فشل استفتاء المجر يحفز جهود ترتيب البيت الداخلي الأوروبي

07 أكتوبر 2016
مهاجرون عالقون على الحدود المجرية (تالا أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -
تحاول المفوضية الأوروبية العمل على تجاوز الوضع الحرج الذي تواجهه دول الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء خروج بريطانيا، واستفحال التباينات حول التعامل مع أزمة اللاجئين. ويسعى قادة الدول المؤثرة في التكتل الأوروبي للعمل على أجندة واضحة، تحدد من خلالها خطواتها المستقبلية، وهو ما عبّر عنه أخيراً رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بقوله إن "الشيء الوحيد المجدي هو أن يكون هناك تقييم صادق وواقعي للوضع حتى ولو كان ذلك قاسياً".

أمام هذا الواقع، يرى خبراء في السياسة الأوروبية أن "على دول الاتحاد الأوروبي التضامن من أجل مواجهة هذا التهديد، لا بناء الأسوار، وانتهاج سياسة الأنانية في موضوع الهجرة على حساب جيرانهم. وهذا ما يحدث انقساماً أكبر بين أعضاء التكتل ويُشكّل مدعاة للخطر". وهو ما عاد ودفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حديثها الأخير لصحيفة "دي تسايت"، إلى توجيه الانتقاد مجدداً لإغلاق طريق البلقان، كونه لم يحلّ مشكلة اللاجئين، منوّهة إلى "وصول نحو 45 ألف لاجئ إلى اليونان، وأن اتفاق اللجوء التركي الأوروبي وحده من ساهم في الحدّ من تدفق اللاجئين".

في هذا الصدد أيضاً، أشار الخبراء إلى أن "رئيس المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا فرانك يورغن فايزه، عبّر عن امتعاضه أخيراً من عدم رغبة العديد من دول الاتحاد الأوروبي، تطبيقاً لاتفاقية دبلن، في استعادة اللاجئين الذين سبق أن تم تسجيلهم على أراضيها. وأن الجهود لم تنجح سوى باسترداد 2400 لاجئ، على الرغم من وجود 34.4 ألف حالة مماثلة في ألمانيا". مع العلم أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، أعلن عن أن "تلك الدول لن تترك بمفردها، وسيُصار إلى زيادة مساعداتها للتعامل مع اللاجئين".

إلى ذلك، اعتبر باحثون اجتماعيون أن خسارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، يوم الأحد، الاستفتاء على الحصة الإلزامية للاجئين التي أُقرّت من قبل الاتحاد الأوروبي، جاءت لتؤكد على أن شعوب دول أوروبا الشرقية، ومنها المجر، تدرك جيداً أن أزمة اللاجئين تتجاوز حدودها. كما أبدوا استغرابهم من عدم اعتراف أوربان بالهزيمة، بعد عودته لرفع سقف خطابه، داعياً إلى "طرد الغزاة المسلمين، ومتابعة النضال إلى جانب أوروبا المسيحية"، ومتسائلاً "مع من سنعيش" وماذا سيحل بثقافة بلده وأسلوب الحياة فيها لكون المسألة متعلقة "بالجذور المسيحية".

ولفت هؤلاء إلى التقارير الإعلامية التي كشفت أخيراً عن نشاط ما يسمى تجار الإقامات في المجر مقابل القرض الحكومي، إذ يصار إلى إيداع مبالغ مالية تفوق 300 ألف يورو في البنوك المجرية لمدة خمس سنوات، كأحد الشروط للاستحصال على إقامة أوروبية في بودابست، من دون النظر إلى دين الشخص. وتبيّن في هذا الصدد، أن أكثر المستفيدين هم مواطنون من مصر والجزائر والأردن وتركيا وإيران. وهذا ما يدحض الشعارات التي يحاول أوربان إثارتها.

في هذا الإطار، انتقدت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها نُشر مطلع الأسبوع، الدول الغنية "كونها لا تبذل جهوداً تتناسب مع قدراتها لدعم اللاجئين، على الرغم من أن هؤلاء يعيشون في ظل ظروف كارثية، كالسكن في أماكن قذرة ومكتظة، ويعانون من الاعتداء الجسدي والجنسي ويموتون بسبب النقص في الرعاية الطبية". ووفقاً للأمين العام للمنظمة، سليل شيتي، فإن "المشكلة لا تكمن في عدد اللاجئين بحدّ ذاته، بل بتنصّل دول من مسؤولياتها، وعلى الدول الغنية أن تتحمّل أعباء أكثر". وانتقدت المنظمة صراحة أستراليا وبعض دول الاتحاد الأوروبي بسبب معاملتها السيئة للاجئين.

وأضاف الخبراء أن "على أوروبا اعتماد استراتيجية شاملة في سياسة الهجرة، منها استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين مباشرة من دول خط المواجهة وبطريقة آمنة ومنظمة وضخ الأموال الكافية لها. كما يجب وضع آليات مشتركة لاستعادة السيطرة على حدودها"، علماً أن التقديرات تشير إلى أن هناك حاجة إلى 30 مليار يورو على الأقلّ سنوياً لهذا الغرض. فضلاً أنه يتوجب استعادة الثقة بين الدول الأعضاء والبتّ بطلبات اللجوء وإعادة التوطين للاجئين. كما أنه يجب أن تكون أكثر سخاء في نهجها المالي المعتمد مع البلدان المضيفة للاجئين، ناهيك عن اعتماد حل طويل الأجل للمهاجرين الاقتصاديين، للتوصل إلى تهدئة مخاوف الجمهور والحدّ من التدفق الفوضوي للاجئين والتأكد من أن القادمين الجدد سيشكلون نوعاً من التكامل لبناء علاقات المنفعة مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، كما الامتثال لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

في المقابل، اعتبر مراقبون أن أزمة اللاجئين ليست الوحيدة في أوروبا، فشيخوخة السكان في القارة العجوز تفوق المشاكل المرتبطة بالهجرة، على الرغم من أن الشعبويين يدّعون خلاف ذلك، وخاضوا حملاتهم الانتخابية في عدد من الدول وحققوا نجاحات كان لها وقعها على الرأي العام العالمي. ومنها ما حصل في ألمانيا الشهر الماضي، حين فرض اليمين الشعبوي نفسه على الحياة السياسية، بفوزه في الانتخابات البرلمانية المحلية في ولايتي برلين ومكلنبورغ فوربومرن، كما يظهر الأمر عينه في بريطانيا، بعد تمكن حزب الاستقلال المعادي للهجرة والتكتل الأوروبي، من تجسيد دوره ونجاح حركاته الشعبوية في التأثير على خيارات المواطن البريطاني، وتسبب بنجاح الاستفتاء وخروجها من الاتحاد.

المساهمون