كييف تُحارب الحريات: مشروع قانون ولائحة إعلامية سوداء

07 مارس 2015
الرئيس الأوكراني (سيرجي سبنسكي/فرانس برس)
+ الخط -
عادة ما يجري سنّ قوانين واتخاذ قرارات والعمل بإجراءات أثناء الحروب وتضييق على الحريات العامة بدواعي الأمن الوطني. وفي حين أن الإجراءات التي تأتي بمقتضى الضرورة يمكن فهمها من حيث المبدأ، غير أنّ الخشية تأتي من تأويلاتها الكيفية لمصلحة السلطات القائمة، وبالتالي سوء استخدامها من قبل الحاكمين.


وفي هذا الإطار، تمت إحالة مشروع قانون إلى البرلمان الأوكراني يقضي بمعاقبة من يقوم "بأعمال متعمدة لتقويض هيبة الدولة ومؤسسات السلطة". صاحب المبادرة هو قسطنطين ماتيتشينكو، النائب عن حزب "الجبهة الشعبية" الأوكراني، وقائد إحدى كتائب المتطوعين. ويقترح مشروع القانون عقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجن لمقوضي هيبة الدولة، بحسب ما أفادت قناة "آر تي" التلفزيونية الروسية، على موقعها الرسمي.

لكن سرعان ما تم سحب مشروع القانون من البرلمان نتيجة ردة الفعل السلبية عليه. ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، في الثاني من مارس/آذار الجاري، أن صاحب المبادرة، ماتيتشينكو، سحب مشروعه المناقض للدستور، وأن مبادرته لاقت صدى سلبياً في الأوساط الاجتماعية ومخاوف من أن تؤدي تلقائياً إلى تقييد حرية التعبير وممارسة رقابة على كل نقد موجه إلى مؤسسات السلطة والمسؤولين والسياسيين، فضلاً عن الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان والحكومة، والخوف من استغلال القانون لفرض رقابة سياسية على وسائل الإعلام والتضييق عليها، وصولاً إلى سحب تراخيص بعضها، وهو الأمر الذي يتم في أوكرانيا، بدواعي الحرب الإعلامية، بدون الحاجة إلى قانون ماتيتشينكو المقترح.

التضييق على الإعلام
وفي خطوة لاقت ردود فعل روسية مستنكرة، كانت كييف قد ألغت تراخيص وسائل الإعلام والصحف والمجلات التي تدخل في تسميتها كلمة روسيا أو اشتقاقاتها منذ أكتوبر/تشرين الأول، 2014. وهكذا شمل المنع دوريات، مثل "الثقافة الروسية في أوكرانيا" و"البروفايل الروسي" و"الروك الروسي"، و"شخصية روسيا" وغيرها، كما يقول موقع "ناهنيوز". كذلك تم منع إصدار المجلات التي تقوم بنشر إعلانات لتعليم اللغة الروسية في أوكرانيا. وقد علل المسؤولون هذه الإجراءات بأن هناك "لغة رسمية واحدة معتمدة في أوكرانيا، هي اللغة الأوكرانية".


وفي السياق، نُشرت قائمة من تسع عشرة وسيلة إعلامية روسية جرى منعها من العمل في أوكرانيا، على موقع الهيئة الحكومية الأوكرانية للإذاعة والتلفزيون. وفي الحادي والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، أفادت وكالة "ريا نوفوستي" بأن قائمة منع النشاط الإعلامي، مؤقتاً، التي أصدرتها السلطات الأوكرانية، شملت 115 وسيلة إعلامية روسية، وأن مستشار رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني، ماركيان لوبكيفسكي، أعلن عن ذلك على هواء القناة التلفزيونية "112" الأوكرانية.
وقد شملت قائمة المنع الأوكرانية وكالة الأنباء الروسية الدولية "روسيا اليوم" وجميع القنوات التلفزيونية الروسية، باستثناء قناة "دوجد" المعارضة المأجورة. ووفقاً للوبكيفسكي، فإن المشمولين بالمنع في القائمة "محددين بدقة"، معللاً ذلك بأنّه سيكون من الصعب على أوكرانيا أن تكسب الحرب الإعلامية مع روسيا، بدون هذه الخطوة. وقال "إننا نتبع ذلك الطريق الذي اتبعته جميع الدول التي واجهت عدواناً. يمكنكم اعتبار ذلك عقوبات من مجلس الأمن القومي الأوكراني بحق وسائل الإعلام الروسية".

وفي إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن القومي الأوكراني، بلّغ البرلمان الأوكراني، في الخامس والعشرين من فبراير/شباط الماضي، وكالة "تاس" بإيقاف ترخيص عمل مراسلها في البرلمان. واللافت أن وكالة "ريا نوفوستي" التي نقلت ذلك عن نائب المدير العام لوكالة "تاس"، ميخائيل غوسمانوف، هي الأخرى كانت قد أُبلغت بوقف ترخيص عملها في أوكرانيا، قبل يوم من ذلك.
ردة فعل أوروبية
على أثر إعداد "قائمة سوداء" بوسائل الإعلام الروسية في أوكرانيا، دعا الاتحاد الأوروبي كييف إلى "احترام حرية التعبير والصحافة"، وفقاً لما نقلته وكالة "تاس" عن مصدر في الاتحاد الأوروبي، قال في تعليق على قائمة أوكرانيا السوداء "نؤكد على أهمية احترام حرية التعبير والصحافة". وأضاف "أي قيود (على وسائل الإعلام) يجب أن تتوافق مع المعايير الدولية. أي أن تكون معللة بخطر (الوسيلة الإعلامية)، وضامنة لممارسة الحريات الأخرى، وتُيح مسألة الاعتراض أمام القانون".

وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله، أثناء المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءه مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في جنيف في الثاني من مارس/آذار الجاري "ما يتعرّض له الصحافيون الروس في أوكرانيا، لا يمكن تبريره. فضلاً عن الحديث عن الفجائع، إذ دفع بعض رفاقكم حياتهم ثمناً لاندفاعهم إلى العمل في مناطق العمليات الحربية لنقل حقيقة ما يجري. لكن المنع الشامل لعمل وسائل الإعلام الروسية في أوكرانيا لا يدخل في أي باب".

وكانت سلطات كييف قد ألغت العمل بالقرار الذي يعامل المواطنين الروس بالمثل ويسمح لهم بعبور الحدود الأوكرانية بالبطاقة الشخصية، وبات، بموجب القرار الجديد، على من يرغب في السفر إلى الدولة الجارة اقتناء جواز سفر. وقد بدأ العمل بهذا الإجراء في الأول من مارس/آذار الجاري. وجاء فيه، وفقاً لصحيفة "موسكوفسكي كومسمولتس" الروسية، التأكيد على أن "القواعد الأوروبية" هي التي يُعمل بها عند عبور الحدود بين روسيا وأوكرانيا.

مع العلم بأنّ مواطني أوكرانيا يمكنهم دخول الأراضي الروسية بالبطاقة الشخصية، على الرغم من الإجراءات الجديدة التي بدأ تطبيقها في روسيا منذ بداية العام الجاري، والتي تلزم مواطني رابطة الدول المستقلة بإبراز جواز السفر لدخول الأراضي الروسية، مع استثناء مواطني الدول الداخلة في الاتحاد الجمركي ومواطني دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إضافة إلى مواطني أوكرانيا الذين شملهم الاستثناء، بحسب ما أفاد موقع قناة "آر تي".

اقرأ (المواجهة الكلامية بين بوتين وبوروشينكو: للاستهلاك الداخلي أم للحرب؟)
وفي خلاصة الإجراءات الأوكارنية المشدّدة على الحريات والمواطنين الروس، تدور التساؤلات التالية: هل تقتضي ضرورات المواجهة مع روسيا ذلك، أم أنّ الحريات والحقوق يجب أن تُصان وتبقى بمنأى عن الإصابة بنار الحرب مثلها كمثل أجساد المدنيين وأرزاقهم؟