شهدت الساحة السياسية الجزائرية تطوراً جديداً مع قرار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة طرح مشروع تعديل دستوري، بدا كمحاولة لتعزيز دور الحكومة ومجلس النواب، لكنه لاقى اعتراضاً سريعاً من قِبل المعارضة، خصوصاً أن بوتفليقة قرر طرح مسودة التعديل على البرلمان بدلاً من إجراء استفتاء شعبي عليها.
وتعهّد بوتفليقة بتوجيه نسخة من مشروع تعديل الدستور في الأيام المقبلة إلى الشخصيات والأحزاب السياسية والجمعيات التي تمت استشارتها في الدستور سابقاً، وإعلام الرأي العام بمضمون المشروع عن طريق وسائل الإعلام في وقت لاحق، على أن يبدأ مجلس الوزراء في شهر يناير/كانون الثاني المقبل دراسة المسودة قبل عرضها على المجلس الدستوري، الذي سيقوم بإبداء رأيه حول الطريقة التي ستتم بها المصادقة على المسودة من قِبل البرلمان.
لكن المعارضة السياسية في الجزائر لم تُبدِ موقفاً إيجابياً من مسودة التعديل المقترحة، معتبرة أنها لم تستجب لمطالبها. وقال القيادي في حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر حمداداوش ناصر، إن ما يطرحه بوتفليقة هو "عملية عبثية وانقلاب على الإصلاحات السياسية وعلى التعديل الجذري الشامل والعميق الذي وعد به"، معتبراً أن إحالة المشروع على البرلمان "دليل على أنه تعديل شكلي وجزئي وهو دون طموحات الطبقة السياسية وآمال الشعب الجزائري".
ويطرح بوتفليقة في مسودة الدستور الجديد، حزمة تعديلات، أبرزها تعديل المادة 74 المتعلقة بالعهود الرئاسية، ويقترح الرئيس الجزائري العودة إلى العمل بالصيغة السابقة للمادة وتحديد الولاية الرئاسية بولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وهي المادة التي كان بوتفليقة قد اضطر إلى تعديلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 ليتيح لنفسه الترشح لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات أبريل/نيسان 2009 وهو التعديل الذي أثار جدلاً سياسياً واسعاً حينها في الجزائر.
وتتضمّن التعديلات الجديدة إضافة "شرط إثبات الجنسية الجزائرية الأصلية لوالدي المترشح للرئاسة"، و"إثبات أن زوجه يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط"، ومنع المرشح للرئاسة من الانسحاب "إلا في حالة وفاته أو حصول مانع قانوني له يثبته المجلس الدستوري قانوناً".
اقرأ أيضاً: سجال التعديلات الدستورية يتجدد في الجزائر
وتنصّ التعديلات الدستورية على إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وتُلزم "بشكل وجوبي رئيس الحكومة بالمثول أمام البرلمان مرتين في السنة، لمراقبة عمل الحكومة". كما "تُلزم نواب البرلمان بالتفرّغ لممارسة عمله النيابي، من خلال حضوره الفعلي أعمال البرلمان"، وتنص على "تجريد كل نائب برلماني من ولايته النيابية، بقوة القانون، في حال تغيير الانتماء السياسي الذي انتُخب على أساسه من قبل المواطنين".
ومنحت المسوّدة المقترحة تقديم وتشريع القوانين إلى مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان، بعدما كانت هذه الصلاحية حصراً للمجلس الشعبي الوطني، الغرفة السفلى. وتنصّ على أنه "يمكن لرئيسي غرفتي البرلمان أن يُبلغا مجلس الدولة باقتراحات القوانين لإبداء الرأي فيها، على أن يُسمح للغرفة التي هي ليست صاحبة المقترح التشريعي بمناقشته". كما تضمّنت المواد المقترحة "تمكين الوزير الأول (رئيس الوزراء) من الحصول على تفويض من رئيس الجمهورية، ضمن الحدود التي يضعها الدستور، لممارسة السلطة التنظيمية".
وتقترح المسودة الدستورية، اعتبار "المصالحة الوطنية كجزء من ثوابت الأمة"، ويتعلق الأمر بنصّ المصالحة الوطنية التي بادر إليها بوتفليقة عام 2005 لتسوية الملفات العالقة من مرحلة الأزمة الأمنية. كما ينصّ التعديل الدستوري على "تجسيد المناصفة بين الرجل والمرأة كغاية قصوى، وكعامل لتحقيق ترقية المرأة، وازدهار الأسرة، وتلاحم المجتمع وتطوره"، اضافة إلى "ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية في نطاق احترام القانون".
وفي مجال آخر، تشدد المسودة على أن "حرية الصحافة مضمونة، وغير مقيّدة بأي شكل من أشكال الرقابة الردعية المسبقة، ولا يمكن استغلال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم". كما تنص المسودة الدستورية على منع الاعتقال الاداري وأماكن الاحتجاز السرية، إذ "لا يحجز أو يحبس أحد، في أماكن لا ينص عليها القانون".
هذا التعديل الدستوري سيكون الثالث في عهد بوتفليقة، فمنذ اعتلائه سدة الحكم في الجزائر، أقر تعديلين دستوريين، الأول عام 2003، والذي تلا أحداث "الربيع الأسود" في منطقة القبائل، وهي الأحداث التي قُتل فيها 156 شخصاً، خلال تظاهرات طالب فيها السكان الأمازيغ بالاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية. وأدرج بوتفليقة في تعديل 2003 اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، ليستكمل بذلك الاعتراف الرسمي للدولة بالهوية الأمازيغية.
ثاني تعديل دستوري لجأ إليه بوتفليقة كان في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، حين اضطر إلى الغاء مادة دستورية كانت تمنع ترشحه لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات 2009، وفقاً لما كان ينص عليه دستور 1996. واعتبر بوتفليقة في العام 2008 أن مشروع التعديل الدستوري كان يهدف إلى "إصلاح النظام السياسي في الجزائر والتكيّف مع التطورات التي عرفتها الجزائر، وإثراء النظام المؤسساتي بمقوّمات الاستقرار والفعالية والاستمرارية، وهو يرتكز على المحاور التالية: حماية رموز الثورة الجزائرية، وإعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مختلف الهيئات ومكوّنات السلطة التنفيذية، وتمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره".
وتضمّنت تلك التعديلات مادة نصّت على ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة على جميع المستويات بنسبة الثلث، وكذلك تجريم المساس بالرموز التاريخية والوطنية.
في أبريل/نيسان 2011، أعلن بوتفليقة عزمه طرح مسودة تعديل دستوري ضمن حزمة إصلاحات سياسية أعقبت احتجاجات شعبية في يناير/كانون الثاني من السنة نفسها. وفي مايو/أيار 2012 استدعت الرئاسة الجزائرية 150 طرفاً بشكل منفرد، بين أحزاب سياسية وتنظيمات مدنية وشخصيات سياسية، للمشاركة في المشاورات السياسية حول ارضية الدستوري. وشملت الدعوات 64 حزباً سياسياً معتمداً، و37 تنظيماً مدنياً ينشط في مجالات حقوق الإنسان والقضاة والمحامين والصحافيين والقطاع الاقتصادي والشباب والطلبة، و36 شخصية وطنية و12 أستاذاً جامعياً. أعقبتها في يونيو/حزيران 2014 مشاورات حول وثيقة تعديل الدستور، قاطعتها أحزاب وقوى المعارضة، قبل أن يعلن بوتفليقة في مارس/آذار 2014 تعهّده بطرح تعديل دستوري قبل نهاية السنة الحالية.
اقرأ أيضاً: حسين آيت أحمد يطوي صفحة جيل سياسي أقصته السلطة الجزائرية