إسرائيل تبحث مكاسبها من التدخّل الروسي في سورية

23 يناير 2016
التنسيق الإسرائيلي الروسي مرشح للاستمرار (Getty)
+ الخط -


يخصّص التقرير السنوي الاستراتيجي لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراستين، حول المكاسب المحتملة لإسرائيل من الدور الروسي في سورية من جهة، مقابل تبعات وآفاق العلاقات بين إسرائيل والدول العظمى، ودور هذه الأخيرة في منظومة الشرق الأوسط الإقليمية.

وتبيّن الدراسة الخاصة بالملف الروسي، والتي وضعها نائب رئيس المركز، العقيد احتياط أدوي ديكل، مع الباحث، تسفي مغين (الذي شارك أيضاً في الورقة الخاصة بالعلاقات مع الدول العظمى)، أنه بالإضافة إلى المصلحة الروسية بالحفاظ على منفذ على البحر المتوسط، فإن روسيا ومن خلال دورها في سورية، ترى أن الملف السوري يشكّل أداة لتكريس دورها العالمي، وأيضاً ورقة مساومة في الملف الأوكراني لجهة تكريس المصالح الروسية في أوكرانيا، ووقف زحف حلف شمال الأطلسي شرقاً.

وفي هذا السياق، يرى التقرير الاستراتيجي أن روسيا ستكون مستعدة في النهاية للتنازل عن بقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في الحكم، مقابل ضمان مصالحها في سورية والمنطقة. لكن هذا طبعاً، لا يفسر أو لا يوضح حقيقة المكاسب الإسرائيلية، إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا في سعيها إلى تكريس دورها الإقليمي، كانت بفعل قواعد اللعبة الدولية، ملزمة بالتوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل، شجعها على الوصول إليها تحسّن العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة، والتزام إسرائيل بالصمت، أو على الأقل موقف الحياد، في الملف الأوكراني.

ويرى الباحثان أن الدور الروسي في سورية يحمل في طياته دلالات متعددة الأوجه لإسرائيل، أولها التنسيق العسكري والتفاهمات المشتركة منذ زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو في سبتمبر/أيلول الماضي، ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لضمان عدم وقوع احتكاك بين القوات الروسية والقوات الإسرائيلية في الأجواء السورية، وهو تنسيق مرشح للاستمرار والتواصل.

في المقابل، فإن لهذا التدخّل بحسب التقرير، وجوهاً سلبية أو تحمل دلالات سلبية، كنشر روسيا بطاريات صواريخ أرض-جو من طراز "إس 400" شمالي سورية، وهو ما قد يفرض قيوداً على حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية، على الرغم من أنه يُلاحَظ أن نشر هذه البطاريات، والوجود الاستخباراتي الروسي المكثف، لم يؤدِ لغاية الآن إلى تقييد حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي، كما بيّنت عملية اغتيال سمير القنطار.

اقرأ أيضاً: بوتين رجل العام للإسرائيليين: "بطل" يكره الديمقراطية

وفيما يلفت الباحثان الإسرائيليان إلى القلق الإسرائيلي من تداعيات محتملة للتعاون بين روسيا والمحور "الإيراني الشيعي"، على شكل انتشار قوات إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في الجولان، وتهديد أمن إسرائيل، فإنهما يقترحان لاستباق ذلك، إطلاق حوار استراتيجي مع روسيا(عملاً بأن مثل هذا الحوار كان مقتصراً على الأمن)، تصرّ فيه إسرائيل على التزام روسي بمنع إنشاء جبهة جديدة تقودها إيران وتوجّهها ضد إسرائيل في هضبة الجولان وسورية.

وفي رأي يتفق مع الورقة الخاصة بعلاقات إسرائيل بالدول العظمى، التي وضعها عوديد عيران وتسفي مغين، يرى ديكل ومغين أن الوجود الروسي في سورية، والعلاقات بين سورية والمحور الإيراني، من شأنها في حال حوار إسرائيلي روسي، أن تمنح إسرائيل فرصة لضمان دور روسي كابح وضابط لإيران وحزب الله تجاه إسرائيل. كما يدعو ديكل ومغين إلى السعي إلى الاتفاق على قاعدة "لعبة" متفق عليها بين إسرائيل وروسيا، لمنع أي توتر أو تصعيد بين الطرفين، وصولاً إلى تكريس ثوابت وأسس للتفاهمات بين الطرفين بشأن مستقبل سورية.

وعلى صعيد مستقبل العلاقات الإسرائيلية مع باقي الدول العظمى، ودور الأخيرة في الشرق الأوسط، فإن ورقة مغين وعيران تتوقع أن العام الحالي لن يشهد تغييراً أساسياً في الموقف الاستراتيجي للإدارة الأميركية، بشأن مواصلة سياسة الاحتواء للدور الروسي في المنطقة والتسليم به، ولا في الموقف من طهران ما بعد الاتفاق النووي، إلا في حال أقدمت الأخيرة على خرق فظّ وشديد للاتفاق يجبر الإدارة الأميركية على الرد عليه.

وترى الورقة أنه على مستوى العلاقات الثنائية الأميركية-الإسرائيلية، فإنه من غير المتوقع أي تغيير جديد، خصوصاً في العام الأخير لإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في مختلف الملفات، السورية والإيرانية والفلسطينية. ويرى الكاتبان أن إدارة أوباما قد تنازلت كلياً عن محاولة استئناف العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، في حين يبدو أن الطرف الفلسطيني يفضّل مراكمة إنجازات على الصعيد الدولي والدبلوماسي على العودة إلى المفاوضات.

ويفرد الكاتبان مساحة خاصة لمستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والسيناريوهات المختلفة في ظل التوتر الأخير في العلاقات بين إسرائيل والاتحاد، على خلفية مسألة البناء في المستوطنات والموقف الأوروبي من مشروع الاستيطان. ويرى الكاتبان أن العامل الأكبر في استشراف مستقبل العلاقة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، مرهون بمدى تعاون إسرائيل مع برنامج الاتحاد الأوروبي الخاص بالعلاقات مع دول الجوار غير الأوروبية، وغير المرشحة لأن تكون عضواً فيه، والمعروف بـ"ENP"، مثل إسرائيل. فقد ثابرت إسرائيل منذ إطلاق هذا البرنامج في عام 2004 إلى ضمان أقل درجة من التعاون معه. وتراهن في غضون ذلك على تعزيز علاقاتها مع دول داخل الاتحاد، لتخفيف وطأة القرارات ضدها، مثل العلاقات الخاصة، التي تنسجها مع دول من حوض المتوسط. وكان للعلاقات مع هذه الدول أثر كبير، الإثنين الماضي، في تخفيف حدة قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الخاص بتأكيد عدم سريان الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل على المستوطنات.

كما من شأن رص وحدة الاتحاد الأوروبي تحت قيادة دول لها علاقات صداقة مبدئية مع إسرائيل، أن يكون أكثر فاعلية في تخفيف القرارات ضد إسرائيل، ويُمكّن الأخيرة من منع مبادرات مناهضة لإسرائيل، قد تصدر عن دول معينة (كالسويد مثلاً). ويرى الكاتبان أن فرص انضمام إسرائيل إلى مشروع ENP"" في عام 2016، قليلة، وأنه من المرجّح أن تطور إسرائيل بدلاً من ذلك منظومة علاقات وأسس تعاون بديلة، ولا سيما في مجال "مكافحة الإرهاب" والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

اقرأ أيضاً: مؤتمر "أبحاث الأمن القومي": إسرائيل عاجزة عن ردع المقاومة