المغربية عريب.. من مراهقة مُهاجرة إلى رئيسة برلمان هولندا

14 يناير 2016
عريب أول امرأة تترأس برلماناً أوروبياً ( فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن خديجة عريب، ابنة مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، تتوقع أن تصير يوماً، رئيسة البرلمان الهولندي، وهي التي هاجرت، رفقة أسرتها، إلى "بلاد الأراضي المنخفضة" بعد أن تجاوزت خمس عشرة سنة.

عريب، الهولندية من أصل مغربي، درست علم الاجتماع بأمستردام، وكثيراً ما عبرت عن "تضايقها من أمور مُتعددة عليها أن تتغير"، ولأجل ذلك دخلت عالم السياسة، لتنتخب سنة 1998 عضواً بالبرلمان الهولندي مرشحة عن حزب "العمل"، بعد أن جعلت قضايا المرأة على رأس اهتماماتها، بحسب ما أكدت في أكثر من تصريح صحافي.

ويُعد انتخاب عريب لهذا المنصب الرفيع سابقة في تاريخ هولندا، فابتداء من أمس الأربعاء أصبحت أول مُهاجرة من أصول عربية تُنتخب رئيسة لمجلس النواب الهولندي، بعد فوزها بـ83 صوتاً من أصل 134 صوتاً.

 

من البيضاء إلى امستردام

ولدت عريب بمدينة الدار البيضاء، التي توصف بـ"المدينة الغول"، وفيها عاشت طفولتها، ثُم انتقلت إلى هولندا، بعد أن قرر والدها الرحيل للبحث عن فرص عيش أفضل خارج المغرب.

في أمستردام خطت المهاجرة المغربية الشابة أولى خطوات نجاح كبير، وكانت البداية بالالتحاق بجامعة أمستردام لدراسة علم الاجتماع. قصة نجاح عريب حكتها في سيرة ذاتية اختارت لها عنوان "كسكس"، الذي يحمل دلالات على تشبثها بأصلها المغربي، وأن ذاكرة الهوية لديها لا تزال حية ومشدودة إلى الوطن الأم.

حتى بعد وفاة والدها، وعودة الأم إلى "الأصل" للعيش بالمغرب، اختارت عريب خوض التحدي والبقاء في هولندا، بل وأكثر من ذلك اختارت أن تدافع عن حُقوق المُهاجرين واللاجئين. "لقد تعرفت عليها حينما كُنت لاجئاً هُناك، كانت إنسانة نشِطة"، يقول إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحُقوق الإنسان بالمغرب، مُضيفاً، أنها "كانت من أنشط المُدافعين عن حُقوق المُهاجرين بهولندا".

وأوضح اليزمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اشتغال عريب لم يقتصر فقط على الدفاع عن حُقوق المُهاجرين، بل شمل، أيضاً، مُواكبة "الحراك الحقوقي" الذي شهده المغرب مع انطلاق "هيئة الإنصاف والمُصالحة"، التي أنشأها الملك محمد السادس لجبر ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت في عهد والده الحسن الثاني.

اليزمي يكشف أن رئيسة البرلمان الهولندي الجديدة حرصت على مواكبة عمل "هيئة الإنصاف والمصالحة"، وعبرت أكثر من مرة عن إعجابها بطريقة اشتغالها، خاصة وأن شهادات الضحايا نقلت في الإعلام العمومي، بل وشاركت في ندوة حول جبر الضرر الجماعي، يضيف المتحدث.

 

جنسية مزدوجة

وبخلاف ترحيب كثيرين بانتخاب المهاجرة المغربية رئيسة لمجلس النواب الهولندي، هاجم آخرون انتخابها، إذ اعتبر النائب خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المُتطرف بهولندا، اختيار عريب "يوماً أسود في تاريخ البرلمان"، بل وعاب على الرئيسة الجديدة أنها لا تزال تحتفظ بجنسيتها المغربية إلى جانب الهولندية، مُعتبراً في تصريحات صحافية أنه "لا يجوز أن يتولى شخص يحمل جنسيتين رئاسة مجلس النواب الهولندي".

اقرأ أيضاً: ألمانيا.. 6 وسائل لتعبئة اليمين المتطرف ضد اللاجئين

عريب لم تتأخر في الرد على انتقادات فيلدرز، المعروف بعدائه للمهاجرين، وخاصة العرب والمسلمين، إذ أوضحت أنها تقوم بعملها ببساطة، مضيفة، فيما يشبه التحدي والإصرار، أنه يُمكنها أن تتولى، أيضاً، رئاسة الحزب، "من أجل الحرية والعيش في ديمقراطية".

وعلى الرغم من أن النهاية كانت سعيد بالنسبة لعريب، بعد أن نالت ثقة النواب الهولنديين، إلا أن ترشحها مر في ظروف صعبة، خاصة بعد أن أثير موضوع "ازدواجية الجنسية" خلال تنافسها الانتخابي مع مرشح حزب "النداء الديمقراطي المسيحي"، مادلين فان تورنبورغ.

اليزمي يوضح أن الهُجوم الذي تعرضت له عريب بسبب جنسيتها المُزدوجة ليس وليد اليوم، مُشيراً إلى أنه، وبعد مُشاركتها في مجموعة من أنشطة المجلس الاستشاري لحُقوق الإنسان بالمغرب، اتهمت بـ"الولاء للمغرب أكثر من هولندا"، بحسب قول المُتحدث، الذي شدد على أن "رئيسة البرلمان الهولندي الحالية تجاوزت هذا الهجوم بسلاسة وذكاء".

 

حينما يُفتح المجال..

رئيسة فريق "الأصالة والمعاصرة" بمجلس النواب المغربي (معارضة) لا تخفي فخرها كمغربية بـ"الإنجاز الذي حققته عريب"، مُعتبرة أن في ذلك اعترافاً بمكانة المرأة المغربية والعربية وما يمكن أن تصل إليه.

وقالت حازب، لـ"العربي الجديد"، إن من انتخاب عريب لهذا المنصب الرفيع يؤكد أنه "حينما يُفتح للمرأة مجال الاشتغال بحرية، فإنها تثبت قدرتها على تحمل مسؤوليات كبيرة ومهام رفيعة".

وأبرزت السياسية المغربية أن مجموعة من النساء المغربيات اللواتي غادرن أرض الوطن حققن نجاحات وصفتها بـ"الكبيرة"، مُعتبرة أن "المرأة المغربية تتوفر على كفاءة تبرز حين تجد البيئة الحاضنة"، قبل أن تستدرك: "لكن العقلية الذكورية، وخوف السياسي الذكر من مُنافستها له، يدفعان إلى وضع العراقيل والعقبات أمامها"، مشددة على أن مثل هذا السلوك هو ما يمنع عدداً من المغربيات من إبراز كفاءاتهن.​

اقرأ أيضاً: خبراء: على ألمانيا تدبر ماضيها لدمج المهاجرين