"وصلت الباصات الخضرا"، نداء تناقله الشباب سريعاً في المناطق المهجرة. لحظة لا شبيه لها إلا لحظة الموت، فقد حان موعد الرحيل إلى المجهول، وبدأ الوقت بالتسارع، مخالفاً لما كان عليه طيلة أربع سنوات من الحصار والجوع والموت اليومي، بحسب أبو عبدالله، أحد أبناء ريف دمشق، الذي لم ينهِ بعد عقده الثالث من العمر وهجر أخيراً إلى الشمال السوري.
وتابع أبو عبدالله قائلاً إن "كل شيء عبارة عن لحظات تحرّض الذاكرة لعمر وحلم معجونين بهذه الأرض وهؤلاء الناس. لا أستطيع أن أصف القهر الذي عشناه وما زال يقبض على قلوبنا. كيف لنا بهذا الوقت القصير أن نودع أخوتنا وأصدقاءنا الذين رحلوا عنا، وهم يحملوننا أمانة تحقيق الحلم بالحرية، وأن أزور أركان مدينتي المدمرة والذكريات تمرّ سريعاً أمامي؟ وكيف سنترك من آمن بقضيتنا وقاسمنا الحلم، وما زال وجه أمي الغارق بالدموع ودعائها لو أن تلك الباصات الخضراء تختفي عن وجه الأرض أمامي؟".
وأضاف "منذ بدأ الحديث عن أن الخيارات انحسمت، فإما أن تخضع للنظام وتعيش تحت رحمته، وإما أن تغادر إلى إدلب. لم يغادر شبح الباصات الخضراء أحلامي ويقظتي، فقد سبق أن شاهدناها وهي تهجر أهالي مناطق أخرى، حتى أن هذه الباصات تحولت إلى كناية عن التهجير فأصبحنا نسأل عن موعد قدومها، وكأنها القضاء الذي ننتظر".
من جهته، رأى عضو "المجلس المحلي لمدينة داريا" المهجر حسام عياش، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من أصعب ما يمكن أن يطلب مني، هو أن أتحدث عن لحظات ركوبنا الباصات. حينها كنت أفكر في وجه الشبه بيننا وبين الفلسطينيين. فكم كان خيار البقاء متاحاً أم كان قرار الموت في مدينتنا هو الأصح. هل داريا فتحت الطريق أمام الباصات لغير مناطق، رغم أن الوضع فيها مختلف عن باقي المناطق والجميع يعلم؟". ولفت إلى أن "الباصات تحولت إلى رمزية للتفريق، والأثر الأسوأ على الثورة. لقد وصلنا إلى السنة السادسة منها وحان الأوان إدراك أن الحلول ليست مناطقية، لأن المناطق لم تعد مستعدة لخوض تجربتها الثورية، متحججة بداريا وما وقع لها، وترضي نفسها بأنها ذاهبة إلى الشمال، وهو معقل الثورة؛ وهذا الكلام ليس صحيحا بالمجمل باعتقادي".
بدوره، رأى عضو المكتب الإعلامي لـ"المجلس المحلي في داريا، شادي مطر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الباصات الخضراء التي تحولت إلى رمزية للتهجير، هي نتيجة تخاذل دولي وفصائلي كبير أدت لهذه النتيجة. فخلال الفترة الأخيرة بداريا، حاولت لجنة التفاوض المفوّضة من الكيانات بداريا التواصل مع الروس لإيقاف تقدم النظام، والقصف العنيف على المدنيين، واجباره بالالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية، لكن الروس رفضوا التدخل، على الرغم من أنهم لا يمتلكون أي حجة، ويعلمون بعدم وجود فصائل داخل داريا، تابعة للقاعدة أو النصرة أو غيرها ممن يسمونها فصائل إرهابية".
اقــرأ أيضاً
أما الناشط المدني عبد الرحمن فتوح، المهجر من الهامة، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "لحظة وقوفي أمام باص التهجير كان شعوراً مؤلماً أبكاني بحرقة، وأنا لم أبك منذ زمن بعيد. آلمتني الطريقة، وآلمني أنني لن أعود إلى وطني حتى وقت بعيد، وربما لن أعود مطلقاً. في وقتٍ يحق للإيراني أو الروسي أن يدخل بيتي؛ وأنا الذي حرمت منه مدى الحياة. هذه الدولة لا تحترم مواطنيها. مشاعري مختلطة، ورافقتها مشاعر سعيدة، بأنني خرجت سالماً. وبعد كل ما مررت به، تضاءلت الأحلام حتى أصبحنا نحلم فقط بأن نخرج بأقل الخسائر، واحتمال لقائنا بأبناء وطننا داخل الوطن أصبح معدوماً".
أما أبو شادي الدمشقي، وهو أحد سكان دمشق، فذكر في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "قبل سنوات كان التحدي اليومي وبشكل روتيني، بعد انتظار طويل على قارعة الطريق، الركوب بوسيلة النقل العامة الوحيدة حينها، وهي الباصات الخضراء او الخضر كما هو دارج، بسبب لونها. وهو ما كان يتطلب الركض السريع ومن ثم التدافع ضمن ازدحام شديد، قد يصل إلى حدّ الشجار".
وأضاف "طبعاً لم تكن الحالة القهرية بالطريقة المذلة لركوب الحافلة العامة، ككثير من البلدان العربية، بل هناك صورة عنصر الأمن أو العسكري، الذي في الغالب يحمل مسدسه على جنبه، هامساً للجابي أو مفتش التذاكر بأنه عسكري أو رجل أمن. ما يعني أنه لا يدفع تعرفة النقل، في وقتٍ يحاول الجميع الابتعاد عنه، لعدم الوقوع في مشكلة لا تحمد نتائجها. وهذا المشهد يندرج في كافة المؤسسات العامة، خصوصاً الخدمية من فرن الخبز إلى أكبر مؤسسة أخرى، فمن المعروف أنه لا يحترم بها دورا أو قانونا".
وقد ارتبطت هذه الباصات بحالة قهرية منذ بداية الحراك المناهض للنظام عام 2011، حين تم وضع جميع الباصات الخضراء، وهي حافلات للنقل العام مملوكة لمؤسسة النقل الداخلي، ومقرها دمشق، وكانت تعمل في المدن الرئيسية، تحديداً دمشق وحلب، تحت تصرف القوات النظامية، وعلى رأسها الأفرع الأمنية. وكانت تلك الأفرع تنقل "الشبيحة" الموالين لها، لقمع التظاهرات المناهضة للنظام، كما تم ملؤها بالمعتقلين في حملات المداهمات، والتي سرعان ما تحولت إلى باصات خدمة لنقل احتياجات مقاتليه.
كما يربط السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الباصات الخضراء بحملات الاعتقالات التي يشنها بين الحين والآخر، الخاصة بفرض الخدمة العسكرية على الشباب ضمن صفوف قواته، إضافة إلى حملات التفتيش والمداهمة التي يشنها كذلك على بعض المناطق التي لا يثق بولاء سكانها أو تجمعات النازحين من مناطق خارج سيطرته.
وتابع أبو عبدالله قائلاً إن "كل شيء عبارة عن لحظات تحرّض الذاكرة لعمر وحلم معجونين بهذه الأرض وهؤلاء الناس. لا أستطيع أن أصف القهر الذي عشناه وما زال يقبض على قلوبنا. كيف لنا بهذا الوقت القصير أن نودع أخوتنا وأصدقاءنا الذين رحلوا عنا، وهم يحملوننا أمانة تحقيق الحلم بالحرية، وأن أزور أركان مدينتي المدمرة والذكريات تمرّ سريعاً أمامي؟ وكيف سنترك من آمن بقضيتنا وقاسمنا الحلم، وما زال وجه أمي الغارق بالدموع ودعائها لو أن تلك الباصات الخضراء تختفي عن وجه الأرض أمامي؟".
وأضاف "منذ بدأ الحديث عن أن الخيارات انحسمت، فإما أن تخضع للنظام وتعيش تحت رحمته، وإما أن تغادر إلى إدلب. لم يغادر شبح الباصات الخضراء أحلامي ويقظتي، فقد سبق أن شاهدناها وهي تهجر أهالي مناطق أخرى، حتى أن هذه الباصات تحولت إلى كناية عن التهجير فأصبحنا نسأل عن موعد قدومها، وكأنها القضاء الذي ننتظر".
بدوره، رأى عضو المكتب الإعلامي لـ"المجلس المحلي في داريا، شادي مطر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الباصات الخضراء التي تحولت إلى رمزية للتهجير، هي نتيجة تخاذل دولي وفصائلي كبير أدت لهذه النتيجة. فخلال الفترة الأخيرة بداريا، حاولت لجنة التفاوض المفوّضة من الكيانات بداريا التواصل مع الروس لإيقاف تقدم النظام، والقصف العنيف على المدنيين، واجباره بالالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية، لكن الروس رفضوا التدخل، على الرغم من أنهم لا يمتلكون أي حجة، ويعلمون بعدم وجود فصائل داخل داريا، تابعة للقاعدة أو النصرة أو غيرها ممن يسمونها فصائل إرهابية".
أما الناشط المدني عبد الرحمن فتوح، المهجر من الهامة، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "لحظة وقوفي أمام باص التهجير كان شعوراً مؤلماً أبكاني بحرقة، وأنا لم أبك منذ زمن بعيد. آلمتني الطريقة، وآلمني أنني لن أعود إلى وطني حتى وقت بعيد، وربما لن أعود مطلقاً. في وقتٍ يحق للإيراني أو الروسي أن يدخل بيتي؛ وأنا الذي حرمت منه مدى الحياة. هذه الدولة لا تحترم مواطنيها. مشاعري مختلطة، ورافقتها مشاعر سعيدة، بأنني خرجت سالماً. وبعد كل ما مررت به، تضاءلت الأحلام حتى أصبحنا نحلم فقط بأن نخرج بأقل الخسائر، واحتمال لقائنا بأبناء وطننا داخل الوطن أصبح معدوماً".
أما أبو شادي الدمشقي، وهو أحد سكان دمشق، فذكر في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "قبل سنوات كان التحدي اليومي وبشكل روتيني، بعد انتظار طويل على قارعة الطريق، الركوب بوسيلة النقل العامة الوحيدة حينها، وهي الباصات الخضراء او الخضر كما هو دارج، بسبب لونها. وهو ما كان يتطلب الركض السريع ومن ثم التدافع ضمن ازدحام شديد، قد يصل إلى حدّ الشجار".
وقد ارتبطت هذه الباصات بحالة قهرية منذ بداية الحراك المناهض للنظام عام 2011، حين تم وضع جميع الباصات الخضراء، وهي حافلات للنقل العام مملوكة لمؤسسة النقل الداخلي، ومقرها دمشق، وكانت تعمل في المدن الرئيسية، تحديداً دمشق وحلب، تحت تصرف القوات النظامية، وعلى رأسها الأفرع الأمنية. وكانت تلك الأفرع تنقل "الشبيحة" الموالين لها، لقمع التظاهرات المناهضة للنظام، كما تم ملؤها بالمعتقلين في حملات المداهمات، والتي سرعان ما تحولت إلى باصات خدمة لنقل احتياجات مقاتليه.
كما يربط السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الباصات الخضراء بحملات الاعتقالات التي يشنها بين الحين والآخر، الخاصة بفرض الخدمة العسكرية على الشباب ضمن صفوف قواته، إضافة إلى حملات التفتيش والمداهمة التي يشنها كذلك على بعض المناطق التي لا يثق بولاء سكانها أو تجمعات النازحين من مناطق خارج سيطرته.