالة السنّة

ركز بزشكيان على طرح بعض مشاكل أهل السنّة في إيران، منتقدا عدم منحهم مناصب عليا في البلد كرؤساء المحافظات والوزارات، لكن جليلي اتهم خصمه بشكل غير مباشر بسعيه لعقد مساومة مع زعماء السنّة، داعيا إلى مراعاة حقوقهم ومنحهم إياها.

يشار إلى أن عدد السنّة في إيران غير واضح لغياب وجود إحصائيات رسمية بشأنهم، لكن ثمة تقديرات مختلفة تشير إلى أن النسبة تراوح من 12 و15 إلى 20% من عدد سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة. ويتوزع السنّة في العديد من المحافظات الإيرانية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وأصوات السنّة لها تأثيرها الحاسم في الانتخابات، خاصة إذا كانت نسبة أصوات كل مرشح متقاربة وغالبا أصواتهم تتجه نحو الإصلاحيين، إلا أن الزعيم السنّي المولوي عبد الحميد قد اتبع نهجا مختلفا عام 2021 ودعم الرئيس الإيراني المحافظ الراحل إبراهيم رئيسي، غير أنه منذ احتجاجات 2022 وأحداث زاهدان في 30 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، والتي أدت إلى مقتل العديد من المصلين بعد الاحتجاج أمام مقر للشرطة، (السلطات تتحدث عن مقتل 35 شخصا والسنّة عن نحو 100)، انتقل عبد الحميد إلى مربع المعارضة. وفي هذه الانتخابات لم يدع للمشاركة كما لم يدعم بزشكيان حتى هذه اللحظة. إلا أن جماعة الدعوة والإصلاح السنّية التي تعد أكبر الجماعات السنّية تنظيما وتعمل في مختلف المناطق السنّية، قد أعلنت دعمها للمرشح الإصلاحي بعد لقاء أمينها العام الزعيم السني عبد الرحمن بيراني برفقة قيادات في الجماعة مع بزشكيان.

سجال ومقاطعة

شهدت نهاية المناظرة سجالا ومقاطعةَ بعضهما بعضاً، وتبادل اتهامات، إذ اتهم بزشكيان غريمه المحافظ بأن ليس لديه برنامج عملي، مركزا في حديثه على إدارة البلاد على أساس آراء الخبراء والمهنيين. وتساءل جليلي عما إذا كان لدى بزشكيان نفسه برنامج مدون لإدارة البلاد. وقال جليلي إنه قام خلال السنوات الماضية بزيارة المحافظات واللقاء مع الناشطين ولديه خبرة وتجربة بشأن ما يريده الشارع.

وأضاف المرشح المحافظ أن الرئيس لا ينبغي أن يكون منظرا وأن يدلي بتصريحات عامة نتيجة عدة جلسات هنا وهناك، مستدركا بأن الرئيس يجب أن يتخذ القرار الصحيح في توقيته المناسب بشكل سريع ولا يخسر الوقت حتى لا يتضرر 80 مليون إيراني. وتابع قائلاً إن رئيس الجمهورية إذا كان ملما ومطلعا على الوضع "فلن تستطيع الضغوط الخارجية والعقبات الداخلية أن تحول دون تنفيذ برامجه".

وفي وقته المخصص، أدلى بزشكيان بخلاصة نهاية المناظرة، بينما قاطعه جليلي عدة مرات ليرد على اتهامات موجهة إليه، مما أثار حفيظة أنصار المرشح الإصلاحي. وخلال الدقائق الأخيرة، قال بزشكيان مخاطبا الشارع إنه يريد التفاوض مع أميركا بينما خصمه لا يريد ذلك، مضيفا أن سياسته هي لا شرقية ولا غربية، وتقوم على التعامل البنّاء مع العالم. وتابع قائلاً إنه يريد رفع العقوبات بينما جليلي لا يريد، متهما الأخير بأنه ليس أهلاً للرئاسة.

المساهمون