محاربة حملات مقاطعة إسرائيل... أولوية أميركية

12 يوليو 2015
حملات المقاطعة باتت تشكّل أكبر الأخطار للاحتلال (فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال عنوان محاربة حملات مقاطعة إسرائيل، يشغل السلطات الأميركية التي تسعى إلى مواجهة هذه الحملات التي قد تشكّل ضرراً على الاحتلال. وفي هذا السياق، صادق الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على قانون يتعلق بالتجارة الأميركية مع الدول والهيئات الأجنبية. وأثارت هذه المصادقة استياء شديداً وتخوفاً لدى الداعمين للقضية الفلسطينية، من بنود تضمّنها القانون، تحثّ "المستثمرين على رفض الحملات الداعية إلى مقاطعة إسرائيل". كما يضع القانون "محاربة حملات المقاطعة" على سلم أولويات المفاوضين الأميركيين في اتفاقيات التجارة الحرّة بين الولايات المتحدة والدول الأجنبية.

ولعل أهم هذه الاتفاقيات وأكبرها هي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي من المفترض أن تُبرم بحلول نهاية العام الحالي، ولا يمكن فصل توقيع الرئيس الأميركي على القانون عن الحملات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لمحاربة حركة المقاطعة العالمية. وهي حملات تُرصَد لها الأموالُ والمحامون وكل السبل المعلنة وغير المعلنة من أجل وقف رياح المقاطعة أو الحد من قوتها التي باتت تزداد وتؤرق الإسرائيليين، إلى درجة وضعها في خانة واحدة مع "خطورة النووي الإيراني".

وتأتي الخطوة الأميركية لمحاربة "النووي الفلسطيني" في سياق تخويف الخارج، وخصوصاً الشركات والدول الأوروبية، وهي على أعتاب إبرام أكبر معاهدات تجارة حرّة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن القانون بصيغته الحالية لا يتضمّن خطوات عقابية أو إلزامية تجاه الشركات الأوروبية أو غير الأميركية التي تعلن مقاطعتها المنتجات الإسرائيلية، إلا أنه يشمل سياسات وتوجيهات إشكالية للغاية.

ومن هنا لم يكن مستغرباً، أن تقف "لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية العامة" (إيباك)، وهي رأس حربة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، وراء دعم مقترحات القانون عندما قُدّم أمام الكونغرس بغرفتيه للمصادقة عليه في فبراير/شباط ومايو/أيار الماضيين. وتشير منظمة "ليغال بالستاين" (فلسطين القانون)، وهي منظمة مستقلة متخصصة في تقديم الاستشارة والمعونة القانونية للأفراد أو الحركات الأميركية التي تدعم القضية الفلسطينية وحركة المقاطعة ضد الاحتلال، إلى أن القانون بصيغته الحالية جاء أقل حدّة من الصيغ السابقة، وأنه "موجّه بشكل خاص إلى الخارج والشركات الأجنبية أكثر منه تجاه الأفراد والشركات الأميركية". وتؤكد المنظمة المستقلّة في آخر تقرير لها حول الموضوع أنه "على الرغم من أن صيغة القانون مقلقة للغاية، إلا أن أهميته رمزية أكثر منها فعلية".

وينصّ القانون على "تثبيط/ إضعاف حركة مقاطعة إسرائيل بدوافع سياسية". وعلى الرغم من أن القانون الجديد يلزم الولايات المتحدة بأخذ موقف معارض لحركة المقاطعة، خلال عمليات التفاوض التجارية مع الاتحاد الأوروبي مثلاً، إلا أنه لا ينص على عقوبات قانونية ولا يمنعها من إبرام صفقات مع الشركات أو الدول التي تؤيد المقاطعة بأي طريقة كانت.

ويضيف تقرير منظمة "ليغال بالستاين" أن القانون "لا يمنع المواطنين الأميركيين من ممارسة حقهم في حرية التعبير، التي يضمنها الدستور الأميركي، وبذلك لا يعاقبهم على إعلانهم دعمهم أو مناداتهم بمقاطعة إسرائيل". كما أنه لا يسحب أي دعم حكومي فدرالي من منظمات أو جامعات أو مؤسسات تعلن دعمها المقاطعة، وهي نقاط كانت الصيغة الأولية للقانون قد تضمنتها، ولكنها سقطت من صيغته الحالية.

وعلى الرغم من "رمزية" القانون إلا أن "سياساته التوجيهية أو توصياته" تثير نقاطاً حساسة وإشكالية حتى على مستوى رمزيتها. وتأتي في سياق تأكيد "دعم الكونغرس لتقوية العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، ومعارضته حركةَ المقاطعة ودعم المبادرات التي تهدف إلى إضعافها، بما في ذلك دعم جهود تسعى إلى سحب الدعم الحكومي من شركات تقاطع إسرائيل، أسوة بقانون المقاطعة الذي سنّته ولاية إلينوي أخيراً". وينص القانون على مقاطعة الشركات التي تقاطع إسرائيل وسحب استثماراتها منها. وفي حين لا ينص القانون الفدرالي على ذلك بشكل صريح، إلا أنه يعلن ذلك كـ"سياسة". كما يهدف إلى شرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي غير قانونية بحسب القانون الدولي، وأكدت الإدارة الأميركية، في أكثر من مناسبة، إدانتها سياسة الاستيطان.

اقرأ أيضاً: قلق إسرائيلي: "BDS" تهدّد الاحتلال قبل إيران

تبقى أغلب النقاط المذكورة أعلاه سياسات وتوصيات، إلا أن القانون يمنع المحاكم الأميركية من الاعتراف بـ/أو تطبيق قرارات قضائية صادرة في دول أجنبية، ومتعلقة أو متأثرة بالمقاطعة، ضد مواطنين أميركيين أو شركات أميركية. وبهذا يحاول الحد من تأثير سياسات دول أو شركات داعمة للمقاطعة على الولايات المتحدة.

كما ينص القانون على أن يقدّم البيت الأبيض تقريراً سنوياً للكونغرس حول أي دولة أجنبية تضع عقبات ضد التجارة مع إسرائيل أو تمتنع عن التعامل معها، بما في ذلك "المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية"، والمقصود هنا الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. إضافة إلى تقديم تقرير عن "جهات أجنبية"، أفراداً أو مؤسسات أو شركات مدعومة من حكومة بلادها.

ويطالب القانون كذلك بأن يقدّم البيت الأبيض في تقريره السنوي للكونغرس، قائمة بمساعيه والخطوات التي اتخذها بغية الحد من انتشار تلك الإجراءات. ويشير تقرير، "ليغال بالستاين"، إلى أنه من الضروري التذكير أن القانون يلزم البيت الأبيض بتقديم تقرير في تلك المعلومات من دون إلزامه أخذَ خطوات إضافية.

كما يطالب التقرير الشركات الأجنبية المسجلة في البورصات الأميركية بتقديم إفادة عمّا إذا قامت بـ"تمييز ضد إقامة أي علاقات تجارية مع إسرائيل" أو إذا قدّمت أي حكومة أجنبية أو دولة غير عضو في الأمم المتحدة النصيحة لتلك الشركة، بعدم إقامة علاقة تجارية مع إسرائيل أو كيانات تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما يلزم القانون الشركات الأجنبية بتقدم تقرير عمّا إذا كانت عُرضة للمقاطعة بسبب علاقتها التجارية مع إسرائيل. وتشير "ليغال بالستاين" في هذا الصدد، إلى أن الخطر هنا يكمن في إجبار الشركات الأجنبية المسجلة في البورصة الأميركية، بإعطاء معلومات حول حركة المقاطعة، مما قد يؤدي إلى تشكيل "قائمة عالمية سوداء" ضد مؤيدي المقاطعة، شركات كانوا أو أفراداً.

بعد التوقيع على القانون وفي محاولة لـ "تهدئة" الخواطر، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، أن "الحكومة الأميركية لم ولا تدعم سياسات وممارسات تُشرعن المستوطنات". لكن من الواضح أن هذا القانون يأتي في الدرجة الأولى للضغط على الاتحاد الأوروبي للحيلولة من دون وضع علامات خاصة على منتجات المستوطنات، في بعض الدول الأوروبية، وغيرها من الخطوات في هذا الصدد.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يزداد فيه تأييد حركة المقاطعة في أوروبا على وجه التحديد، إذ تسحب جمعيات وشركات عديدة استثماراتها من الشركات التي تعمل أو تستثمر في المستوطنات، إضافة إلى مقاطعة أي مؤتمرات أو مشاريع تقوم مؤسسات حكومية إسرائيلية بدعمها أو تمويلها. ولا شك أن الولايات المتحدة وساستها يخافون من أن يؤثر ذلك إيجابياً على حركة المقاطعة في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: يعالون: إيران وحملات المقاطعة أكبر تحديات إسرائيل

المساهمون