سورية... عقدة الدبلوماسية التركية بـ"مرجعيات واضحة"

26 سبتمبر 2015
أنقرة أعادت أزمة اللاجئين للأجندة الأوروبية(إياكوفوس هاتزيستافرو/فرانس برس)
+ الخط -

تحولت الأزمة السورية بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة وتحولها إلى صراع مسلح إلى عقدة حقيقية في السياسة الخارجية التركية، لكن تبقى استراتيجية أنقرة واضحة في مرجعيتها، إذ تستند إلى عدد من النقاط، وهي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع قيام دولة كردية في سورية تابعة لعدو أنقرة الأول أي حزب "العمال الكردستاني"، ونزع الشرعية التي يحاول الأخير اكتسابها عبر الفعالية العالية التي أبداها في قتال تنظيم (الدولة الإسلامية) "داعش"، وضمان إسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: حدود التدخل العسكري الروسي في سورية.. وآفاقه

بعد أشهر من اندلاع الصراع المسلح، كان الحلّ بالنسبة لأنقرة هو إسقاط النظام السوري بأي شكل، ليس فقط لما اقترف من جرائم بحق السوريين، ولكن أيضاً للدور الأساسي الذي لعبه في تأسيس وتدريب ودعم "الكردستاني"، الذي يعتبر أضخم مشاكل تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومن ثم إعادة تفعيله لجناحه السوري أي حزب "الاتحاد الديمقراطي"، وتسليمه المناطق ذات الغالبية الكردية.

وتحت الضغط الأميركي ومع صعود "داعش"، بات الحل الذي تطرحه أنقرة بالتوافق مع السعودية وقطر يتمثل في إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سورية، التي من المفترض أن تتحول إلى "بقعة زيت" تتمدد على مناطق سيطرة "داعش" بمساعدة فصائل المعارضة السورية. وقد تحيل "الاتحاد الديمقراطي" إلى هدف في وقت لاحق، لينتهي الأمر بالتفاوض مع النظام على خروج الأسد وتكوين حكومة انتقالية، وبالتالي إسقاط النظام.

نجحت الخارجية التركية باستغلال الاتفاقية الموقعة بين واشنطن وأنقرة في يوليو/تموز الماضي، والتي قضت بفتح القواعد العسكرية التركية القريبة من الحدود السورية بما فيها قاعدة إنجرليك أمام الطائرات الأميركية التي تعمل على توجيه ضربات لتنظيم "داعش"، مقابل إنشاء المنطقة الآمنة، بتحقيق أحد أهدافها وهو توجيه ضربة قوية لـ"الكردستاني"، جعلت استمراره في المعركة ضدّ "داعش" بشكل مباشر أمراً غير ممكن، وأوقفت تمدّده على الحدود السورية التركية عبر "الاتحاد الديمقراطي". كما جعلت دعمه أمراً محرجاً للدول الغربية التي تعتبر حليفة لتركيا في حلف شمال الأطلسي، مما دفع واشنطن لوقف التنفيذ الكامل لاتفاقية إنجرليك، وتغيير استراتيجيتها نحو التركيز على البدء بضرب التنظيم من العراق، وذلك بعد التفاهمات التي حصلت مع إيران إثر الاتفاق النووي والتي حدت من دور مليشيا "الحشد الشعبي" الطائفية، وتدريبها لأعداد كبيرة من مقاتلي العشائر السنية، وأيضاً بسبب عدم وجود شريك من المعارضة السورية على الأرض بحسب وجهة النظر الأميركية، بعد فشل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة.

ترافق ذلك مع خلاف تركي أميركي آخر، لكن هذه المرة، حول دور حزب "الاتحاد الديمقراطي" في المعركة ضد التنظيم، والذي تفجر أخيراً بعد تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، يوم الأربعاء، التي أكّد خلالها أن الإدارة الأميركية لا تعتبر قوات "حماية الشعب" التابعة للاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية، قائلاً "نحن لا نعتبر قوات (الاتحاد الديمقراطي) تنظيماً إرهابياً، وخصوصاً أنهم أثبتوا فعاليتهم في الحرب ضد "داعش"، وكما قلت، سنستمر في العمل مع كل من يحارب التنظيم ويثبت نجاحه في ذلك، وليس جميعهم أكراداً".

ليرد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هذا التصريح، بعد صلاة العيد، يوم الخميس، قائلاً: "أرى هذه التصريحات خاطئة، ونحن نعتبر "الاتحاد الديمقراطي" وقوات "حماية الشعب" تنظيماً إرهابياً، والولايات المتحدة لا تدفع تكلفة ذلك، نحن من يدفع ثمن هذا، ونحن من يعرف ماذا يفعلون". وأضاف: "لذلك أظن أن الإدارة الأميركية تعمل على إعادة تقييم موقفها الخاطئ، نحن نعتبر كلاً من (داعش) والاتحاد الديمقراطي والمنظمات التابعة للعمال الكردستاني كلها تنظيمات إرهابية".

جاءت تصريحات أردوغان قبل ساعات من توجه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكّد داود أوغلو أنه يشارك في قمة مكافحة الإرهاب والتطرف، يوم الثلاثاء المقبل، برئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، للضغط في ما يخص "العمال الكردستاني" وجناحه، قائلاً: "سأنقل موقف تركيا من الإرهاب، خصوصاً وأننا نعتبر من أكثر الدول ريادة في مكافحة الإرهاب وتأذياً منه"، مضيفاً: "إن من أكبر الأخطاء هي فكرة التفريق بين إرهاب جيد وإرهاب سيئ، إن المجتمع الدولي يبدي موقفاً واضحاً من (داعش)، لكنه لا يبدي الموقف ذاته من "العمال الكردستاني" وهو الذي قتل الكثير من المدنيين في الأشهر الأخيرة، بالنسبة لنا لا يمكن أن تكون للإرهاب هوية دينية أو قومية".

ورغم النجاح التركي الواضح في إعادة الازمة السورية للأجندة الأوروبية عبر ملف تدفق اللاجئين السوريين، فإن تركيا فشلت في الحشد لفكرة إقامة المنطقة الآمنة أوروبياً، إذ يبدو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اختارت حل إنهاء الازمة السورية مع إعادة تأهيل النظام السوري وإشراكه في الحل، على حساب إنشاء المنطقة العازلة لوقف تدفق اللاجئين السوريين، وذلك بعد أن أكد داود اوغلو، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، خلال مقابلة تلفزيونية انه "يبلغ كل من يحدثه من المسؤولين الأوربيين بأن حل أزمة اللاجئين يكون بحل أسبابها أي بإيجاد حل نهائي للأزمة السورية وخروج الأسد أو بالتوافق على إنشاء المنطقة العازلة لتأمين مكان آمن للاجئين في بلادهم".

ليست ميركل وحدها من تحدث عن وجوب إشراك النظام في الحل؛ إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المتناقضة في الأمر، كان الخيار الروسي بدعم النظام السوري واضحاً خلال الأسابيع الماضية، وإن كان هذا الدعم، في أحد أسبابه الرئيسية إلى جانب الحفاظ على آخر القواعد الروسية في المياه الدافئة، هو محاولة موسكو فك عزلتها بعد الأزمة الأوكرانية وتحقيق صفقات، الأمر الذي بدا واضحاً في نفي البيت الأبيض لتصريحات الكرملين وتأكيده بأن الموضوع الأهم في اللقاء الذي يجمع أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين المقبل، في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، سيكون الأزمة الأوكرانية وليس الأزمة السورية.

لكن، أردوغان، بدا واضحاً أمس الجمعة في تأكيد عدم تغير رؤيته لدور الأسد في المرحلة الانتقالية، قائلاً: "لا يمكننا الحديث عن إنقاذ سورية بوجود الأسد". وكان قد نقل عن أردوغان قوله، يوم الخميس، إنه لا مستقبل للأسد في الحكم،  مضيفاً "من الممكن أن تتم العملية الانتقالية من دون الأسد، كما يمكن أن تحصل هذه العملية الانتقالية معه". قبل أن يشير إلى أنه "لا أحد يرى مستقبلاً للأسد في سورية، من غير الممكن للسوريين أن يقبلوا بديكتاتور تسبب بمقتل ما يصل الى 350 ألف شخص".

وجاءت هذه التصريحات الأخيرة، خلال تقييم أردوغان لزيارته الخاطفة لموسكو التي اجتمع خلالها ببوتين، يوم الأربعاء، بعدما حذّر من نوايا الأسد بتقسيم البلاد، قائلاً: "بشار الأسد، يريد تأسيس سورية صغيرة تبدأ من دمشق، وتمتد عبر حماة وحمص إلى اللاذقية، يسيطر عليها وتدعمها قوى سيادية معينة (في إشارة إلى روسيا)، وهذه المنطقة تنفتح على البحر الأبيض المتوسط"، مضيفاً أنه "اتفق مع نظيره الروسي على أن يبدأ وزراء خارجية تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية العمل معاً على الملف السوري، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على ذلك يمكن، فيما بعد، ضم المملكة العربية السعودية وإيران، إذا رغبتا، ولاحقاً الاتحاد الأوروبي والأردن وقطر"، الأمر الذي يتولاه أيضاً داود اوغلو، الذي يلتقي في نيويورك كلاً من ميركل والرئيس الإيراني حسن روحاني، والملك الأردني عبد الله الثاني. 

اقرأ أيضاً: داود أوغلو يؤكد على أهمية العمليات العسكرية ضد الكردستاني 

المساهمون