لبنان: القمع الأمني خيار السلطة الوحيد ضد الحراك الشعبي

10 أكتوبر 2015
استخدمت قوى الأمن قنابل الغاز من دون إنذار(حسين بيضون)
+ الخط -
بلغ القمع الأمني المُمنهج للحراك الشعبي في لبنان حده الأقصى في التظاهرة التي دعي إليها يوم الخميس الماضي، بهدف الدخول إلى ساحة البرلمان. بدا وكأن القوى الأمنية اللبنانية ترسُم قواعد أقسى للُعبة الشارع من خلال التصعيد العُنفي بحق الناشطين والصحافيين على حد سواء. وهو ما ترجمته أعداد الجرحى والمُعتقلين المُرتفعة. وكان مشهد اعتقال عدد من الجرحى الذين ينزفون الدماء أكثر تعبيراً عن هذا التصعيد. 
وفي غياب استخدام الرصاص المطاطي، أطلقت عناصر مكافحة الشغب قنابل الغاز المُسيل للدموع على الناشطين بشكل مُباشر. ومع تداخل الناشطين بالمراسلين والمصوّرين الصحافيين نال هؤلاء نصيبهم من استنشاق الغازات المُسيلة للدموع، إلى جانب تعرض عدد كبير منهم للترهيب الجسدي واللفظي من عناصر مُكافحة الشغب الذين وجهوا اللكمات إلى المُصورين خلال توثيقهم اعتقال الناشطين الجرحى. كذلك حاولت عناصر الأمن ترهيب المراسلين والتشويش على تغطيتهم المنقولة مُباشرة على الهواء. ولم يسلم الموقوفون من الضرب والشتم أثناء نقلهم إلى عربات الترحيل التي انتظرتهم في الخطوط الخلفية لانتشار القوى الأمنية. وقد أكد عدد من الموقوفين لـ"العربي الجديد" تعرضهم للضرب والتحقير من قبل عناصر الأمن، فضلاً عن تعرضهم لإهانات ذات طابع جنسي.

مُخالفات بالجُملة

تعدد المحامية غيدا فرنجية، وهي عضو في لجنة الدفاع عن المتظاهرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، المُخالفات القانونية التي ارتكبتها القوى الأمنية خلال قمع حراك المُتظاهرين ومنها سوابق تُرتبك للمرة الأولى، وهي: عدم إعطاء إنذار مُسبق للمتظاهرين بفك اعتصامهم قبل استخدام وسائل مُكافحة الشغب، واستخدام وسائل مُكافحة الشغب بصورة مخالفة للقانون من خلال استهداف الناشطين بشكل مُباشر، فضلاً عن ضرب الناشطين أثناء توقيفهم والتكتم وعدم إعلان أماكن احتجازهم. ويضاف إلى ذلك، منع المحامين من لقاء الموقوفين ومنعهم من الاتصال بذويهم، وتأخير تلقيهم العناية الطبية على الرغم من حاجة بعضهم إليها، ومحاولة مُقايضة إطلاق الموقوفين مُقابل فك الاعتصام، وهي سابقة خطيرة بحسب فرنجية.

اقرأ أيضاً: موسم انتهاك الحريات في لبنان يستهدف الصحافيين والناشطين 


من جهته، يشير المحامي مازن حطيط، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الحصيلة شبه النهائية لعدد الموقوفين هي 44 شخصاً بينهم قاصرون، أُطلق سراح أربع فتيات منهم ظهر أمس الجمعة، وأُحيل 12 آخرون إلى القضاء العسكري بعد إصدار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية إشارات توقيف بحقهم".
تؤكد سنيتيا، وهي إحدى الموقوفات، والتي أطلقت القوى الأمنية سراحها والتحقت بالاعتصام الرمزي الذي أقامه ناشطو الحراك، أمس الجمعة، أمام المحكمة العسكرية، تعرضها للترهيب أثناء التوقيف "إلى جانب تأخير وصول دواء حساسية الصدر التي أُعاني منها، وفاقمها احتجازنا في غرفة ضيقة داخل الثكنة العسكرية".
وقد رفض وزير العدل اللبناني أشرف ريفي التعليق لـ"العربي الجديد" على إحالة الناشطين على القضاء العسكري. علماً أن ريفي يُكرر في تصريحاته "ضرورة إلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان وفي مقدمتها، المحكمة العسكرية، وضرورة منع مُحاكمة المدنيين أمامها".

الخلاف يُعطل الحكومة

على الصعيد السياسي، غابت حكومة الرئيس تمام سلام عن السمع على الرغم من تأكيد مُحامي الحراك المدني وجود غطاء سياسي لانتهاكات القوى الأمنية والسلطة القضائية المُمنهجة بحق الناشطين. من جهته، يدعو وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، في حديث لـ"العربي الجديد" الناشطين إلى "تحديد عناوينهم المطلبية حتى تتمكن السلطة السياسية من متابعتها"، رافضاً إطلاق صفة "الحراك الشعبي على تجمع يضم عشرات الناشطين فقط!". لكن درباس يعود ويسجل للناشطين "الفضل في تقدم العمل في ملف النفايات والخطة التي أقرتها الحكومة لحل الأزمة".
ويشير درباس إلى "تأثر عمل الحكومة سلباً بمختلف التطورات الحاصلة في لبنان"، لا سيما تعيين قائد جديد لفوج المغاوير، هو مارون القبياتي، من دون ترقية شامل روكز، قائد الفوج السابق، صهر رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون. لكن درباس يؤكد أن قرار تعيين القادة وترقية الضباط هو بيد قائد الجيش "وليس من صلاحيات الحكومة".

أما عضو تكتل "التغيير والإصلاح"، النائب نبيل نقولا، فيقول لـ"العربي الجديد" إن كل أشكال الاعتراض الشعبي والسياسي في الشارع ومقاطعة جلسات الحكومة خيارات مطروحة أمام التكتل بسبب "تعمد الأفرقاء السياسيين مخالفة الدستور وقانون الدفاع وصولاً إلى ضرب الشراكة". كذلك ينتقد نقولا ما سمّاه "العملية الاحتيالية التي تربط اعتراضنا بترقية العميد شامل روكز، في حين أن اعتراضنا انطلق من التمديد غير الشرعي لولاية قائد الجيش مرتين".
وينتظر اللبنانيون التحرك الذي ينظمه التكتل، يوم الأحد المقبل، أمام القصر الجمهوري للمطالبة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل شغور المنصب منذ قرابة عام وخمسة أشهر، لتُعيد القوى السياسية تصدير العناوين السياسية على حساب الحراك الشعبي المطالب بحل أزمة النفايات وعقد جلسة حكومية مُخصصة لبحث هذا الملف.

اقرأ أيضاً: القوى الأمنية اللبنانية تقمع مظاهرة "الحراك الشعبي" مجدداً 

المساهمون