الأردن في ذكرى "هبّة نيسان": هل تعود؟

21 ابريل 2015
طوّق الجيش معان واعتقل 600 شخص (صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -
الوقت الذي تستغرقه لقطع مسافة 216 كيلومتراً للانتقال من العاصمة الأردنية عمّان، إلى مدينة معان الجنوبية، كافٍ لطرح جملة من التساؤلات التي تبدو معقدة. الطريق الصحراوي يبعث في نفسك القسوة، حتى قبل الوصول إلى المدينة المتهالكة التي تغيب عنها مشاريع التنمية. والإنفاق العالي على الوقود الذي تستهلكه السيارة، في ظلّ الارتفاع المتتالي لأسعار المحروقات المتوالية في الأردن، تحت مبرر تحرير الأسعار، يجبرك على تذكر الانتفاضة التي أشعلت شرارها المدينة منتصف أبريل/نيسان 1989، رفضاً لقرار الحكومة آنذاك رفع الأسعار، في ظلّ صمت احتجاجي أطبق على المدينة وباقي مدن المملكة.

الأهم في معان أن الأسئلة التي تعتقد بأنها صعبة وغير قابلة للبوح، هي حديث سكانها، إذ يعبّر العشريني أحمد آل خطاب، عن غضبه من عدم توفر عمل. لم يكمل أحمد دراسته، ولا يعتقد أن عدم حصوله على شهادة جامعية هو سبب البطالة التي يعانيها، مشيراً إلى أن "كثير جامعيين مش لاقيين شغل، اعتصموا بنص المدينة وطالبوا بوظائف بدون نتيجة". شدد أحمد على أن "القصة مش شهادات.. معان ما فيها شغل". ويرى الخطاب أن نجاح مستقبله يكمن في مغادرة معان للعمل في العاصمة، غير أنه لا يجد أحداً يساعده على ذلك كما يقول، لذلك يعتقد أن بقاءه بمثابة موت بطيء، قائلاً "شو أظل أعمل هون، لا شغل ولا مشغلة".

حين اندلعت "هبّة نيسان" كان عمر آل خطاب عاماً واحداً، ولا يعرف عنها سوى ما سمعه ممن عاشوها، ويزيد "معان كل كم سنة إلها هبّة". لم تهدأ المدينة خلال السنوات التي أعقبت "هبّة نيسان"، فقد عاشت معان سلسلة من الأحداث المماثلة في الأعوام 1996 و1998 و2002 و2014، والمشكلة كما يعتقد السكان، تكمن بأن "أسباب انتفاضة عام 1989 لم تعالج حتى الآن".

ويشير الناشط السياسي أكرم كريشان، إلى أنه "منذ الهبّة حتى الآن لم يتغير شيء، بل ازداد الفقر والبطالة والتهميش وانعدمت المشاركة السياسية". ويذكر كريشان الهبّة التي كان نصيبه خلالها السجن في معتقل الجفر الصحراوي، لمدة 27 يوماً، يومها بدأت الأحداث عندما اعترض الناس على قرار رفع أسعار المحروقات والعديد من السلع، الذي اتخذته حكومة زيد الرفاعي في 15 أبريل/نيسان 1989، وأُعلن عنه في اليوم التالي.

بدأ الرفض خجولاً قبل أن يتطور بعد يومين من القرار، إلى حدّ شتم الحكومة علناً والمطالبة بالتراجع عن قرارها. ويتابع أن "ما حدث كان مفاجئاً، خصوصاً أن البلد كان يعيش في ظلّ قانون الطوارئ، الذي يُحظّر الاحتجاجات".

ويلفت إلى أن "غياب التنمية عن المدينة البالغ عدد سكانها قرابة 50 ألف نسمة، وتتصدر ترتيب الفقر على مستوى المملكة بنسبة 26 في المائة، وكذلك على مستوى البطالة بنسبة 19 في المائة، تُعتبر سبباً في هبّة جديدة لا يعرف أحد موعدها". داعياً الدولة إلى "تداركها".

وروى كريشان أحداث "هبة نيسان"، مشيراً إلى أنها "بدأت حين قاد سائقو السيارات، الاحتجاج على قرار رفع أسعار المحروقات، خصوصاً أنه لم يترافق بتعديل على الأجرة، فتوجهوا إلى محافظ المدينة، الحاكم الإداري، الذي رفض الاستماع إلى مطالبهم، بل قال لهم: روحوا اعملوا شو ما بدكم.. ما في عندي اضراب ولا اعتراض".

اقرأ أيضاً: رئيس بلدية معان يحذر من "نهاية الأردن"

وأضاف "في صباح 18 أبريل/نيسان 1989، طبّق السائقون ما قاله المحافظ، فأضربوا عن العمل، وانضم إليهم طلبة المدارس والعديد من المواطنين المتضررين من رفع الأسعار، وانطلقوا في تظاهرة ضخمة باتجاه المحافظة، هاتفين بإسقاط الحكومة والتراجع عن رفع الأسعار".

وتابع "واجهت قوات الأمن التظاهرة بالقنابل المُسيّلة للدموع والرصاص الحي، وبعد يومين من الاعتداء على التظاهرة، أصبح الأمن عاجزاً عن السيطرة على المدينة التي ثار جميع سكانها، وردّوا على الرصاص بالرصاص، وأحرقوا الإطارات في الشوارع، وكتبوا على الجدران: يسقط الرفاعي".

وذكر أنه "عندما عجزت القوات الأمنية عن السيطرة على المدينة، تمّت الاستعانة بالجيش الذي طوق معان في 21 أبريل، وأعلن حظر التجول، وشنّ حملة اعتقالات واسعة، طالت حوالي 600 شخص، وُزّعوا على معتقلات خارج المدينة".

ويحمّل كريشان "المحافظ العاجز عن إدارة الأزمة والاعتماد على الحل الأمني، مسؤولية انفجار الأحداث وتحويلها إلى ثورة، امتدت إلى غالبية المدن الأردنية، لتكشف حجم الاحتقان الذي كان يعيشه الشارع الأردني وليس المعاني فقط".

يتذكر الستيني عادل المحاميد، الأيام الصعبة التي عاشتها المدينة خلال الهبّة، ويقول "عُزلت المدينة عن العالم، قُطعت المياه، أُطلقت النار على خزانات المياه، قُطعت الكهرباء وخطوط الهاتف". ويتابع "كانت المواجهات عنيفة، أصوات الرصاص لم تنقطع، والقنابل الدخانية والغاز المسيل للدموع". ووصف واقع المدينة خلال الأحداث التي استمرت حتى نهاية الشهر، عندما بدأ رفع حظر التجول، قائلاً "كانت كارثة، بسبب نقص الغذاء وعدم توفّر العلاج، قبل أن نعلم أن بعض المعانيين المقيمين خارج المدينة، مُنعوا من دخولها عندما حاولوا إدخال الخبز والأدوية".

وكان المحاميد ناشطاً حينها في اللجان الشعبية، التي كان دورها يتنوّع من مساعدة السكان في توفير احتياجاتهم المعيشية، إلى التواصل مع أهالي المعتقلين، وفتح قنوات تواصل مع مسؤولين في الدولة بهدف الوصول إلى حلّ للأزمة. ويُرجع الستيني، الذي يعتبر اليوم أحد وجهاء المدينة، أسباب الانفجار إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى أن "قرار رفع الأسعار لم يكن سوى الشرارة التي فجرتها".

ويضيف "كان الناس يستشعرون الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة، وكان أهل المدينة يشعرون بالتهميش وغياب دورهم في إدارة الدولة، كما غابت التنمية عن المدينة، وارتفعت نسب البطالة، ما أدى إلى تفجّر الأحداث". لكنه يرى أن "كثيراً من الأسباب كانت مشتركة مع العديد من مدن المملكة، التي هبت بعد أن هبت معان". ويشرح "اتُهمنا في البداية بأن أصابع خفية تُحرّكنا، بعضهم نسبنا إلى الموساد وآخر إلى ايران ومنهم إلى السعودية، لكن عندما تفجر الحدث، شعر الجميع أن هناك مشكلة حقيقية في كل البلد".

حققت الهبّة، أهدافها وأكثر، إذ سقطت الحكومة بعد 10 أيام وتمّ التراجع عن قراراتها، وتم إلغاء قانون الطوارئ الذي كان يحكم البلاد منذ نكسة يونيو/حزيران 1967، وتمّت الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1989.

اليوم وبعد 26 عاماً على الهبّة، يذكرها المحاميد بأسى، يقول "كانت حلما وراح، فالمدينة التي انتفضت ضد الفقر والجوع والتهميش لم يتغير عليها شيء، بل دفعت ضريبة الهبّة من خلال معاملتها بعقلية أمنية". وشدد أن "تكرار الأحداث التي تعيشها معان، تؤشر على أن المشكلات التي انتفضت من أجلها ما تزال قائمة، وأن الديمقراطية التي جلبتها الهّبة أصبحت ديمقراطية شكلية ترفض الأصوات المعارضة وتحاصر الحريات".

اقرأ أيضاً: مشروع سكة حديدية بين الأردن والعراق

دلالات