تونس: تباين أمني - قضائي حول استراتيجية محاربة الإرهاب

29 نوفمبر 2015
يتبادل الجسم القضائي والأمنيون الاتهامات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد تونس منذ فترة جدلاً وتبادلاً للاتهامات بين المؤسسة الأمنية والهيئات القضائية، في ملف المحاكمات المتعلقة بالإرهاب، إذ يرى العديد من الأمنيين، أن الأجهزة الأمنية تقوم بجهود كبيرة للقبض على المتورطين في قضايا الإرهاب، بينما في المقابل يقوم القضاة بإطلاق سراحهم، بحجّة افتقار الملفات لأدلة قوية.

وردّاً على الاتهامات الموجّهة للقضاة، تُشدّد رئيسة نقابة القضاة روضة العبيدي، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، على أن "الاتهامات الموجّهة للمؤسسة القضائية التونسية، باعتبار أنها تُطلق سراح الإرهابيين الذين يتم توقيفهم من طرف الأمن، هي اتهامات مردودة على أصحابها". وتضيف "نحن كقضاة نحكم وفق ملفات تحتوي على إثباتات وأدلّة، وفي حالات عديدة نجد ملفات فارغة من دون أدلة دامغة، من جراء إلقاء القبض على الأشخاص فقط لأنهم مشتبه بهم". وتصرّ على أنه "الآن نحن في دولة القانون والمؤسسات، ولسنا مستعدين للإذعان لضغوط الشارع أو الأمنيين وغيرهم".

أما بالنسبة لدعوة رئيس الحكومة الحبيب الصيد، إلى التسريع في ملفات الإرهاب التي يبلغ عددها 1300 قضية، إثر الاعتداء الذي تعرّضت له حافلة الأمن الرئاسي في العاصمة تونس، يوم الثلاثاء، فتلفت العبيدي إلى أنه "من المفروض البتّ في مثل هذه القضايا بسرعة، غير أنه للأسف، الجسم القضائي المختص في الإرهاب، يعاني من نقائص عدة، منها نقص آليات العمل التي تجعله أكثر نجاعة وسرعة، ومنها أن الجسم القضائي لا يملك شرطة عدلية خاصة به، لجعل عمله أكثر سرعة، فنضطر معها أحياناً إلى الانتظار طويلاً للنظر في أي قضية".

وتُبدي العبيدي استغرابها لغياب وزير للعدل (بفعل إقالة الوزير السابق المستقلّ محمد صالح بن عيسى)، وإشراف وزير الدفاع (المستقلّ فرحات الخرشاني) على وزارة العدل، معتبرة أن "تونس تعيش ظرفاً حساساً، يستوجب من وزير الدفاع التركيز فقط على مهامه".

اقرأ أيضاً: الأمن التونسي يطيح بـ"كتيبة الفرقان" ويكشف مخازن أسلحة

وتدعو العبيدي إلى حوار بين كل الأطراف، لـ"وضع استراتيجيات شاملة يُقيّم خلالها كل طرف أدائه ويعرف واجباته ودوره الأساسي، وهذا لا يحصل إلا عبر الإسراع في تنظيم مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب". وتنفي "مرور قضية الانتحاري حسام العبدلي (الذي استهدف حافلة الأمن الرئاسي) على أيدي القضاة".

وكان كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلّف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي، قد أكد يوم الجمعة، في ندوة بتونس العاصمة، أن "الوحدات الأمنية أوقفت العبدلي، في أغسطس/آب الماضي، قبل تنفيذه عملية حافلة الأمن الرئاسي". وأضاف أن "قوات الحرس عثرت بحوزته على كتب تكفيرية، وقد تمّت إحالته إلى العدالة للبتّ في قضيته، إلا أنه تمّ إطلاق سراحه لغياب الأدلّة الكافية".

من جهته، يرى رئيس "المنظمة التونسية للأمن والمواطن" عصام الدردوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "انتقادهم المؤسسة القضائية ليس تعسّفاً أو عداءً، بل نقداً يرتكز على معطيات وأدلّة". ويورد أمثلة على ذلك، ومنها "أنه تمّ توقيف الإرهابي راغب الحناشي، الذي شارك في حادثة أولاد مناع (16 فبراير/شباط 2014) التي راح ضحيتها ثلاثة أمنيين ومواطن، قبل العملية للاشتباه به، لكن القضاء برّأه. كما أوقف الإرهابي ناظم الحداد في عام 2014، وتمّ إطلاق سراحه، وبعدها ثبت تورّطه مع خلية سوسة (الخلية التي كُشف النقاب عنها في وقتٍ سابق من الشهر الحالي)، التي أرادت اغتيال النائب عن كتلة نداء تونس، رضا شرف الدين. كما برّأ القضاء حسان العياشي، الذي تمّ إيقافه قبل أن يُثبت انتماؤه لخلية أحداث متحف باردو (18 مارس/آذار الماضي)".

ويضيف الدردوري أن "الأمر بات معضلة بالنسبة لنا، لأن القضاء لا يتفهّم طبيعة عملنا، فنتحصّل مثلاً على أدلة تتمثل في التواصل بين الإرهابيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونحصل منها على معلومات عدة، لكن القضاء يعتبرها قرينة ضعيفة". ويعتبر "بالنسبة للقضاء، فإن القرينة يجب أن تتجلّى بإمساك الإرهابي لسلاحه وبصدد القيام بعملية".

في السياق أيضاً، يدعو الدردوري إلى "ضرورة حماية القضاة، لأنهم يتلقون تهديدات من الإرهابيين أو من بعض محامي الإرهابيين، وهو ما يؤثر مباشرة على سير الملف". ويلفت إلى أن "الأزمة الحاصلة بين الأمنيين والقضاة، لا تخدم أي طرف ويجب التوصّل إلى حلولٍ جذرية في أسرع وقت". ويُجمع كل الأطراف في تونس على ضرورة إيجاد حلول، عبر قنوات الحوار التي لا يمكن أن تقوم إلا من خلال تنظيم مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب، في أقرب وقتٍ ممكن، خصوصاً بعد عملية الثلاثاء.

اقرأ أيضاً: "داعش" يعتبر تونس أولوية لهجماته... موجبات الحرب الشاملة وشروطها

دلالات
المساهمون