مدحت محمود... هل تُسقط التظاهرات رجُل المالكي وبريمر وصدّام؟

05 سبتمبر 2015
اتهامات لمحمود بالصمت على خرق الدستور (من الانترنت)
+ الخط -
تصدّر مطلب إصلاح القضاء العراقي وإقالة رئيسه مدحت المحمود، قائمة شروط المتظاهرين في بغداد ومدن عراقية مختلفة، التي قُدّمت للحكومة العراقية بشكل رسمي الأسبوع الماضي، وذلك في تطور لافت يشير إلى احتمال تصعيد في الموقف السياسي في البلاد بسبب الانقسام السياسي على إقالة المحمود وتأييد قادة مليشيات "الحشد الشعبي" له في بيانات رسمية صدرت عنهم.

ويتهم المتظاهرون رئيس مجلس القضاء الأعلى، صاحب النفوذ الأعلى، القاضي مدحت المحمود، بالفساد والتسبب بتسييس الجهاز القضائي في العراق عبر ولائه العلني لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وإصداره مذكرات توقيف بحق خصومه السياسيين.

والمحمود، الذي يصادف عيد ميلاده الإثنين والثمانين في الواحد والعشرين من الشهر الحالي، عمل محامياً ثم قاضياً قبل الاحتلال الأميركي، وتدرّج حتى عُيّن نائباً لرئيس محكمة استئناف بغداد إبان النظام السابق. ويتهمه خصومه بأنه عمل مع حزب "البعث"، وأقرّ قانوناً لصالح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يتضمن قطع أذن الجندي الهارب من الخدمة العسكرية. فيما يتداول ناشطون وثائق تشير إلى أنه عمل في لجنة الاستفتاء على اختيار صدام حسين رئيساً للجمهورية قبيل الاحتلال بسنوات، وأعلن أن نسبة القبول الشعبي بلغت 99.9 في المائة من مجموع الشعب، وله مقالة اعتبر فيها بيعة العراقيين لصدام حسين مطلقة ودائمة لا حاجة لتجديدها مرة أخرى.

عقب الاحتلال الأميركي، عاد المحمود إلى الواجهة مستغلاً اصطفافه الطائفي، ليُعيَّن من قِبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمر مشرفاً على وزارة العدل، ثم رئيساً لمجلس القضاء الأعلى الذي يُعتبر أعلى سلطة في البلاد. وبحسب الدستور، فإنه مسؤول عن تفسير بنود الدستور وإلزام العملية السياسية بها.

ويستمر المحمود في منصبه منذ أكثر من عشرة أعوام، وتسبّبت تفسيرات الدستور التي أعلنها بمشاكل جمة في العراق، منها تفسير المادة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الحكومة. فبعد فوز "القائمة العراقية" بالانتخابات بزعامة إياد علاوي في العام 2010 على قائمة "دولة القانون" بزعامة المالكي، خرج المحمود ليعلن أن "القائمة العراقية" ليست الكتلة الأكبر بحسب الدستور، فالمقصود بالمادة ليس الكتلة الأكبر بعدد الأصوات الفائزة بالانتخابات الشعبية، بل الكتلة الأكبر التي ستتشكّل داخل البرلمان بعد أول جلسة انعقاد. وهكذا نجح المالكي بأن يجدد ولاية ثانية له بعد تحالفه مع كتل "التحالف الوطني" الأخرى.

كما قام المحمود بإيقاف عشرات مذكرات الاعتقال وتجميد قضايا فساد متهم فيها وزراء وسياسيون بارزون، في الوقت الذي أصدر فيه مذكرات اعتقال بحق سياسيين من خصوم المالكي، كأحمد العلواني المعتقل حالياً، والبرلمانيين أمثال ناصر الجنابي ومحمد الدليمي ومحمد الدايني وغيرهم، فضلاً عن رفضه قبول عدد من الدعاوى القضائية ضد المالكي بتهم عدة.

كما رفض إحالة المتورطين بقضية خنق 16 معتقلاً في سجن أبو غريب للقضاء، وأثار لغطاً في إغلاقه قضية السجون السرية ضد مجهول. ولم ينجح المحمود في البت بأي قضية مهمة تتعلّق بالعملية السياسية ومشاكلها أو بالقضايا الأمنية، ومن هذا المنطلق يطالب المتظاهرون بإقالته من منصبه.

ودعا النائب العراقي عن "التحالف الوطني" حيدر الفوادي، لإقالة المحمود وإصلاح المنظومة القضائية بما يتناسب وحجم الفساد، مشيراً في بيان تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، إلى أن "الفساد لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال قضاء نزيه ومستقل وقوي". يأتي ذلك بعد ساعات من دعوة المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني، لإصلاح المؤسسة القضائية في البلاد، خلال خطبة الجمعة في مدينة كربلاء، وذلك تماشياً مع مطالب المتظاهرين.

اقرأ أيضاً: اغتيالات تطاول قادة التظاهرات العراقية... واتهامات للمليشيات

وكانت التظاهرات في الأيام الأخيرة، خُصِصت في جزء كبير منها للمطالبة بإقالة المحمود، وُوجهت خلالها اتهامات له، منها صمته منذ 10 سنوات عن خرق المادة الدستورية رقم 18 والتي تمنع ازدواج الجنسية لمن يشغل منصباً سيادياً أو أمنياً، وغض النظر عن خرق المالكي للمادة الدستورية بخصوص تقديم الحكومة للميزانية والحسابات الختامية للبرلمان لمناقشتها، وبسببها استفحل الفساد في العراق، إضافة إلى تعطيل قوانين النفط والغاز والحدود المشتركة مع إيران بشكل أدى إلى ابتلاع إيران أكثر من 13 كيلومتراً من الأراضي العراقية وثلاثة حقول نفط مشتركة.

ومن الاتهامات التي وُجّهت للمحمود أيضاً خلال التظاهرات، إصداره قرارات أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط القانونية والسياسية وساهمت مباشرة في تغوّل السلطة التنفيذية، ومهّدت الطريق كاملة لإعادة إنتاج سلطة ديكتاتورية برداء ديمقراطي، إضافة إلى حكمه سيئ الصيت بتفسير النص الدستوري المتعلق بالكتلة الأكبر، وعدم الحرص على المال العام وتجميد قضايا التحقيق مع كبار المسؤولين، ورفضه قبول قضايا القتل على الهوية، والقصف بالبراميل المتفجرة، وسرقة أموال النازحين، ومجزرتي الحويجة وسارية في كركوك وبعقوبة.

وحول ذلك، يقول القيادي في الحراك الشعبي العراقي محمد عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إنه "في حال كان الفساد "أم البلايا"، كما وصفته المرجعية، فإن مدحت المحمود أبوها والمدعي العام عمها ولصوص المال العام أبناؤها"، مشدداً على ضرورة "إصلاح القضاء قبل كل شيء، وإلا فإن إصلاحات (رئيس الوزراء حيدر) العبادي الأخرى لا معنى لها".

من جهته، دعا النائب المستقل محمد اللكاش إلى ما وصفه بـ"إلغاء قانون سلطة الائتلاف بعد احتلال العراق بتعيين المحمود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى". واعتبر اللكاش في تصريح صحافي، أن "السلطة القضائية لم تقم بأية إصلاحات"، مطالباً البرلمان "بإلغاء مهام المحمود عبر إنهاء قانون سلطة الائتلاف المؤقتة السابق، الذي عيّن مجلس القضاء الأعلى".

في المقابل، عبّر القياديان في مليشيات "الحشد"، هادي العامري وأبو مهدي المهندس، عن تأييدهما المطلق للمحمود، واعتبراه حامي الدستور في العراق، وذلك خلال زيارة قاما بها إلى مكتب المحمود الأربعاء الماضي، عقب احتشاد مئات المتظاهرين أمام مقر مجلس القضاء منددين بالمحمود.

فيما أعلن مجلس القضاء الأعلى عن زيارة قام بها المحمود إلى طهران الأسبوع الماضي قال إنها جاءت لتكريس التعاون القضائي بين البلدين، إلا أن مراقبين اعتبروا الزيارة محاولة من المحمود لإنقاذ نفسه من الإقالة كما فعل حليفه المالكي.

أما العبادي، فرمى الكرة في ملعب البرلمان، معلناً أن إقالة المحمود ليست من صلاحية رئيس الوزراء بل تأتي من خلال البرلمان عبر التصويت على القرار. ويرى خبراء في الشأن القانوني العراقي، أن بلوغ المحمود السن القانوني وتجاوزه كفيل بإقالته، إلا أن قرار إقالته صعب جداً كونه سيؤدي إلى الكشف عن كثير من ملفات حقبة احتلال العراق وما بعدها.

اقرأ أيضاً: العبادي يحذّر من حملة لإسقاط السلطات ويتوعد عصابات الخطف